لم تجد وسائل الإعلام الأميركيّة مخرجاً بعد، للتعامل مع أحدث إصدارات «داعش»، فيديو إحراق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة. في حالة الأشرطة السابقة، وتحديداً شريط ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي
فادي الطويل
لم تجد وسائل الإعلام الأميركيّة مخرجاً بعد، للتعامل مع أحدث إصدارات «داعش»، فيديو إحراق الطيّار الأردني معاذ الكساسبة. في حالة الأشرطة السابقة، وتحديداً شريط ذبح الصحافي الأميركي جايمس فولي، كان القرار حاسماً منذ البداية: عدم العرض، وعدم التداول. لكنّ «فوكس نيوز» التي امتنعت عن عرض شريط فولي، اتخذت قراراً مغايراً في حالة الكساسبة، ووقفت بعيداً عن الشبكات المنافسة، من خلال عرض شريط الحرق كاملاً على موقعها.
بدا موقف الشبكة الأميركيّة المثيرة دوماً للجدل، موقفاً حاداً وقوياً، خصوصاً وأنَّها تحظى بأرقام تدعمها، ومعدَّلات تعتمد عليها في تشكيل خطّها الإعلامي، وسمعتها كأكثر الشبكات الإخبارية تأثيراً في جمهور المشاهدين في الولايات المتّحدة. عرضت القناة شريط إعدام الكساسبة، غير عابئة بما يمكن أن يثار حول ضرورات وتأثيرات وأخلاقيات ذلك الخيار. أثار ذلك ردود فعل واسعة، وطالته انتقادات عدّة.
قبل بثّ الشريط، اكتفى المقدّم برت باير بالتنويه إلى أنَّ المشاهد عنيفة وصادمة، وأنَّ «الخيار» يعود للمشاهد في متابعة الشريط من عدمها. لكن هل يمكن إعطاء الخيار للمشاهد بالفعل؟ وماذا عن الفضول الذي لا تني «فوكس نيوز» تنمّيه داخل مشاهديها، وتراهن عليه في قبول خطابها الذي يتركّز، بشكل رئيس، على التعريف بخطر «الآخر الإرهابي» ـ بصوره وأشكاله التي تتقاطع وتتنوَّع بحسب الأحداث ـ على الأمن القومي.
امتد التباين في الآراء حول موقف الشبكة من بثّ الشريط إلى داخلها، إذ عبّر الصحافي دائم التواجد على شاشة القناة هوارد كيرتز، عن تعجّبه من عرض الشريط، وقال إنّه كان يفضِّل استخدام طريقة أخرى، مثل الوصف اللَّفظي وسرده بدلاً من عرضه كما هو، لأنّ ذلك يساعد في نشر مزيد من الخوف من تنظيم «داعش».
أمّا مقدّمة البرامج غريتا فان سوسترن فقالت إنّها تتّفق مع موقف القناة، لأنّ هذا النوع من الأحداث يشكّل نوعيّة من الحقائق التي يجب مشاهدتها كما هي، بكلّ ما تخلقه من صدمة، ومن دون تجميل للوقائع والأحداث، خصوصاً مع التوسّع الذي يحققه التنظيم على المستوى الدولي.
من جهته، قال طوني مادوكس، مدير «سي أن أن» إنّ شبكته لم تكن لتعرض الشريط على الإطلاق، لاعتبارات عدّة أقلّها مراعاة مشاعر المشاهدين وما تؤدِّي إليه من تأثيرات وردود فعل، في إشارة ضمنيّة إلى تصريح باير حول أنّ المقطع يظهر «حقيقة الإرهاب المسلم»، وذلك ما يشكّل مادّة إعلاميّة مربكة ومثيرة للقلق. إلا أنّ عدداً من المواقع الالكترونية وقفت في صفّ «فوكس نيوز» ودافعت عن سياستها في «عرض الإرهاب كما هو». وتناقلت، وهي في معظمها مواقع يمينية محافظة، صوراً ومقاطع من الفيديو الذي عرضه موقع «فوكس نيوز دوت كوم»، مبرِّرةً ذلك بالمهنيّة المطلوبة لكشف التطرّف الإسلامي الآخذ بالتوسّع.
وبالنظر إلى مجمل الموضوع، لا يبدو مفاجئاً أو مستغرباً ما قامت به «فوكس نيوز»، فهي لطالما بحثت عمّا يدعم روايتها المستمرّة عن الخطر المحدق، والتهديد الوشيك والإرهاب الذي يمكن أن يضرب أي مكان في الولايات المتحدة في أيّة لحظة. وبهذا، فإن عرض فيلم من 22 دقيقة بالإمكانات التي صوّر بها، يشكّل فرصة لتعزيز سرديتها واقتناص الفرص لتمكين فرضياتها، بكل ما فيه من بروباغندا داعشية مليئة بالقسوة والرعب والموت.
http://assafir.com/Article/17/400781
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه