في جرود قضاء كسروان «دولة» يقبض فيها أصحاب المرامل على الوضع الامني. يعتدون على البيئة وعلى كل من يحاول المسّ بمصالحهم. بعدما وفّر الرئيس السابق ميشال سليمان لهؤلاء الغطاء
ليا القزي
في جرود قضاء كسروان «دولة» يقبض فيها أصحاب المرامل على الوضع الامني. يعتدون على البيئة وعلى كل من يحاول المسّ بمصالحهم. بعدما وفّر الرئيس السابق ميشال سليمان لهؤلاء الغطاء، السياسي والأمني والقضائي، يعوّل أهل المنطقة وفعالياتها على انتهاء «العهد السليماني»، ووجود قرار بمحاربة الفلتان الامني لمحاربة هذه الظاهرة، برغم أن الامل ضعيف.
في بلدة بقعتوتا الكسروانية قطعة أرض يطلق عليها الاهالي اسم «الدهليز»، كانت القوات اللبنانية تستخدمها، إبان سيطرتها على المنطقة، مربضاً مدفعياً. «اكتشف» آل الحاج الذين كانوا يعملون في تربية المواشي أن هذه الارض غنية بالرمل: باعوا ماشيتهم، واشتروا جرافة وبدأوا تجارتهم الجديدة. كان هؤلاء يُحسبون، سياسياً، على النائب السابق فارس بويز، صهر العهد الهراوي آنذاك.
ورث ر. الحاج هذه المهنة، وأفراد من عائلتَي مهنا (المعروفة ببيت الضربة) وسعادة، وآخرون من البلدات المجاورة، «أشهرهم» المحامي ج. خليل المقرّب من شقيق الرئيس ميشال سليمان محافظ البقاع (وجبل لبنان سابقاً) أنطوان سليمان.
حظي هؤلاء بغطاء سياسي وأمني وقضائي بقي ثابتاً برغم توالي العهود، لكنه لم يكن يوماً «على عينك يا تاجر» كما كان في عهد سليمان. في أيام الأخير، بسط أصحاب المرامل سيطرتهم على مناطق الجرد الكسرواني وأقاموا ما بات يطلق عليه «دولة المرامل»: «دولة» ينتشر فيها السلاح غير الشرعي، ويأخذ فيها أصحاب المرامل «حقهم» بالقوة، ويغيّرون معالم المنطقة البيئية، ويعتدون على الاراضي وعلى السكان والبلديات ورؤسائها.
ميروبا، حراجل، وطى الجوز وعين الدلبة هي البلدات المتضررة. الجبل الذي كان يمنع وصول الهواء من هذا « القاطع» الى كفرذبيان شق وشُوِّه. التوغّل في الشوارع الداخلية لهذه البلدات صعب على السيارات الصغيرة. في المنطقة الفاصلة بين كسروان وجبيل تندثر ملامح الحياة. جبال من الرمل تحيط بك من الجانبين، اضافة الى كثير من المعدّات. عيون العمال جاهزة لرصد أي متلصص، وكأنها ترى في كل عابر خطراً على عملها. في حراجل، «التعاون» بين عناصر الدرك وعمال المرامل في أعلى مستوياته. يحذّر الأمنيون العمال من أن دورية لفرع المعلومات في طريقها الى المنطقة، فيتوقف سير الشاحنات.
«استثمار» الرمل في المنطقة قديم، وهو قطاع لطالما اعتاشت منه قلة من العائلات، إذ كانت المرامل قليلة، ومرخّصة في اغلب الأحيان. الا أنها تحولت، مع مرور السنوات، الى قطاع غير منظم ومخالف لكل شروط البيئة. تجديد التراخيص، إن حصل، بات يجري عبر المحافظة لأن البلديات توقفت عن اصدارها. وبرغم سطوة أصحاب المرامل، فإنهم ينفّذون، كل فترة، اعتصاماً احتجاجاً على عدم منحهم التراخيص. بحسب أحد أبناء بلدة ميروبا: «يعمل هؤلاء وفق منطق ضربني وبكى سبقني واشتكى»!
في 12 شباط 2009 صدر المرسوم الرقم 1735 الذي استثنى منطقة وطى الجوز وعين الدلبة من المحافر والكسارات، الا أن المرامل التي أقفلت بالشمع الاحمر أعيد العمل فيها، بـ «سحر ساحر». أصحاب المرامل يمثّلون مصدر رعب، حتى للبلديات. في جولة «الأخبار» على مناطق جرد كسروان، رفض أي عنصر رسمي مرافقتنا: «اذا شافونا بصير مشكل. مش ناقصنا». يقول أحد المسؤولين البلديين، الذي رفض الكشف عن اسمه لحساسيات محلية، إن «نحو 44 شاحنة تعبر يومياً طريق وطى الجوز، أي 240 ألف دولار». أمام هذا الربح الخيالي، هم «مستعدون للقيام بكل شيء حفاظا على مصالحهم».
يحرص رئيس بلدية حراجل طوني زغيب، في بداية حديثه مع «الأخبار»، على التأكيد «أننا لا نريد إلحاق الأذى بأحد».
يقول إن المخالفين معدودون. يسمي «ج. خليل الذي يملك جبالة ومرملة. أما البقية فهم صغار في المهنة وقد قُدمت أسماؤهم الى المدعي العام في جبل لبنان». المرامل في حراجل «لأبناء البلدة، لكن العدد الاكبر من المرامل في كسروان موجود في ميروبا». على الأرض، يصعب التمييز بين الحدود العقارية للبلدتين لكون العمل يتركز في المنطقة التي تصلهما بعضهما ببعض. يقول زغيب إن «المنطقة غير مصنفة، وما من مخطط توجيهي للمرامل. البلدية لها سلطة وقف عملهم بناء على كتاب، لكن لا أحد يمتثل لاوامرنا، وهم يعدون أنفسهم أكبر من البلدية». ويضيف: «يجب أن يكون هناك قرار عام على مستوى الدولة. لا أقدر سوى على عدم اعطائهم المسوغ القانوني الذي يجيز لهم العمل. يريدون تحميلي المسؤولية، فيما الاجهزة الامنية تغطيهم». وبما أن التغطية لهؤلاء مؤمّنة، يتعامل الرجل مع الأمر بـ «واقعية»، إذ يلفت الى أن بلديته تخصّص كل ستة أشهر ميزانية لتزفيت الطرقات، وبالتالي، فإن «مرورهم بهذه الكثافة يجب أن يعوّض عنه، كدفع رسم مرور مثلاً، حتى نتمكن من استصلاح الشوارع».
لأصحاب المرامل في كسروان، شأنهم شأن «زملائهم « في بقية المناطق، مظلتهم السياسية. في البداية، كانوا من أنصار بويز الذي تنصل منهم بعدما ذاع صيتهم غير الحسن. يقول الوزير والنائب السابق: «لي وجود سياسي في حراجل، وتقليدياً هناك عائلات تخصّنا، ولكننا على خلاف معهم منذ عام 1996 عندما رفضت ترشح أحدهم الى النيابة على لائحتي». أما عن الحماية السياسية فهي، استناداً الى بويز، «مؤمّنة دائما»، ولكن في «السنوات الست الأخيرة، كانت الحماية الوحيدة عبر لودي سليمان صفير (شقيقة الرئيس السابق ميشال سليمان). وهي، كما يُقال، سيدة أو ملكة مملكة المرامل والكسارات». ويتردد في المنطقة أنها «الحامية لتسعين في المئة من المرامل وأن ج. خليل هو شريكها»، على الرغم من أن سليمان «أنهى عهده قديساً»، يقول بويز ضاحكاً.
صفير أسست جمعية خيرية مركزها دير مار شليطا في كفرذبيان، «حصلت على العلم والخبر في ثلاثة أيام، وقد تحولت الى جمعية تقبض الاموال»، استنادا الى أحد رجال الاعمال في البلدة. ويضيف: «الاجتماعات مع أصحاب المرامل تعقد إما في هذا المركز أو في منزلها في ضهر صربا. لودي لا تزال قوية وفاعلة، وما من مخفر درك يرفض لها طلبا».
حاولت «الأخبار» استيضاح الامر من صفير، التي برّأت نفسها عبر الهاتف، محذرةً من أن « ابنتي قاضية ونصف قضاة البلد أصدقائي، وأعرف جيدا كيف أحاسبكم، فانتبهوا لما تكتبون». حددت لنا موعدا لمقابلتها، قبل أن تتراجع في اليوم التالي، بسبب نشر تقرير في «الأخبار» رأت أنه تناولها.
هذا سياسياً. أما قضائياً، فأصابع الاتهام توجه الى مرجع قضائي بارز لبى دعوة مالكي المرامل الى مأدبة غداء قبل أشهر، فيما الغطاء الامني كان، أيضاً، مؤمّناً عبر أحد العمداء الذين أحيلوا على التقاعد. مسؤولو الاجهزة الامنية لا يخجلون من القول إنه «اذا توقفت المرامل تتوقف عملية البناء في لبنان».
يلفت بويز الى أن وزارة البيئة أوكلت متابعة موضوع المرامل الى قوى الأمن الداخلي، «التي اختلقت بدعة التمديد الاداري للكسارت والمرامل خارج اي اعتبار. ويمكن، هنا، تخيّل مدى تأثير الرشى».
كسروان و«رجال العهد»
يمكن اختصار الفلتان الامني في جرود كسروان بعنصرين: ج. خليل، وأفراد من فرع «بو زهرا « من عائلة خليل. تجمعهما المرامل وتفرقهما المصالح. هناك خمس دعاوى قضائية من بلدية وطى الجوز على المدعو م. خليل، المسجون حاليا بقضية مقتل الشاب ايف نوفل في كفرذبيان الشهر الماضي. وهو استأجر أرضاً من راهبات دير حراش، «أرض تقدّر قيمتها بملايين الدولارات استأجرها بـ600 مليون ليرة فقط». حاولت البلدية وقفه الا أنه «أطلق النار على رئيس البلدية»، كما يروي الاهالي. ج. خليل أطلق النار على البلدية أيضا، قبل أن ينقل المرملة التي يملكها الى حراجل. يقول أحد رؤساء البلديات «رجال العهد كانوا يجبروننا على سحب الشكاوى تحت ضغط فبركة ملفات». رئيس بلدية حراجل أيضا تقدم بدعوى قضائية ضد ج. خليل الذي توجه الى البلدية شاهرا سلاحه في وجه الموظف، ومهددا بقتل الجميع اذا فتحت البلدية محضراً بعدما انهار خزان المياه الذي يروي حراجل وميروبا بسبب الردميات من المحفار القريب. يقول رئيس البلدية طوني زغيب: «هؤلاء يحتاجون إلى رئيس ميليشيا لا إلى رئيس بلدية. وبرغم الشكوى ضده لا يزال يتنقل بحرية»، علماً أنه تعهد إصلاح الضرر «الا أنه تراجع».
يروي النائب فريد الخازن عن اعتداء أحد أصحاب المرامل على أملاك المقر الصيفي لدير نسبيه، « أجّروه الاراضي على أساس استصلاحها ففتح على حسابه. والان هناك دعوى قضائية من الدير بحقه». إشكال آخر حصل في فاريا، أطلقت خلاله النار على مخفر فاريا. اتصلت «الأخبار» بـ ج. خليل الذي قال منفعلا «قرفت هذا البلد. لم أعد أملك شيئا. بعت كل شي وما بقا بدي شي اسمو مرامل».
الجدير بالذكر أن «الأخبار» التقت خليل، خلال جولتها في حراجل، صدفة، وهو يتفقد مرامله.
http://www.al-akhbar.com/node/225741
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه