انتهت مراسم البيعة لثلاثي الحكم السعودي الجديد (الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير مقرن ولياً للعهد والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد) لتعكس توازنات سعودية جديدة
مصطفى اللباد
انتهت مراسم البيعة لثلاثي الحكم السعودي الجديد (الملك سلمان بن عبد العزيز والأمير مقرن ولياً للعهد والأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد) لتعكس توازنات سعودية جديدة، مفادها انتصار جناح السديريين في العائلة الحاكمة على جناح الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز. وبرغم السرعة والحسم في تثبيت الانتصار السديري، فما زالت التوازنات السعودية الجديدة بحاجة إلى قراءة متأنية على قاعدة مثلث القوة الفعلي، الذي يختلف في الواقع عن ثلاثي الحكم المعلن.
يتمثل ثلاثي الحكم المعلن في الملك سلمان وولي العهد مقرن وولي ولي العهد محمد بن نايف، لكن ثلاثي القوة الفعلي يتمثل في ثلاثة من أحفاد الملك المؤسس الأمراء: محمد بن نايف ومحمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله. يتحكم هؤلاء في الأذرع العسكرية الثلاث للسعودية، التي تتحكم وحدها في استيراد وامتلاك السلاح في المملكة، أي وزارة الدفاع (محمد بن سلمان) ووزارة الداخلية (محمد بن نايف) والحرس الوطني (متعب بن عبد الله)، وهي حقيقة لها أهميتها الفائقة في حسابات القوة الفعلية. وإذ كثر الحديث في اليومين الماضيين عن خسارة الأمير متعب بن عبد الله لطموحه الملكي ــ وهو أمر صحيح ــ بتعيين منافسه محمد بن نايف في منصب ولي ولي العهد، إلا أن متعبا ما زال ممسكا بالحرس الوطني، ما يضعه في مثلث القوة الفعلي برغم خسارة طموحه الملكي مرحليا على الأقل. ومن ناحية ثانية وفي غمرة الحديث عن انتصار محمد بن نايف وكونه الأول من أحفاد الملك المؤسس في سلسلة الحكم السعودي، إلا أن تكليف محمد بن سلمان بوزارة الدفاع، التي كانت تقليديا حكرا على ولي العهد، يحمل مضمونا صراعيا في بنيته، لأن الأمير محمد بن سلمان بحكم مناصبه سيشكل ضلعا في مثلث القوة الفعلي، حتى مع تعيين الأمير محمد بن نايف ولياً لولي العهد. أما تقدم عمر الملك سلمان (80 عاما)، ومحدودية سلطة الأمير مقرن (70 عاما) داخل العائلة الحاكمة لافتقاره إلى الجذر القبائلي النافذ، فيشيران إلى أن الملك وولي عهده يجسدان في الواقع مرحلة انتقالية في تاريخ السعودية الممتد إلى العام 1932.
محمد بن سلمان
تولى الأمير محمد بن سلمان (نجل الملك الجديد)، بموجب التعيينات التي أعلنها الملك سلمان بن عبد العزيز، حقيبة الدفاع في السعودية، ليصبح أصغر وزير دفاع في العالم (34 عاما). يمسك الأمير محمد بن سلمان بحقيبة فائقة الأهمية تبرم صفقات سلاح بعشرات المليارات من الدولارات، ولها ارتباطات مباشرة بالمجمع الصناعي - العسكري الأميركي وشركات السلاح الكبرى في الغرب. ولم تقتصر المناصب الجديدة التي حازها ابن الملك الجديد على حقيبة الدفاع وإنما امتدت أيضاً إلى رئاسة الديوان الملكي، بعد إعفاء خالد التويجري، ما يعني عمليا المستشار الأول للملك الجديد. وكان الملك الراحل عبد الله قد أصدر أمرا ملكيا في العام 2013 بتعيين محمد بن سلمان رئيساً لديوان والده الأمير سلمان ولي العهد آنذاك برتبة وزير، ثم أمرا ملكيا آخر بتعيينه وزيرا للدولة وعضوا بمجلس الوزراء إضافة إلى عمله كرئيس لديوان ولي العهد، في ما بدا ترضية للأمير سلمان مقابل تغييرات وتعيينات أخرى، أراد بها الملك الراحل تعبيد الطريق أمام ابنه متعب. ينتمي الأمير محمد بن سلمان، الحائز على البكالوريوس في الإدارة من جامعة الملك عبد العزيز في الرياض، إلى جذور قبلية مؤثرة، فهو مثل والده الملك الحالي وابن عمه الأمير محمد بن نايف، سديري. كما أن والدته الأميرة فهدة بنت فلاح بن سلطان هي حفيدة راكان بن حثلين، شيخ قبيلة العجمان، ما يضمن للأمير سندا قبائليا عن طريق والدته. ستظهر الشهور القادمة كفاءة الأمير محمد بن سلمان في إدارة ملفاته المهمة وفي إدارته للعلاقة مع ضلعي مثلث القوة الفعلي، أي متعب بن عبد الله ومحمد بن نايف.
متعب بن عبد الله
يعد الأمير متعب بن عبد الله أكبر الخاسرين من قرارات الملك الجديد، التي ثَبَّتَتْ منافسه محمد بن نايف كأول أحفاد الملك المؤسس في سلسلة الحكم، وأطاحت في الوقت نفسه رئيس الديوان الملكي خالد التويجري المقرب من والده الراحل. تمثلت سياسات الملك الراحل في محاولة تقليص النفوذ السديري في الحكم السعودي، وانتعش الأمل في ضم الأمير متعب إلى سلسلة الحكم السعودي مع وفاة الأميرين الراحلين سلطان ونايف وهما في منصب ولاية العهد. كان الطريق صعبا أمام الأمير البالغ واحداً وستين عاما، فوالده حتى وهو ملك في ملكية مطلقة كان يعي النفوذ التقليدي للكتلة السديرية، وكذلك التعقيد المصاحب لنقل السلطة إلى الجيل الثالث في العائلة، خصوصا أن متعبا ليس الأكبر سنا بين أحفاد الملك المؤسس. كان على الملك الراحل تصعيد أخيه غير الشقيق مقرن، كي يعبد الطريق لاحقا أمام ابنه متعب. فأقال أولا الأمير أحمد من وزارة الداخلية، وبعدها عين مقرن ولياً لولي العهد في سابقة على توريث الحكم في السعودية. الأمير متعب متخرج من أكاديمية «ساندهيرست» العسكرية البريطانية التي يتخرج منها أغلب أمراء الخليج، ويتحكم بالحرس الوطني ويرأسه، وهو قوة عسكرية ضاربة في المملكة ترأسها والده الملك الراحل لعقود، وأسندها إليه قبل سنوات. لم تسمح توازنات الحكم السعودي بأكثر من تسمية ولي ولي عهد منافس للأمير متعب، ولم تمتد إلى العزل من الحرس الوطني لحسم المعركة مع جناح الملك عبد الله بالكامل. ويعني ذلك أن الأمير متعب ما زال محتفظا بأوراق للقوة لم تشملها قرارات الملك الجديد، وبالتالي يشكل ضلعا في مثلث القوة السعودي الفعلي حتى الآن. من المبكر التكهن بإدارة الأمير متعب لعلاقاته مع ضلعي المثلث الآخرين، اللذين يبدوان سياسيا وعائلية أقرب لبعضهما البعض، لكن المعركة اللاحقة لإطاحته من رئاسة الحرس الوطني بغرض إزاحة جناح الملك الراحل نهائيا لن تكون سهلة بالمرة، كون هذه المؤسسة تملك السلاح ولها الحق في استيراده وغالبية ضباطها يوالون الملك الراحل وابنه.
محمد بن نايف
يعد الأمير محمد بن نايف البالغ من العمر خمسة وخمسين عاما أكبر الرابحين من تراتبية الحكم الجديدة، التي جعلته الثالث بعد الملك المتقدم في السن وولي العهد ذي التأثير المحدود في دائرة السلطة، كأول حفيد من أحفاد الملك المؤسس اقترابا من العرش السعودي. تخرج الأمير البالغ خمسة وخمسين عاما من العمر في «كلية لويس وكلارك» بالولايات المتحدة الأميركية العام 1981 حائزا شهادة البكالوريوس في الآداب والعلوم السياسية، وبعدها اجتاز دورات تدريبية في جهاز «اف بي أي» الأميركي الشهير خلال الفترة بين 1985 و1988. والدته الأميرة جوهرة بنت عبد العزيز بن مساعد بن جلوي، والأخير يعد فرعا من فروع آل سعود، وبالتالي يملك ولي ولي العهد حضورا قويا داخل الأسرة الحاكمة عن طريق والده ولي العهد السابق المنتمي إلى جناح السديريين. يمتلك الأمير محمد بن نايف سمعة طيبة في الولايات المتحدة والتقى قبل عامين الرئيس الأميركي باراك أوباما في واشنطن، واعتبرته صحف أميركية آنذاك «أقرب وزير في الحكومة السعودية للولايات المتحدة الأميركية». عندما عزل الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز أخاه الأمير أحمد بن عبد العزيز (الكتلة السديرية) من وزارة الداخلية، كي يفتح الطريق أمام ترفيع الأمير متعب بن عبد العزيز الأصغر سنا، فقد عين نائبه محمد بن نايف وزيرا للداخلية، في محاولة لتخفيف آثار هذا العزل، كون الوزير الجديد ينتمي للكتلة السديرية ذاتها. صحيح أن الأمير محمد بن نايف يعتبر أكبر الرابحين من الترتيبات الجديدة، إلا أن تصعيد ابن عمه الأمير محمد بن سلمان كوزير للدفاع ورئيس للديوان الملكي لا يجعل الطريق مفتوحا بالكامل أمام ولي ولي العهد، حتى ولو لم يملك وزير الدفاع مكاناً في التراتبية الثلاثية المعلنة.
الخلاصة
يتكون مثلث القوة الفعلي في السعودية من ثلاثة أمراء من الجيل الثالث، تبدلت مواقعهم خلال الأيام الأخيرة صعودا وهبوطا ولكنهم يملكون الطموح اللازم ويمسكون بأهم مفاصل القوة: السلاح. الأقرب للتوقع في ضوء الخبرات السعودية السابقة أن يتحالف الأميران محمد بن نايف ومحمد بن سلمان في مقابل الضلع الثالث في مثلث القوة أي الأمير متعب بن عبد الله، مؤجلين المنافسة المحتملة بينهما إلى ما بعد التحييد الكامل له. حتى ذلك الحين، ستظل صور الرجال الثلاثة الملك وولي العهد وولي ولي العهد تتصدر المؤسسات الحكومية السعودية ووسائل الإعلام الرسمية، لكن العالمين بمثلث القوة الفعلي في السعودية يعرفون أن الأمراء محمد بن سلمان ومتعب بن عبد الله، إضافة إلى ولي ولي العهد الأمير محمد بن نايف، هم فرسان الرهان الحقيقيون على السلطة في الفترة المقبلة!
http://assafir.com/Article/18/398090
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه