لا تخرج معارك الجبهة الجنوبية الأخيرة في سوريا، عن سياق التصعيد الحاصل مع الاحتلال الإسرائيلي في الجولان وجنوب لبنان
حسن عليق- فراس الشوفي
لا تخرج معارك الجبهة الجنوبية الأخيرة في سوريا، عن سياق التصعيد الحاصل مع الاحتلال الإسرائيلي في الجولان وجنوب لبنان. وإن كان التنسيق بين العدوّ والمجموعات المسلّحة، سابقاً لجريمة القنيطرة، فإن «فورة» المسلّحين على جبهات درعا والقنيطرة والزبداني، تحمل رسالة إسرائيلية واضحة: قادرون على إشغالكم في أكثر من جبهة.
منذ ما قبل العاصفة الثلجية الأخيرة، شهدت معظم الجبهات السورية هدوءاً نسبياً، مقارنةً بما كان عليه الحال في الأسابيع والأشهر الأخيرة، من حلب وإدلب شمالاً، إلى درعا والقنيطرة جنوباً، مروراً بأرياف حماه وحمص ودمشق. استُثنيت من ذلك المعركتان المفتوحتان بين القوى الكردية و«داعش» في عين العرب شمالاً، وبين الجيش السوري «وداعش» في دير الزور.
إلّا أن الأيام الماضية، شهدت تصعيداً لافتاً على معظم الجبهات، وفيما كان زهران علّوش يخطف الصخب الإعلامي بصواريخه التي استهدفت المدنيين في دمشق، كان «العمل الجدي» في أمكنة أخرى. ففي حلب، شن المقاتلون المعارضون هجوماً على حي الأشرفية، لإشغال الجيش الذي يستعد لتوسيع رقعة المناطق التي يسيطر عليها في المحور الشمالي الغربي للمدينة. فالجيش السوري يسعى إلى الاقتراب أكثر فأكثر من إحكام الطوق على الأحياء التي تحتلها «جبهة النصرة» وحلفاؤها، ولفك الحصار عن بلدتي نبّل والزهراء (ريف حلب الشمالي) المحاصرتين على يد «النصرة» منذ نحو سنتين.
التماس الجديد في الزبداني
لكنّ التصعيد الأبرز شهده الجنوب السوري على جبهتي درعا والقنيطرة، بالتزامن مع تحرّك جبهة جديدة، هي الزبداني وجنوبها الغربي، إذ تحرّكت ليل الخميس الماضي مجموعات من «النصرة» بعضها قدم من جنوب القلمون، والآخر من جرود سرغايا والزبداني الغربية نحو بلدتي يابوس وكفير يابوس الواقعتين إلى الشمال من طريق دمشق ــ بيروت الدولي، بالتزامن مع تحرّك بعض الخلايا النائمة في البلدتين. ويحمل تحرّك «النصرة» في تلك المنطقة دلالات خطيرة، بفعل تماس البلدتين مع طريق بيروت ــ دمشق الدولي وإمكانية قطعه، والتأثير الميداني على البقاع الأوسط اللبناني الذي تزعم «النصرة» و«داعش» أنه يضم بيئة مؤيدة لهما في صفوف النازحين السوريين، كما تسمح السيطرة عليهما والتمدد باتجاه جنوب الطريق الدولي، بفتح الباب امام ربط القلمون مستقبلاً بريف دمشق الجنوبي الغربي وصولاً إلى جبل الشيخ فالقنيطرة. وسريعاً، تحرّك الجيش السوري لطرد المسلحين من البلدتين، وكان له ما أراد، إذ أعاد السيطرة عليهما، وطارد المسلحين في جرود الزبداني وسرغايا موسعاً بقعة الأمان شمالي خط بيروت ـــ الشام.
جبهتا درعا والقنيطرة
الجبهة الثانية في درعا. حشدت «النصرة» و«حركة المثنى» و«أحرار الشام» طوال الأسبوع الماضي عدداً كبيراً من المقاتلين من مختلف أنحاء حوران، إضافة إلى فصيلٍ جديد يسمّى «الفيلق الأول» ويرأسه العقيد المنشقّ زياد الحريري. وتمكّنت يوم الأحد الماضي من السيطرة على مقرّ «اللواء 82» في شرق مدينة الشيخ مسكين، غرب أوتوستراد دمشق ــ درعا الدولي. و«الفيلق الأول» بحسب مواقع عبرية، هو نتاج تعاون استخباري وعسكري إسرائيلي ــ أردني لبناء قوّة موحّدة من المعارضين في الجنوب السوري. وبحسب مصادر أمنية سورية رفيعة المستوى، فإن غرفة العمليات الأردنية في عمان، التي تضمّ ضبّاط استخبارات عربا وغربيين، إضافة إلى ضباط من شعبة الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان»، «تعمل منذ حوالى ثلاثة أشهر على تشكيل الفيلق الأول، ويُخرّج دورات دوريا كل 20 يوماً من معسكرين في السعودية ومدينة الزرقاء الأردنية». وبحسب المصادر، فإن كل مجموعة جديدة من 40 عنصراً في «الفيلق الأول»، تحصل فور تخرّجها على «راجمات أميركية من عيار 125 ملم يملكها الأردن، إضافة إلى سيارات لاند كروزر و4 رشاشات دوشكا، ومدفعي سي. بي. جي. 9، ومدافع هاون متعددة، إضافة إلى قاعدتين لصاروخ تاو مع 10 قذائف».
ورصد الجيش في فترة ما بعد العاصفة، «دخول أكثر من 450 مقاتلاً من الأردن عبر معبر تلّ شهاب الحدودي، بينهم ليبيون ومغاربة وأردنيون وسوريون، خضعوا للتدريب في معسكرات الأردن والسعودية». وتقول المصادر إن «الدور الإسرائيلي بات طاغياً على دور الاستخبارات الأردنية في درعا، بعدما كان التأثير الأردني هو الأكبر، في ظلّ انقسامات واضحة بين الأجهزة الأمنية والعسكرية الأردنية حول حجم التورّط في المعركة ضدّ سوريا، وتحوّل الجنوب إلى ساحة فوضى مطلقة».
الهجوم على «اللواء 82» لا ينحصر بالسيطرة على الموقع العسكري، بل يتعدّاه بحسب مصادر ميدانية معنية بالجبهة الجنوبية، إلى «السيطرة على طريق دمشق ــ درعا». غير أن الجيش بحسب المصادر الأمنية «امتص صدمة خسارة اللواء والانسحاب منه بأقل الخسائر الممكنة، وعمل سريعاً على تثبيت مواقع جديدة في الأطراف الشرقية للشيخ مسكين غرب الأوتوستراد لحمايته، وفي بلدتي قرفا ونمر المجاورتين».
وبينما تولّى مسلحو «الفيلق الأول» ومجموعات متحالفة معه، الهجوم على مواقع الجيش في الدلي والفقيع وتل محجة في الريف الغربي لدرعا شمالي الشيخ مسكين، بدأت «النصرة» و«حركة المثنى» و«أحرار الشام» هجوماً على مواقع الجيش في السحيلية ومحطة الكهرباء. وقالت المصادر الأمنية إنه «لم يحدث أي اختراق لهذا الخطّ، وهو خطّ الدفاع عن مدينة الصنمين، وبالتالي الفاصل بين درعا وجنوبي دمشق». وأكدت المصادر أن «الجيش احتوى الهجوم، لكن الخطر لا يزال قائماً بفعل إصرار غرفة العمليات التي تدير المسلّحين، والتوجيه الإسرائيلي». وأكدت المصادر أن «عدداً كبيراً من المسلحين وقع صباح الإثنين بكمين محكم للجيش في محيط السحيلية، بعد خدعة الخروج من أحد المواقع، ما أدى إلى سقوط العشرات منهم قتلى وجرحى».
الجبهة الثالثة استهدفت أوتوستراد السلام، أي طريق دمشق ــ القنيطرة الدولي. فبعد سلسلة محاولات في الأسابيع الماضية للهجوم على بلدة سعسع وحواجزها، ومزارع حسنو المجاورة وتهديد مدينة قطنا، بدأ المسلحون محاولة قطع الطريق عند مخيّم خان الشيح، بالتزامن مع تحرّك جبهة الزبداني. وأشارت مصادر عسكرية سورية في خان الشيح إلى أن «المسلحين يحاولون منذ أيام السيطرة على الأوتوستراد في المقطع المقابل لخان الشيح عبر الهجوم بالصواريخ وقذائف الهاون ومحاولات التثبيت على مقربة من الأوتوستراد، انطلاقاً من المزارع المحيطة». وأكدت المصادر أن حواجز الجيش أحبطت محاولات المسلحين. وعلمت «الأخبار» أن الجيش عزّز مواقعه المطلّة على الأوتوستراد على طول الطريق، ونشر حواجز إضافية من سعسع وصولاً إلى مدينتي البعث وخان أرنبة شمالي شرقي مدينة القنيطرة».
«النصرة» و"إسرائيل"
وتتقاطع معلومات مصادر أمنية سورية بارزة وأخرى ميدانية معنية بالجبهة الجنوبية، عند التأكيد على أن «الجبهات الثلاث الأخيرة متصلة بعضها ببعض». وتشير المصادر إلى أن «تحركات المسلحين الأخيرة أتت بناءً على أوامر عمليات صادرة من غرفة العمليات الأردنية التي تنسّق عملها مع العدو الإسرائيلي، لإدارة عمليات المجموعات المسلحة في الجنوب السوري». وتجزم المصادر بأن «النصرة» أيضاً تعمل بإمرة هذه «الغرفة»، مؤكدة أن العمليات على الجبهات الثلاث مرتبطة بتطوّر الأحداث في القنيطرة، منذ ما قبل الاعتداء الإسرائيلي على موكب المقاومة. فبعد التقدّم الذي حقّقته «النصرة» وحلفاؤها في أكثر من جبهة في المحافظة، وسيطرتها على عدد من مواقع الجيش السوري وثكنه خلال الأشهر الماضية، بدأ الجيش والقوى الرديفة له باتخاذ إجراءات منعت استمرار مسلسل التقدم، تمهيداً لاستعادة ما خسره، ربطاً بالموقع الاستراتيجي للمنطقة الملاصقة للجولان السوري المحتل، والتي تمثل السيطرة عليها تهديداً محتملاً لطريق بيروت دمشق من جهة، وللضواحي الجنوبية للعاصمة من جهة أخرى. وترى المصادر أن «تحركات المسلحين ترمي إلى إشغال الجيش وحلفائه، بعد الاعتداء الإسرائيلي، وتصميم المقاومة على الرد على جيش الاحتلال». وبالتالي، تتعامل أطراف محور المقاومة مع تحركات «النصرة» وحلفائها في الجنوب السوري كواحدة من الأدوات الإسرائيلية، التي يوصل العدو الرسائل عبرها بأن «ظهر الجيش السوري سيكون أيضاً في مواجهة الخطر، إذا ما فُتِحت جبهة الجولان». وتستدّل المصادر على رؤيتها، بالغارة الإسرائيلية على «تل الشحم» وقيادة اللواء 90 في القنيطرة فجر يوم الأربعاء، الذي وضعته قوات الاحتلال في إطار الرد على إطلاق الصواريخ على الجولان المحتل في اليوم السابق (الثلاثاء)، إذ يلعب «تلّ الشحم»، إضافة إلى تلال «الشعار» و«الكروم» و«البزّاق» أدواراً رئيسة في الدفاع عن مدينتي البعث وخان أرنبة ضدّ هجمات مسلّحي «النصرة» و«حركة المثنى»، انطلاقاً من جباتا الخشب وقرى الحميدية والحرية وأوفاميا، المتاخمة للشريط الحدودي مع الجولان المحتل. خلاصة الرأي في الجزء المحرر من الجولان أن العدو بعث في غارته على تل الشحم برسالة مفادها: أي عملية ضد قوات الاحتلال في الجولان سيقابلها استخدام الطيران الحربي الإسرائيلي لـ«تعبيد الطرق» أمام المسلحين في الجنوب السوري.
طريق السويداء آمن
حمل «كمين السويداء» نهاية الأسبوع الماضي، مفاجأة غير سارّة بالنسبة لمسلحي «جبهة النصرة» وحلفائها في منطقة اللجاة، الواقعة إلى الغرب من أوتوستراد السويداء ــ دمشق، في ريف درعا الغربي، إذ وقع رتل مشاة من «النصرة» بكمين من العبوات الناسفة الشديدة الانفجار يوم الجمعة الماضي في منطقة «بيارة الحمام» في خراج بلدة براق المتاخمة للأوتوستراد وعلى مقربة من مطار خلخلة العسكري، ما أدّى إلى مقتل معظم أفراد المجموعة، وقدرتها مصادر ميدانية بخمسين مقاتلاً، إضافة إلى اعتقال حاجز الاستخبارات الجويّة القريب عنصرين نجوَا من الكمين. من جهته، أبدى الإعلام الإسرائيلي اهتماماً لافتاً بالكمين بعد عرض قناة المنار تقريراً مصوّراً عنه، وتساءل المحللون العسكريون عن نوع المتفجرات المستخدمة، وقدرتها التدميرية العالية. وكان قد سبق لمسلحين من اللجاة وبصر الحرير أن حاولوا قطع الأوتوستراد مرات عدّة من دون تحقيق نتائج تذكر، واستخدام الطريق معبراً من اللجاة ودرعا إلى منطقة الأصفر في البادية. وفي ظلّ ازدياد المناوشات بين «داعش» ومسلحي «جيش الإسلام» في منطقة بير القصب على المقلب الشرقي من الأوتوستراد، يعمل الجيش السوري على مساعدة أبناء القرى المحيطة على تطوير قدراتهم بهدف حماية الطريق والدفاع عن قراهم.
http://www.al-akhbar.com/node/225061
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه