أن يفتح ميشال عون وسمير جعجع الباب الموصد بينهما منذ أكثر من 35 عاماً، ويطلقا الأحلام والخيالات في رؤوس الجمهور المسيحي المتحمّس لطي صفحة النزاع المتوارث بينهما من جيل إلى آخر
إنجاز ورقة «المصالحة والمصارحة» بين «التيار» و«القوات»
كلير شكر
أن يفتح ميشال عون وسمير جعجع الباب الموصد بينهما منذ أكثر من 35 عاماً، ويطلقا الأحلام والخيالات في رؤوس الجمهور المسيحي المتحمّس لطي صفحة النزاع المتوارث بينهما من جيل إلى آخر... فهذا ليس تفصيلاً بسيطاً في كتاب العلاقات المسيحية، سواء على المستوى الثنائي، أو على المستوى الجماعي.
حتى اليوم، لا يجرؤ أي من المعنيين بهذا الملف على الجزم بأنّ الطريق ستكون سالكة أمامهما، وبأنّ الاستحقاق الرئاسي لن يكون حاجزاً منيعاً يحول دون استكمال المسار المشترك. احتمالات الفشل لا تقلّ فرصاً وفعالية عن احتمالات النجاح.
بين الفريقين الكثير من الأسباب والمسببات التي قد تُبقي بينهما مسافات شاسعة من الخصومة، لعل أهمها الارتباطات التحالفية. كما بينهما مستقبل مشترك، قد يدفع بهما إلى التخفيف من حمولة الاختلافات الزائدة.
ومع ذلك، لا تزال الأسئلة الجوهرية تجول على الرؤوس: كيف يفكر ميشال عون وسمير جعجع؟ ماذا يريدان من هذا الحوار العابر لخندق خصومة عتيقة؟ إلى ماذا يهدفان؟ وكيف يمكن لهما أن يلتقيا؟
ليس بمقدور أي عاقل أن يزين ما يقوم به الرجلان بمنطق البراءة، وأن يسقط فرضية وجود حسابات سياسية محددة أملت عليهما أن يذيبا قليلاً من الثلج عن دربهما. كلٌ له مقاربته البراغماتية التي دفعت به إلى وضع سلاحه جانباً، والبدء بحوار مشترك يجسّ به النبض ويستكشف معه أفاق وأفكار الجالس قبالته.
ثمة من يعتقد أنّ جعجع لم يخرج يوماً من «شرنقته المسيحية» وها هو اليوم يعود إليها برجليه. قد تكون الظروف الإقليمية هي الحافز الأول والتي ستحتم عليه الخروج من «معرابه» ليجالس «الختيار» في صالونه البرتقالي، في ضوء ما يتعرض له المسيحيون في المنطقة وقد لا يعفي اللبنانيين من ضريبته.. ولكن ثمة اعتبارات داخلية أيضاً شجعته على المضي قدماً في المبادرة الاستثنائية.
بنظر هؤلاء، فإنّ «قائد القوات» يلعب لعبته على طريقة «الربح المضمون» مهما كانت النتائج، إذ سواء تمكن «الخصمان العتيقان» من تحقيق المصافحة السياسية بينهما أو فشلا، سيكون جعجع قد نجح في تعطيل «عبوة» المزايدة المسيحية التي يرميها العونيون تحت قدميه عند كل مفصل.
كما سيتسنى له إسقاط صفة «الأبلسة» التي نحتها البرتقاليون بعناية فائقة طوال هذه السنوات ربطاً بتحالفه مع «تيار المستقبل»، فيقدّم نفسه على أنه صاحب النوايا الحسنة الذي أدى قسطه للعلا ومدّ يد المصالحة للحفاظ على مصالح المسيحيين.
وقد يصعب على «التيار الوطني الحر» حينها العودة إلى الوراء لاستخدام هذا الخطاب بوجه خصمه التاريخي، مع أنّ للعونيين مقاربتهم المختلفة، التي تقول إنّهم لم يستخدموا يوماً هذا الأسلوب لتحقيق مكسب جماهيري ولطالما تجنّب الجنرال إقحام مفرداته بسجال مباشر مع جعجع، وبالتالي لا أثمان للرجعة...
بالنسبة لهؤلاء أيضاً، فإنّ أي اتفاق قد يُحبك بين الرجلين يعني أنّ ميشال عون اعترف بسمير جعجع شريكاً له في الطبق المسيحي، وأنّه صار بمقدور «حكيم معراب» أن يحلم، لا أن يتوهّم، باقتناص بعض من الجمهور البرتقالي في المستقبل، ما دام أنه لم يعد في خندق القتال بوجههم.
يقول حلفاء جعجع إنّ أي اتفاق بين الآتيَيْن من مقلبيّ الخصومة، يعني قيام معادلة «برزاني - طالباني»، أي تقاسم النفوذ بين الرئيس والزعيم، ما يعني ذهاب «القوات» حتى آخر المسار في الحوار، ليكون «قائدها» داعماً للجنرال في ترشحه للرئاسة، مقابل المساعدة على «تضخيم» زعامة «الحكيم»... وإلا لن تُكتب للمصالحة الحياة.
حتى اليوم، لا يزال هذا السيناريو من نسج الخيال، ولا معطيات جدية تشي بأنّه قابل للتنفيذ، مع أنّ العاملين على خط الحوار العوني - القواتي يؤكدون أنّ الرئاسة هي في صلب هذه المشاورات ولم يتم تحييدها، والعمل جارٍ بشكل جدي على ابتكار «صيغة» يقبل بها الفريقان، لافتين إلى أنّ مجرد استمرار هذه المشاورات بوجه الراغبين بتعطيلها، فهذا يعني أنّها تضجّ حياة ورغبة بالصمود. ولهذا يتسلّحون بالسرية التامة لحماية هذه المباحثات، ويستعينون بأذن بيتهوفن الطرشاء كي لا «يلوّثوا» سمعهم بالمواقف المحبطة، وفي بالهم دوماً أنّ صراع العقود لا يمكن أن يحلّ بين ليلة وضحاها.
بالنسبة للمدافعين عن هذا الحوار، فإنّ مجرد فلشه لكل الأوراق المشتركة، والمقصود بها المراجعة الشاملة التي تهدف إلى تحسين وضعية المسيحيين في النظام وفي التركيبة السلطوية، يعني أنه ليس محصوراً بالكرسي المخملي، مع أنّ الفراغ الرئاسي كان بلا شك الحافز الأبرز لفتح كوة الحوار. بنظر هؤلاء ثمة واقع أساسي هو الذي حرك المياه الراكدة: لقد بات الفريقان مقتنعين أنّ «يداً واحدة تعجز عن التصفيق».
بالنتيجة، يعكف ابراهيم كنعان وملحم رياشي اليوم على تنقيح الورقتين اللتين تبادلاها بغية صياغة ورقة واحدة، يفترض أنها ستكون مقسومة إلى جزءين:
الجزء الأول، عبارة عن مقاربة عامة وشاملة للوضع اللبناني، مع الأخذ بعين الاعتبار أزمات المنطقة وانعكاساتها على الداخل.
الجزء الثاني، عبارة عن مقاربة داخلية تتصل بتكوين السلطة وبالانتخابات وقانونها والإصلاحات المنتظرة، وصولاً إلى الملفات الاجتماعية - الاقتصادية التي تهم اللبنانيين بشكل عام والمسيحيين بشكل خاص.
ويمكن القول إنّ المسودة الأولى لهذه الورقة التي ستكون تحت عنوان «المصالحة والمصارحة»، صارت جاهزة، حيث تجري مناقشة الملاحظات التي سجلت على هامشها والتي قام بوضعها كل من «الجنرال» و «الحكيم»، حيث يفترض أن تكون هذه الورقة ثمرة اللقاء الأول بين الرجلين.
في هذه الأثناء عقد يوم الأربعاء اجتماع تنسيقي بين محامي الفريقين لوضع الآلية التنفيذية للقرار المتخذ والقاضي بإسقاط الدعاوى القضائية بينهما، كي يقرن القول بالفعل.
ويبقى السؤال: هل سيستنسخ سمير جعجع سيناريو سعد الحريري بمدّ الحبل لميشال عون، فيعود ويقطعه به في منتصف الطريق بحجة الحاجة إلى موافقة الطرف السنيّ ليكون رئيس «الجمهورية الضائعة»؟
http://assafir.com/Article/2/398186
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه