24-11-2024 12:12 AM بتوقيت القدس المحتلة

البحث العلمي يحتاج إلى الإنكليزية كلغة عالمية ..!!

البحث العلمي يحتاج إلى الإنكليزية كلغة عالمية ..!!

يرى مونتغمري ضرورة أن تكون الإنكليزية مقرّراً أساسيّاً في العلم، يشبه مقرّر الرياضيات بوصفه مكوناً جوهرياً من مكونات التدريب. ويستتبع ذلك وجوب تقليل شأن عيوب اللغة الإنكليزية، لأنها تعتبر جزءاً طبيعيّاً من العلم نفسه.

«هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟ اللغة الإنكليزية ومستقبل البحث العلمي»، عنوان كتاب صدر حديثاً ضمن سلسلة «عالم المعرفة» («المجلس الوطني الكويتي للثقافة والفنون والآداب»). ومؤلّف الكتاب هو سكوت ل. مونتغمري، عالم متخصّص في طبقات الأرض، وأستاذ في «معهد جاكسون للدراسات الدوليّة» في جامعة واشنطن.

علي عطا/ جريدة الحياة

البحث العلمي يحتاج إلى الإنكليزية كلغة عالمية ..!!وصدر الكتاب في لغته الأصلية العام 2013، وترجمه إلى العربيّة الزميل فؤاد عبدالمطلب، وهو أستاذ الأدب الإنكليزي في جامعة حمص في سورية. ووفق نص على غلاف طبعة «عالم المعرفة»، يمثّل الكتاب معالجة ممتازة لموضوعات مهمة في ميادين البحث والاتّصالات والنشر والتعليم وإنتاج المعرفة.

ويستفيد القارئ العربي من تجربة قراءة الكتاب، لأنه يتعلم كثيراً عن اللغة الإنكليزية في علاقتها بتلك الميادين، وأوضاعها في العالم المعاصر. وعبر العنوان، يوجّه المؤلف سؤالاً عريضاً، قبل أن يخلص في النهاية إلى الجواب بنعم، مقدّماً عبر نقاش واسع، معلومات كثيرة أخّاذة. ويحاول الكتاب أيضاً أن يحثّ بصورة غير مباشرة على طرح أسئلة (وكذلك إجابات) لتقرير مدى حاجة العلم إلى لغة عالميّة مشتركة.

يحمل كتاب معاني كثيرة للعلماء والباحثين ومدرّسي المواد العلميّة واللغة الإنكليزية، والمترجمين والمحررين والناشرين وغيرهم. ويمكن وصفه بأنه كتاب بحثي ذكي، إذ يقدم فيه المؤلف شرحاً موضوعيّاً مفيداً عن أسئلته. كما تضفي روايته لبعض الحكايات عن لقاءات مهنيّة مع علماء غير ناطقين أساساً بالإنكليزيّة، شيئاً من الحيويّة والتشويق.

ويطرح الكتاب مقترحات أعمل التفكير فيها لجهة دلالتها على ما تتضمنه بالنسبة إلى العلم والتعليم والنشر العلمي. ويرد في تقديم الناشر أيضاً: «مادام المشتغلون بالتعليم والبحث العلمي على الصعد كلها يواجهون مستويات متزايدة من العولمة، فإنه تمكن تزكية الكتاب للفريقين معاً».

وفي عملية الربط بين التطوّر اللغوي والتبدّلات في قصص الأفراد بل في تجربة مونتغمري نفسه، يفصح المؤلف عن أن العاملين الشخصي والسياسي متداخلان، وإنتاج المعرفة جزء من عمليات تاريخيّة وسياسيّة وتحوّلات في القوة غالباً ما تفعل فعلها في الحياة، فتولد مآسي وإخفاقات ونجاحات في حيوات أناس حقيقيين.

كذلك يصح القول إن الإنكليزية هي اللغة السائدة عالميّاً، لكن مونتغمري بوصفه باحثاً ومترجماً محترفاً، يستطيع تقويم تكاليف تلك الحقيقة وفوائدها بدقّة. وما يجعل الكتاب جديراً بالقراءة، إضافة إلى المعلومات التي يقدمها، وضوح لغته وحُسنها، وسلاسة عباراته ورشاقتها، وحسّه التهكّمي المحبّب، وشعوره الإنساني الدافئ.

هيمنة ومنافسة وانحسار

تمكن الإشارة إلى أن بعض القضايا المثارة في الكتاب تحتاج إلى إمعان النظر فيها نقديّاً بسبب التعقيدات الناجمة من هيمنة الإنكليزية في ميادين البحث والنشر والتعليم والتواصل العلمي، إضافة إلى علاقة تلك الهيمنة باللغات القومية التي تتمكن من المنافسة في تلك الحقول، واللغات المحليّة المهدّدة بالانحسار.

هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟هل يحتاج العلم إلى لغة عالمية؟ نعم، إنه يحتاج إلى ذلك، وفق المؤلف. في مرحلته التاريخيّة الحاليّة، يستجدي العلم تلك اللغة ويسعى إليها حثيثاً. وتبدو تلك اللغة مطلوبة من أجل التقدّم الذي يعتمد بصورة متزايدة على الاتّصال والتعاون الدوليّين، إضافة إلى تعدّدية المشاركة. ويعتمد العلم أيضاً على أعداد تتزايد باطراد، من باحثين يأتون من أرجاء المعمورة كي ينضوا تحت لوائه، عبر إضافة أعمالهم وخبراتهم لتوسيع المجتمع العلمي الأكبر.

ويبرز الكتاب الحاجة إلى انضمام الأمم إلى اللغة الإنكليزيّة، كي تحصل الأمم على فرصة المشاركة في العلوم والتقنيّات والهندسة والرياضيات. ويضيف مونتغمري: «يحتاج العلم إلى لغة عالمية من أجل الأسباب الكثيرة التي يذكرها العلماء والمهندسون والأطباء أنفسهم حين يوجّه إليهم السؤال الذي ربما يمكن تلخيصه في تعليق أورده باحث صيني في علم الأحياء الطبية: «يجب أن يتعلم بعضنا من بعض، كوننا علماء، وأن يكتب بعضنا إلى بعضنا الآخر».

في ضوء ما تقدّم، يبدو أن الباحثين مطالَبون بالسعي من أجل الوصول إلى المعرفة التي يمكن أن يحتاجوها من أماكن خارج بلدانهم ولغاتها. ويضاف إلى ذلك أن الاتّصال الرسمي بين العلماء، خصوصاً عبر بحوث الدوريّات العلميّة، ليس مجرد مرحلة في الممارسة الاجتماعية للعمل العلمي، بل يشكّل جزءاً من البحث العلمي نفسه. ولا يقل شأن ذلك الاتصال لجهة المشاركة والتكامل، عن عمليات تحليل البيانات، بل إن المادة العلميّة التي تفشل في أن تكون مشتركة ليست علماً، لأن البعد التشاركي هو الذي يحدّدها بوصفها معرفة، وفق تأكيد مونتغمري.

لذا، يرى مونتغمري ضرورة أن تكون الإنكليزية مقرّراً أساسيّاً في العلم، يشبه مقرّر الرياضيات بوصفه مكوناً جوهرياً من مكونات التدريب. ويستتبع ذلك وجوب تقليل شأن عيوب اللغة الإنكليزية، ومن لا يستطيع تعلّمها أيضاً، لأن تلك اللغة تعتبر جزءاً طبيعيّاً من العلم نفسه.

ويخلص المؤلف إلى القول بوجوب إعطاء مزيد من الانتباه إلى تعليم تلك اللغة لمن هو أجنبي عنها، بسبب فعالية ذلك التعلّم وأهميته بالنسبة الى مسائل تتصل بالعلم، كالدعم المالي، واختيار المدرسين وتدريبهم، والمحتوى التعليمي، وطُرُق التعليم وتحصيل الطلبة ومواقفهم ونجاحهم.

ويلاحظ مونتغمري أن معظم الغبن الواقع على قدرات اللغة الإنكليزية يبدأ من تلك المعطيات، ما يعني أن تحسين التدريب على الإنكليزيّة يفيد في تحسين التدريب العلمي. ومن المحتمل أن يأتي أحد نماذج التحسين من ابتعاد الطلبة عن تقليد المتحدّث الأصلي للإنكليزية في أدائهم الدراسي، بمعنى أن تكون لهجة حديثهم عادية ومقبولة بوصفها مؤشراً لأصولهم وهويّتهم.