24-11-2024 02:55 PM بتوقيت القدس المحتلة

تصفية معاذ الكساسبة... فرصة لسياساتٍ أردنية جديدة

تصفية معاذ الكساسبة... فرصة لسياساتٍ أردنية جديدة

يجتاز الأردن مرحلة صعبةً على مستوى تحديد خياراته النهائية من أزمات بلاد الشام وكيفية الحدّ من تداعياتها على استقراره

 

 

د. وفيق ابراهيم

 

يجتاز الأردن مرحلة صعبةً على مستوى تحديد خياراته النهائية من أزمات بلاد الشام وكيفية الحدّ من تداعياتها على استقراره. بات عليه حسم مواقف الالتباس التي يتسربل بها مرة واحدة. فهو يساعد دائماً الإرهاب التكفيري مشرِّعاً له الحدود والمساعدات، ويؤسس ميليشيات مسلحة في منطقة حوران السورية القريبة برعاية مخابراته ويشارك في التحالف الدولي الأميركي لقصف «داعش»، ويرسل في الظلام تطمينات إلى دمشق تؤكد حياديته، لكنه لا يتردّد في التعاون مع واشنطن و«إسرائيل» في سعيهما إلى إنشاء منطقة حاجزة في جنوب سورية عند خط الجولان المحتل، لحماية الإرهاب التكفيري ومنحه مناطق إيواء.

هو الأردن الذي يطرد السفير «الإسرائيلي» من عمان، ويلتقي مليكه عبدالله برئيس وزراء العدو نتنياهو بعد يومين، من دون أن يناقشا مسألة إبعاد السفير لأنّ تل أبيب تعرف أنه موقف أردني موقت للاستهلاك والتغطية.

ولأنّ الدول لا تنتقم، بل تبني سياسات تؤدي إلى مبتغاها، فإنّ مقتل الطيار معاذ الكساسبة حرقاً على أيدي «داعش» يوفر الفرصة المناسبة لهذا الأمر. فلم يعد في إمكان عبدالله الثاني أن يبرّر لشعبه لماذا قتل الكساسبة على أيدي أطراف مدعومة من المملكة، ولديها بيئات حاضنة وسط الأردنيين، بل صار لزاماً عليه اختراع سياسات تحمي البلاد والشعب من تداعيات التسلط الإرهابي لـ«داعش» وإعلان الحرب عليه، من دون أن يتسبب ذلك بقطيعة مع الرعاة الخليجيين للإرهاب. فهل هذا ممكن؟

بداية، علينا تسليط الضوء على السنوات الثلاث المنصرمة التي أدى فيها الأردن دور المتورط، بحياء وبضغط أميركي ـ سعودي وبتأثير من تيارات إسلاموية داخلية.

دفعت واشنطن والرياض الأردن إلى تبني خيار إسقاط النظام السوري الذي لن «يبقى أكثر من عدة أشهر» كما كانوا يقولون، وكان عبدالله الهاشمي يصدقهم بحذر ويقول في بعض الأحيان إنّ الأسد راحلٌ إنما بعد مدة أطول.

أدت استخباراته في تلك المرحلة دوراً شديد التورط، فسهلت وسلحت وأسست وسمحت باجتياز حدودها بالاتجاهين لعشرات التنظيمات والشلل، وضغطت على نازحي مخيم الزعتري للالتحاق بالقوى السلفية للقتال في سورية. لم تُبقِ على شيء لم تفعله، إنما في شكل قليل العلنية، فكانت تمنع حقّ العمل عن النازحين لجذبهم إلى «داعش» و«النصرة»، وتعتبر أنّ للأردن الحقّ برعاية منطقة حوران للتقارب الاجتماعي بين قسميها السوري الأردني، ما أحدث تغييرات على هذه الصورة تتعلق بتحول «داعش» و«النصرة» إلى مهاجمة أهداف كردية متحالفة أصلاً مع الغرب في العراق وسورية. كما أنّ تنفيذهما عمليات انتحارية في فرنسا والسعودية، أدى إلى سياسات جديدة لدول أوروبية وأميركية معادية لهذا التمدّد «الداعشي»، الأمر الذي نتج عنه تشكيل الولايات المتحدة التحالف الدولي الجوي برعايتها. وكان من الطبيعي أن تُرغِمَ الأردن على الانضواء تحت جناحيه، لتأمين شرعية عربية للتحالف، وتوفير مطارات قريبة من مناطق الأحداث في المنطقة بعد رفض تركيا فتح مطاراتها أو تلك التي يمتلكها حلف «ناتو» في تركيا أمام طائرات التحالف، لذا بدا الأردن حلاً نموذجياً للطائرات المغيرة وأدت المشاركة الأردنية إلى تدهورين اثنين، داخلي مع البيئات الأردنية الحاضنة للإرهابيين في جنوب البلاد وبين ذوي الأصول الفلسطينية، وخارجي مع «النصرة» و«داعش» وتنظيمات حوران المرتبطة بالاستخبارات الأردنية.

انتقل هذا التوتر إلى الشارع الأردني الذي انقسم على نفسه، قسم يريد التحالف مع «داعش» و«النصرة» وآخر يريد الابتعاد عن الأزمتين السورية والعراقية لأنهما مسببتان لإشكالات قد تكون وجودية، وخصوصاً أنّ علم «داعش» يضمّ الأردن كمعظم بلاد الشام ضمن دولته الافتراضية.

أما الدولة الأردنية، فقد تبنت خياراً غير شعبي وتأثرت بالرغبات الأميركية ـ السعودية التي تريد من عبدالله الهاشمي أخذ شرعية دولته من التحالف الدولي من جهة، ومن السعودية والخليج من جهة ثانية، ومن «إسرائيل» من جهة ثالثة. وعلى الرغم من التطمينات، فإنّ تدخّل العاهل الأردني ظلّ رمزياً لأنّ الرجل يعرف أنّ التوازن الاجتماعي في الأردن هش وقابل للانفجار في كلّ لحظة.

 

ماذا الآن بعد تصفية الكساسبة؟

يضغط الشارع الأردني على دولته للانسحاب من دعم المعارضة التكفيرية والمزعوم أنها «مدنية» لأنّ حماية المملكة لا تكون إلا بالابتعاد عن النصائح الأميركية ـ السعودية. ويعتقد المراقبون أنّ انسحاباً أردنياً من التورط لن يتسبّب بعقوبات أميركية ـ خليجية. فالطرفان يعرفان أنّ خسارة الأردن متعبة لهما وللأردن على السواء ولـ«إسرائيل» أيضاً. أهي فعلاً فرصة للأردن؟

هناك تداخل سكاني تاريخي بين سورية والأردن يجعل من الصعوبة تأمين الجدية المطلوبة، ويبدو أنّ من الأفضل التزام عمان حلفاً مع النظام السوري للقضاء على الإرهاب التكفيري المهدّد للبلدين، لأنّ انتقاله إلى الأردن مسألة وقت فقط. فهل يفعلها عبدالله؟

إنّ الأسوأ هو الالتباس لأنّ أحداً لن يصدقه، كما أنّ الاستمرار في دعم التحالف الدولي ومساندة الإرهاب في آن معاً لن يؤدي إلا إلى انفجار الأردن.

وفي انتظار مقبل الأيام، هل يصبح الأردن بديلاً من فلسطين وجزءاً فعلياً من سورية؟

ستحدِّد سياسة عبدالله مستقبل بلاده، والحلّ في السياسات لا في انتقام له طعم البداوة ولا يحلّ المشكلة. الحلّ في العودة إلى سورية وإعلان حرب فعلية على الإرهاب ولو كره الكارهون.


http://www.al-binaa.com/?article=28105

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه