الخبير غازي وزنة يؤكد أن :" الدول الخاسرة هي الدول المنتجة للنفط اذ يتسبب هبوط أسعار النفط بخسارة كبيرة في عائداتها، وارتفاع العجز في ماليتها العامة، وتباطؤ في وتيرة نموها الاقتصادي كما أنه يؤثر على ميزانها التجاري
قد تكون مفارقة غريبة أن يتوقع خبراء الاقتصاد في العالم ارتفاع سعر برميل النفط إلى 120 دولاراً في اليوم، في ظل ما يشهده المجتمع الدولي من صراعات وحروب، أزمة أوكرانيا، الحرب الدائرة في سوريا والعراق، والانقلابات الحاصلة في اليمن وشرق أفريقيا، من المفترض أن تؤدي كلها إلى ارتفاع جنوني لأسعار النفط، واشتداد الطلب عليه، إلا أن الأمر كان عكس هذه التوقعات.
زينب الطحان / موقع المنار
فإذ به فجأة راح يهبط تدريجياً حتى وصل إلى الخمسين دولاراً، البعض يرجع السبب الرئيسي إلى عوامل جيوساسية، في حين أن خبراء أخرين يجمعون على عوامل متعددة منها تراجع الطلب على النفط خصوصاً في ظل ثورة النفط الصخري الأميركي.
إلا إنه لا أحد ينكر أن النفط يرتبط بعلاقة وطيدة منذ زمن بعيد مع الأزمات والصراعات السياسية، ويرجع الخبراء هذه العلاقة إلى بداية القرن الماضي وتحديدا في العام 1914، حيث أضحت سلعة النفط محركا اساسيا ومهما في وقائع الأزمات والصراعات الدولية.
السبب الرئيسي لهبوط أسعار النفط هو جيوسياسي باتفاق أميركي سعودي
من هذا المنطلق الإيرانيون والروس يرون أن السعودية والولايات المتحدة تقفان خلف هبوط أسعار النفط، فإلى أي حد هذه الرؤية واقعية؟!. في جولة على عدد من الوكالات العالمية التي أجرت تحقيقات حول طبيعة الأزمة لتأثيراتها العالمية، معظم الخبراء غير المسيّسين، يؤكدون أسباباً جيوساسية . ففي مقال لصحيفة "نيزافيسيمايا غزيتا" الروسية، يعود تاريخه إلى نهاية أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، وُجهت اتهامات إلى السعودية والولايات المتحدة بالترتيب لتشديد الضغوط على كل من روسيا وإيران على خلفية دورهما في الملف السوري ودور موسكو في الاضطرابات التي تشهدها أوكرانيا. وهو سيناريو لا يستبعده الدكتور خطار أبو دياب، الخبير في شؤون الشرق الأوسط، بحيث يقول لوكالة رويترز: "في الماضي، وبعد انكشاف الأرشيف الديبلوماسي تبيّن أن المملكة العربية السعودية لعبت مع إدارة ريغان في مسألة إسقاط الاتحاد السوفياتي السابق بالضربة القاضية خلال الحرب الباردة لأن خفض أسعار النفط أدى إلى انهيار كبير في الاقتصاد السوفياتي."
بدوره الخبير الاقتصادي اللبناني الدكتور غازي وزنة يقول لموقع المنار : "إن هبوط أسعار النفط بهذا الشكل السريع يعود بالدرجة الأولى إلى بعده الجيوسياسي، وهو التأثير على روسيا في الملف الأوكراني وعلى إيران في الملف النووي إذ يعدّ حاكم البنك المركزي البريطاني أن التوترات الجيوسياسية في أوكرانيا وفي الشرق الاوسط تتسبب بالضغط في سوق النفط كما يرى الصحافي الأميركي "توماس فريدمان" أن التفاهم الأميركي السعودي هو وراء تراجع أسعار النفط للضغط على إيران وروسيا".
وفي التفاصيل يوضّح الخبير "وزنة" أن الاقتصاد الروسي يعتمد في شكل رئيسي على قطاعي النفط والغاز اذ يصــدّر نحو 7.2 مليون برميل يوميا وتشكل هذه الصادرات 70 % من اجمالي الصادرات و 50 % من عائدات الخزينة العامة، فان انخفاض سعر برميل النفط 50 دولار، يخسّرها يوميا نحو 350 مليون دولار ونحو 100 مليار دولار سنويا خصوصا أن الاقتصاد الروسي يمرّ في حال انكماش اقتصادي مع خسارة الروبل أكثر من 45 % من سعرها في العام 2014 وهروب رساميل تفوق 150 مليار دولار وخسارة احتياطات المصرف المركزي الروسي نحو 200 مليار دولا،ر مع الإشارة إلى أن روسيا حددت موازنتها العامة في العام 2014 على أساس 100 دولار للبرميل.
هذا على الصعيد الروسي أما انعكاسات الأزمة على الصعيد الإيراني يبيّن الخبير وزنة : أن الاقتصاد الإيراني يصدّر يوميا نحو 1.1 مليون برميل وتبلغ صادراتها النفطية سنويا نحو 45 مليار دولار مشكلة 70 % من اجمالي صادراتها، و45 % من اجمالي ايراداتها العامة و 21 % من الناتج المحلي. فان انخفاض النفط 50 % يخسّرها نحو 20 مليار دولار ويؤثر على موازنتها العامة المبنية في العام 2014 على سعر يقارب 100 دولار للبرميل كما يؤثر على نمو اقتصادها ويزيد الضغوط على معدلات البطالة والتضخم وينعكس سلبا على الميزان التجاري.
ولقد أعدّ الرئيس الإيراني موازنة العام 2015 على أساس 70 دولار لسعر برميل النفط واتخذ اجراءات براغماتية إصلاحية على صعيد وقف الدعم للبنزين والمواد الغذائية والغاز، وعلى صعيد خفض الاعتماد على العائدات النفطية التي تشكل 45 % من اجمالي العائدات إلى 31.5 % لا سيما أن سياسة الرئيس الإيراني نجحت في العام 2014 في تحقيق الاستقرار الاقتصادي لأول مرة منذ سنوات وفي تحقيق معدل نمو يقارب 1.5 % بعد سنتين من الانكماش وفي خفض معدلات التضخم من 39 % الى 17 %".
دول التعاون الخليجي العربي هي المتضرر الأول من هبوط أسعار النفط :
ولكن أمام هذه المعطيات، هناك سؤال يطرح بجدية، هل الدول التي تؤدي دوراً خطيراً في هذه الأزمة غير متأثرة فعلياً بهبوط أسعار النفط؟. فما هي الدول الرابحة والخاسرة من عملية هبوط أسعار النفط؟".
أجمعت العديد من الدراسات الاقتصادية التي اعتمدت على أراء خبراء في عالم الاقتصاد أن السعودية، وهي أكبر مصدر للنفط في العالم، أكبر متضرر من تهاوي أسعار النفط، حيث انخفض المؤشر الرئيسي للسوق السعودية 3.3 بالمائة إلى 8119 نقطة، مسجلا أدنى مستوياته في 13 شهرا. وهذا ما يؤكده الخبير غازي وزنة لموقع المنار في أن :" الدول الخاسرة هي الدول المنتجة للنفط اذ يتسبب هبوط أسعار النفط بخسارة كبيرة في عائداتها، وارتفاع العجز في ماليتها العامة، وتباطؤ في وتيرة نموها الاقتصادي كما أنه يؤثر على ميزانها التجاري :
- دول التعاون الخليجي: تصدّر يوميا 16.8 مليون برميل وبلغت إيراداتها في العام 2013 نحو 589 مليار دولار (السعودية 287 مليار دولار، الامارات 108، الكويت 102) وتشكل 46 % من الناتج المحلي. فان تراجع سعر برميل النفط 50 % يخسّرها في العام 2015 نحو 215 مليار دولار أي 14 % من ناتجها المحلي إذ تشكّل الصادرات النفطية 75 % من إجمالي صادراتها ويشكّل بين 80 و 90 % من عائداتها الحكومية. كما أن هبوط النفط يحوّل الفائض في ميزانيتها من نحو 5 % من الناتج المحلي إلى عجز يراوح بين 6 – 10% من الناتج المحلي باستثناء الكويت، خصوصا أن غالبية دول التعاون الخليجي اأدت موازنتها في العام 2014 على أساس 80 دولار للبرميل.
تعتمد دول التعاون الخليجي على احتياطاتها بالعملات الأجنبية البالغة 900 مليار دولار ( 740 مليار دولار للسعودية ) لاستيعاب انعكاسات هبوط أسعار النفط ولتغطية عجزها في المالية العامة. ولكن بعض من هذه الدول أعدت موازناتها للعام 2015 على أساس 50 دولار لسعر البرميل أي أنها مضطرة إلى إعادة النظر في سياسات الدعم ( الديزل ، الطاقة، النقل ) وسياسات الإنفاق الرأسمالي والتوظيف في القطاع العام كما أنها مضطرة أن تبحث عن مصادر إضافية لإيراداتها ( فرض رسوم على تحويلات الوافدين، ضرائب..). وهنا يؤكد "وزنة" أن دول التعاون الخليجي لا تستطيع تحمّل الخسارة من إيراداتها النفطية على المدى المتوسط رغم احتياطاتها.
وتأتي تالياً :
- فنزويلا ( تشكل الإيرادات النفطية 96 % من إجمالي إيراداتها )، الجزائــــر ( 75 % )، إيـــران ( 70 %) روسيا ( 70 % ).
- العـــراق: يعيش تداعيات الأحداث الأمنية الداخلية، وقطع داعش طرق الامدادات الشمالية الرئيسية، وخسارة جزء من أراضيها كما يعيش تداعيات هبوط إيراداتها النفطية نحو 35 % من 85 مليار دولار سنويا إلى 62 مليار دولار اذ تصدّر نحو 2.9 مليون برميل يوميا، وتداعيات الضغوط على ماليتها العامة ومشكلات سداد التزاماتها الخارجية وتباطؤ نمو اقتصادها إلى أقل من 1.5 % .
أما على الضفة الأخرى، من الأزمة فهناك سطوحاً إيجابية لبعض الدول، التي تعود إليها هذه الأزمة بأرباح متفاوتة النسب، ويقول الدكتور "وزنة" أن الدول الرابحة من تدهور الأسعار هي الدول المستهلكة للنفط : الصين (6.2 مليون برميل يوميا) الاتحـاد الأوروبـــي ( 12.7 مليون برميل )، في المنطقة ( لبنان، الأردن، تونس..) . ويساعد هبوط أسعار النفط في تحريك الاقتصاد، وتخفيض معدلات التضخم، وتحسين الميزان التجاري وميزان المدفوعات. يقدّر صندوق النقد الدولي زيادة النمو عالميا نحو 0.5 % عند هبوط اسعار النفط 30 دولار للبرميل.
الإنتاج الصخري سيجعل أميركا مصدّرة للنفط في العام 2030 :
ولكن العديد من الخبراء يرجع أن أحد أسباب تدهور أسعار النفط يعود إلى تراجع الكميات التي كانت تستهلكها الولايات المتحدة وتستوردها من الخارج بسبب ظهور النفط الصخري فيها، والذي على ما يبدو أنه سيجعلها مصدّرة للنفط بعد مدة من الزمن، هل هو سبب فعلي...؟!..
نعم، هذا جدي، يجيب الدكتور "وزنة" فالمعركة على الحصص في الأسواق النفطية العالمية بين الولايات المتحدة والسعودية (نحو 10 مليون برميل يوميا)، هي معركة بين النفط التقليدي والنفط الصخري، إذ تخشى الأوبيك من تراجع حصتها في السنوات الخمس القادمة أكثر من 8 % لحساب النفط الصخري الذي ارتفع انتاجه من مليون برميل الى 5 ملايين برميل يوميا في العام 2014 . يوجد تحوّل في استراتيجية الأوبيك التي أصبحت تبحث عن استقرار الإنتاج بدل استقرار الأسعار كما في السابق.
تستهلك الولايات المتحدة 18.3 مليون برميل يوميا، وتستورد منهم 6.6 مليون برميل نصفهم من دول المنطقة. في المقابل فانها تنتج يوميا نحو 3.5 مليون برميل من النفط الصخري بكلفة 70 دولار للبرميل ويبلغ حجم استثمارات الشركات الاميركية نحو 270 مليار دولار ومرشح أن يزداد الإنتاج الصخري في السنوات القادمة نحو مليون برميل يوميا أي أن تصبح الولايات المتحدة مكتفية ذاتيا في مجال الطاقة في العام 2020 ومصدرة للنفط الصخري بحلول العام 2030.
ولكن خفض سعر برميل النفط إلى أقل من 50 دولار يؤثر على إنتاج النفط الصخري ويعرّض الشركات الأميركية إلى خسائر مالية ضخمة. وبالطبع لا ننسى تباطؤ الاقتصاد الصيني والركود في منطقة اليورو وتزايد المخزون النفطي في الولايات المتحدة وتزايد المعروض مقابل الطلب والمضاربة في الأسواق النفطية، تحسن سعر الدولار، هي أيضاً أسباب ساهمت في خفض سعر برميل النفط.