هي الوجوه التي جعلت من رضوى أكثر من ذلك كلّه، أي تلك المرأة التي وقفت على انعطافات شتى، والتي اضطلعت بأدوار شتى، لتؤديها كلّها بالجودة عينها، ما كان يثير «استغراب البعض» من هذه القدرة على الموافقة
بكلّ بهائها، عادت مساء أمس رضوى عاشور، إلى المدينة التي أحبّت: إلى بيروت، في زيارة جديدة لها. عادت عبر ذكريات محبيها وأصدقائها الذين توافدوا إما إلى الاستماع وإما إلى الكلام في الحفل التكريمي ـــ «شهادات في ذكراها» ـــ الذي أقامه «المجلس الثقافي للبنان الجنوبي» مساء أمس، في قصر الأونيسكو في بيروت.
حضرت أيضا بوجوهها المحببّة، المختلفة: الروائية والجامعية والناقدة والمناضلة، ولكن أيضا، وبخاصة، بوجهها الإنساني الذي لم يختلف أحد عليه...
هي الوجوه التي جعلت من رضوى أكثر من ذلك كلّه، أي تلك المرأة التي وقفت على انعطافات شتى، والتي اضطلعت بأدوار شتى، لتؤديها كلّها بالجودة عينها، ما كان يثير «استغراب البعض» من هذه القدرة على الموافقة، وعلى الملائمة في أعمالها كلها.
من هنا، قد تبدو الملاحظة الأولى على الشهادات التي ألقيت أمس، أنها لم تكن أبدًا «شهادات تأبين»، بل لنقل هي محاولة لاستعادة ذكريات ولحظات، أعادت رسم حياة أو بالأحرى حيوات كثيرة عبر تفاصيل رسمت هذه المسارات التي أدتها بشغف. إذًا، لم يكن هناك من «مجال للحزن» أمام عبق الذكرى، تماما مثلما قال الشاعر الفلسطيني مريد البرغوثي (زوج الراحلة) في الكلمة الختامية (وكانت كلمة الأسرة) «من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب، ينشغل عن المحبوب» (الكلمة كاملة في مكان آخر على هذه الصفحة).
هي كلمات حب استدرجتنا إلى تلك الفسحة التي جمعتنا بالراحلة الحاضرة، فعلى قول يمنى العيد ـــ التي ألقت كلمة جاءت بصيغة المخاطب لا الغائب (لأنها لا تزال بيننا) ـــ «نحن ضيوفك وأصدقاؤك الكثر نحتفل بتكريمك أستاذة نادرة العطاء وروائية تحرص على الحقيقة في الإبداع». بين العام والخاص، تناوبت السمات المستعادة في كلمة العيد، فتارة كانت تسبر أغوار الشخصية، وطورًا تترحل إلى قلب كتاباتها «لتعبر عوالمها المختلفة»، هذه العوالم «التي جعلت من الكتابة حياة لك».
بيان نويهض الحوت، استعادت في كلمتها ذكرى اللقاء الأول الذي جمع بينهما، وكان في القاهرة العام 1983، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان، واحتلال بيروت وخروج المقاومة. ما لفت الحوت ذاك اليوم، تلك الشابة التي لم تتوقف عن طرح الأسئلة، إذ كما تجد «طرح الأسئلة يتطلب شجاعة أكثر». من هذه النقطة، تنطلق الحوت في قراءة الوجه «الفلسطيني» للروائية المصرية، إن جاز القول، لتركز في كلمتها على الشرط الفلسطيني كما تبدى في رواية «الطنطورية» حيث كتبت رضوى «عن المخيم كما لم يكتبه أحد من قبل»، إذ برأيها عرفت الكاتبة رسم تطور المخيم من «ذل اللجوء إلى عنفوان الثورة».
«لم تكن لتختار هذا الطريق لولا ثقافة، ولولا شخصية صلبة جعلتها مناضلة صلبة».. بهذا البورتريه بدأ لطيف زيتوني كلامه، ليذهب لاحقا إلى قراءة الماهية والصيرورة في أدب رضوى عاشور، مركِّزًا كلمته أيضًا على رواية «الطنطورية» التي رأى فيها «المواجهة بعد الانكفاء» و «المقاومة بعد الهزيمة عبر الحق»، ليجد أن الرواية «ليست سيرة ذاتية لرضوى بل لكل أسرة فلسطينية مهجرة ومقتلعة من جذورها».
ريما خلف (وزيرة أردنية سابقة، والأمينة التنفيذية للجنة الاقتصادية والاجتماعية في ”الإسكوا“ في بيروت) رأت أن التاريخ التقى مع الحاضر عند الراحلة، معتبرة أيضًا أن كل شخص لا بد وأن يشعر أنه من الصعب أن لا يكون شخصية من شخصيات عاشور الروائية، لتقدم لمحة عن بعض الروايات وانشغالاتها الفكرية.
جين سعيد المقدسي، وبعد أن ابتدأت بالقول إن رضوى عاشور كانت تتحدى كل ما في العالم من بشاعة، رسمت أيضا صورة خاصة عن الكاتبة والأستاذة الجامعية التي كان همها تشجيع الباحثين الشبان، لتتحدث أيضا عن كتاب رضوى عاشور الأخير «أثقل من رضوى» الذي سجلت فيه قصة مرضها كما قصة ثورة يناير/كانون الثاني.
آخر المتحدثين في اللقاء (الذي أدارته رفيف صيداوي) كان مريد البرغوثي.