يعلم مخرج أفلام "داعش" جيداً مبدأ اخراج أفلام الرعب، وهو أن كل ما لا تراه يخيفك أكثر بمعنى أن خيال الشبح وهو يحمل منجلاً يخيف أكثر من شكله
ما أن نشر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) فيلم إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة حتى انطلقت العديد من النظريات تشكك بصحة الفيديو وتعتبره عبارة عن تمثيلية لدب الرعب في نفوس المشاهدين وأنها لا تعني بالضرورة أن معاذ قتل محروقاً أو حتى قتل! .. وكمخرج ولي خبرة في التصوير والمونتاج باستخدام أحدث التقنيات أرغب أن أن أشارك القراء بالنقاط التالية.
مازن الخيرات- مخرج ومنتج أفلام وثائقية / جريدة النهار
أضيف تصنيف جديد لصناعة السينما والتلفزيون، وهو الفيلم الداعشي، وهو فيلم بين الروائي وبين الوثائقي بحيث يصور بطريقة روائية تنفذه مجموعة كبيرة من الكومبارس والممثلين ينتج عنه حدث حقيقي مصور. وكمثال لتقريب الصورة لكم: تخيّلوا مشهداً سينمائياً يظهر اغتيال شخصية مستهدفة. سيخرج على الشكل التالي:
اختيار المكان المناسب للهدف: مكان عام، شارع، أمام مقهى، وهناك مارة وسيارات وغيرها من المظاهر الطبيعية في أي مدينة.
موقع القناص: في غرفة الفندق مقابل الهدف فيتم تجهيز اضاءة الغرفة باضاءة خافتة ويدخل نور النهار من النافذة التي يتواجد فيها القناص والكاميرا خلفه بزاوية منخفضة تظهره على أنه رجل ضخم ورهيب يرتدي الأسود وصندوق أسلحته الى جانبه، ثم تنتقل الكاميرا الى عينه لتظهر أنها كبيرة ومخيفة تراقب بشدة، بعدها تتنقل الكاميرا لتظهر أجزاء السلاح لتوضح أنه سلاح دقيق وعالي التقنية وهكذا يتناوب المشهد بين القناص والضحية التي تقرأ الصحيفة حتى يصل الأدرنالين إلى أعلى مستوى عند المشاهد فيضغط في النهاية الرامي على الزناد وتسقط الضحية مع اضافة بعض المؤثرات السينمائية لدخول الرصاصة وخروجها من جسده كتطاير الدماء وغيرها.
ما علاقة هذا المثال في الفيلم الداعشي؟
يقوم اخراج الفيلم الداعشي على استخدام جميع تقنيات إخراج المشهد الروائي السينمائي لكن بفارق جوهري أن السلاح حقيقي وذخيرته حقيقية والهدف ضحية أجبرت على التمثيل فعندما يضغط الرامي على الزناد تسقط الضحية مصروعة حقيقةً ولا تمثيلاً. وهذا بالضبط ما حصل في فيديو معاذ الكساسبة:
- عدد كبير من الكومبارس والممثلين (عناصر التنظيم)
- موقع معد مسبقاً باكسواراته (القفص النار مسارات الاشعال الجرافة... إلخ)
- توقيت التنفيذ الصباح الباكر (للحصول على أفضل إضاءة خارجية للتصوير)
- أجبرت الضحية على السير والتمثيل بطريقة أرادها المخرج فمن الممكن أن الضحية تعيد الحركة عشرات المرات حتى يأخذ أفضلها (طبعا ليس مشهد الحرق لكن مشهد الوصول للمحرقة)
- حركات المنفذين تمثيلية ودرامية تدربوا عليها.
- وجود 4 كاميرات في أقل تقدير.
إلا عناصر "داعش" في الحقيقة أشعلوا النار واحترق الممثل (الضحية) ثم خضع مشهد الحرق نفسه إلى عمليات تحوير ومونتاج عديدة ليظهر بمظهر أكثر درامية وارهاباً للمشاهد وهذه العمليات هي التي يرتكز عليها المشككون بصحة الفيديو. وسأوضح أكثر هذه النقطة بسرد بعض الأمثلة:
- قد تحدث أمور في الواقع بخلاف ما خطط له المخرج مثال عدم تحرك النار في مسار الاحراق بشكل سريع ولم تكن شعلة كبيرة تراها الكاميرا، فيقوم بتقليص الوقت في المونتاج وإضافة مؤثرات بصرية على النار لتظهر ها بشكل مخيف أكثر.
- الضحية لم تنتظر النار باستسلام لكن تصرفت بشكل دفاعي وحاولت الهروب وتسلق القفص، فأفسدت المشهد وفي هذه الحالة هناك عدة خيارات من الممكن للمخرج أن يكون قام فيها لتلافي اظهار ذلك يطول شرحها. اذاً معاذ قد يكون حاول الهرب لكن حذفت اللقطات حتى انه قد يكون اقترب أشخاص منه مراراً لاحراقه داخل القفص، ولتغذية النار بالوقود، وهذه أمور لا نراها بفعل المونتاج.
- يعلم مخرج أفلام "داعش" جيداً مبدأ اخراج أفلام الرعب، وهو أن كل ما لا تراه يخيفك أكثر بمعنى أن خيال الشبح وهو يحمل منجلاً يخيف أكثر من شكله. وحين ترى أنياب القرش متجهة نحو الضحية في أقل من ثانية تخيفك أكثر من مشاهدة القرش بكامل جسده مطولاً، أي بمعنى أن يجعل المخرج عقلك ينتج الصور الخاصة التي تخيفك. ذلك ان في مشاهد قطع الرؤوس كان القاتل يبدأ بحز الرقبة، ثم نرى الرأس على ظهر الضحية، وكذلك في مشاهد حرق معاذ تمر مشاهد سريعة مأخوذة من فترة احراقه الطويلة، وكذلك المشاهد من عملية ردمه.
- تعوّد المشاهدون على اللقطات الحقيقية الفظيعة والمخيفة لدرجة التبلد خصوصاً بعد توفرها بشكل كبير على مواقع التوصل الاجتماعي في سنوات "الربيع" العربية العجاف لدرجة أنها أصبحت جميعها متشابهة ولا تعني المشاهد بشيء، ومن هنا على ما يبدو جاءت فكرة انتاج فيديو فظيع بشكل مختلف.
في النهاية، لا يستطيع أحد التشكيك في صحة الفيديو ، وكل ما يحكى عن الخدع البصرية في الفيديو نظريات لا ترقى لأن تكون حقيقة.