24-11-2024 02:28 PM بتوقيت القدس المحتلة

يا سيِّد العمامة: عمِّم عليهم ثقافة السيادة

يا سيِّد العمامة: عمِّم عليهم ثقافة السيادة

ردود فعل البعض على عملية شبعا المباركة، ذكَّرتنا بمواقفهم خلال عدوان 2006 وهذا شأنهم ولكن، لا أحد من حقِّه بعد اليوم أن يهاجم المقاومة أو يُعاتبها بإسم اللبنانيين، قبل أن يقف على رأي الشريحة الأكبر



أمين أبوراشد

بعد ساعات من عدوان القنيطرة، قال أستاذ العلاقات الدولية في إحدى الجامعات الأميركية "فايز دعنا": إن أكثر ما يُرعِب إسرائيل هو انتقال ثقافة المقاومة من جنوب لبنان الى غزة ثم الى الجولان، وأنها تشعر بطوقٍ خانق لا يُساوِم، وأن السيِّد حسن نصرالله لم يعُد قائد مقاومة في لبنان فحسب بل هو أقوى قائد إقليمي، والمقاومة باتت قوَّة إقليمية.

ولعل أبلغ تعليقٍ على عملية شبعا، وَرَد على لسان محلِّل سياسي بالقول: "ما كان يُمكن أن يسمح حزب الله لنتانياهو أن يذهب الى الإنتخابات على بساطٍ من دماء جهاد مغنية وسائر الشهداء، ومشكلة البعض أنهم يقرأون الحزب بعقليتهم هُم واستنتاجاتهم وليس بعقلية المجاهدين، وقد جاءت عملية الثأر ضمن هذا السياق".

والتفاصيل التقنية والتكتيكية لتأجيل إطلالة سيِّد المقاومة ليست مادة للتحليل الإعلامي لأنها ترتبط بقيادة المقاومة، ولنعتبر أن العملية النوعية والبطولية في شبعا جاءت مقدِّمة الإطلالة أو تحية "الإحدى وعشرين طلقة" للشهداء والمجاهدين من القائد، وبين موعد تنفيذ العملية وإطلالة السيِّد، صَالَ الكثيرون وجَالوا في التحليلات والتداعيات، هل يضرب حزب الله أم لا، وأين وكيف سيكون الردّ، وبعد تنفيذ عملية شبعا ذهب البعض في الداخل الى حدود الإستنكار لسياسة "التفرُّد" بقرار الحرب والسلم التي يعتمدها حزب الله، وهنا لا نجِد إجابة على الإستنكار سوى كلمة سماحته: "خير إنشالله"، لأن الإجابة الواضحة جاءت في سياق إطلالة سماحته، ولسنا نرغب عبر مقالة، الدخول في سجالات الدفاع عن ما نؤمن أنه حقٌ مقدَّس، لأن من بديهيات ثقافة المقاومة أن أية عملية ضد الإحتلال هي حلالٌ حلال، فكيف بالحري عندما أعلن قائد المقاومة صراحة أن ما تُسمَّى بقواعد الإشتباك لم تعُد تعنينا، وآخر دليل على ما تمتلكه المقاومة من معلومات، هو ما أعلنته "الواشنطن بوست" عن الجريمة المشتركة للـ "سي آي إي" والموساد لإغتيال القائد الشهيد عماد مغنية.


بعض الحريصين في لبنان على القرار 1701 أبدوا امتعاضهم من عملية شبعا، ولو أن الحكومة والعارفين بتفاصيل هذا القرار أجمعوا أن هذه العملية هي خارج نطاقه، وسواء احترمنا القرار أم تجاوزناه، فإن ثقافتنا الوطنية كلبنانيين في حال العدوان علينا وعلى مجاهدي مقاومتنا لن تتوقَّف عند خطٍّ أزرق، والأزرق الوهمي ليس أغلى من أحمر الشهادة، وهو غير ذي قيمة في قاموس السيادة عندما تكون لدينا أرضٌ لبنانية ما زالت محتلَّة، خاصة أنّ مزارع شبعا وتلال كفرشوبا هي من المناطق المتنازع عليها، وفي الوقت الذي يؤكد فيه لبنان أنّها لبنانيّة ومن ضمن الـ13 نقطة المتنازع عليها مع إسرائيل، فإن الأمم المتحدّة لا تقرّ برأي لبنان، وتعتبرها سوريّة، وفي هذه الحال فإن إعلان سماحة السيِّد أن لا حدود بعد اليوم في مواجهة إسرائيل إينما اعتدت يجعل من الخط الأزرق مسألة فيها نظر، أمام حقّ السيادة على كامل الأرض منذ التحرير عام 2000، وعبارة "المقاومة المردوعة" كما يتوهَّم العدو الإسرائيلي، صحَّحها السيِّد نصرالله للداخل والخارج، وقال أن المقاومة ليست مردوعة بل حكيمة، وحكمة المقاومة تحتمل ما يشاء الصديق والعدو أن يقرأ ما فيها من مضامين.

إن الحكمة التي جعلت قائد المقاومة يُدرِك في العام 2000 أن الإيذاء الجسدي في صفوف جنود العدو، وترهيب الداخل الإسرائيلي الذي اعتاد على مدى عقود سابقة أن يعيش حياته الطبيعية فيما جيشه ينفِّذ عدوانه، هذه الحكمة هي التي نقلت المقاومة الى تكتيك مدينة مقابل مدينة ومرفق عام يُقابله مرفق عام ونزول الى الملاجىء يقابله نزولٌ مقابل، وقذيفة يقابلها صاروخ، وغارة جوية تواجهها باقة من الصواريخ، وهذه الحكمة هي التي أسَّست وعلى الدوام لتوازن الردع والرعب.

والحكمة التي عمِلت على احتضان الداخل الشعبي وإبعاده قدر الإمكان عن ساحات المواجهات وتداعيات العدوان، وبلسمة جراح الشعب الصابر الصامد، هي نفسها التي تُدرك جيداً قُدرات إسرائيل اليوم على شنِّ حربٍ أو الإنكفاء، وقائد المقاومة يعي بكل ثقة أن إسرائيل غير قادرة على شنِّ حربٍ الآن، ليس بسبب استحقاقاتها الإنتخابية فحسب، بل في حسبان مدى قدرة جيشها وشعبها واقتصادها على تحمُّل تبعات حرب سوف تتساقط عليها خلالها آلاف مؤلفة من الصواريخ التدميرية، وإقدام حكومة نتانياهو على حربٍ تتزامن مع الإنتخابات في آذار كما يتوهَّم محلِّلون سيكون فعل انتحار سياسي لقيادة العدو ورصاصة الرحمة على "بيت العنكبوت".


وبالعودة الى الداخل اللبناني، فإن ردود فعل البعض على عملية شبعا المباركة، ذكَّرتنا بمواقفهم خلال عدوان 2006 وهذا شأنهم ولكن، لا أحد من حقِّه بعد اليوم أن يهاجم المقاومة أو يُعاتبها بإسم اللبنانيين، قبل أن يقف على رأي الشريحة الأكبر والأوسع من الشعب الذي يعتبر المقاومة على الحدود في الجنوب والشرق ضرورة وجودية، وفي الداخل، هي الى جانب الجيش ضمانة أمن وأمان، ومن لديه رأيٌ آخر فليذهب الى استفتاء شعبي في كل المناطق وعلى مستوى كل الطوائف، ولتكن للشعب اللبناني كلمته التي تغني عن كل السجالات والحوارات وخطابات "العبور الى الدولة"، وعلى ضوء ذلك يتمّ التوافق على ثقافة وطنية سيادية لهذه الدولة في وطنٍ سيِّدٍ محرَّر، وننتهي من مسألة فحص الدم اللبناني من جهة، وتُفرِز الصناديق من يحقُّ له الهوية اللبنانية المذهَّبة، ومن يجب أن تحمل هوية إنتمائه اللبناني "جنسية قيد الدرس" والسلام...