قراءة تحليلية في خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي
د.عبده البحش -اليمن
الدلالات والمعاني الوطنية الثورية التي تضمنها خطاب السيد عبد الملك بدر الدين الحوثي بمناسبة ذكرى ثورة فبراير/شباط عام 2011م كثيرة وجاء الخطاب في ظرف استثنائي تشهده الساحة السياسية اليمنية وهو الاعلان الدستوري الذي أصدرته اللجان الثورية وما تلاه من تداعيات سياسية كبيرة انعكست على مواقف الأحزاب السياسية اليمنية والمواقف الإقليمية والدولية التي تتصاعد يوما بعد اخر، مما اكسب الخطاب أهمية كبرى وجعل مضامينه جاذبة ومثيرة للانتباه وتحمل في طياتها الكثير من الرسائل السياسية للقوى المحلية والإقليمية والدولية وكذلك النصائح لقوى محلية معينة، ولذا سنحاول سرد المعاني والدلالات الوطنية والنصائح على النحو التالي:
أولا: تحدث السيد في خطابه عن أهمية الحوار مع مختلف القوى السياسية اليمنية واكد السيد على تمسك الثورة بمبدأ الشراكة الوطنية وابدى السيد حرصا عاليا واهتماما كبيرا بضرورة مشاركة مختلف القوى السياسية اليمنية لبناء اليمن الجديد واكمال المرحلة الانتقالية وما تبقى من العملية السياسية واكد السيد في خطابه على رفض الثورة لسياسة الاقصاء والتهميش للآخرين او الغائهم من العملية السياسية كما فعلت بعض القوى السياسية طيلة العقود الماضية.
ثانيا: تناول السيد في خطابه الإعلان الدستوري الذي أعلنته اللجان الثورية يوم الجمعة الماضية كخطوة ضرورية لسد الفراغ السياسي في الرئاسة والحكومة بعد فشل عدة جولات من الحوار المستفيض بين القوى السياسية المختلفة وتيار انصار الله، حيث اكد السيد في خطابه ان الإعلان الدستوري اجراء ضروري لسد الفراغ في مؤسسة الحكم وليس اجراء سياسي ضد احد او موجه لاستهداف احد بقدر ما هو اجراء طبيعي وعادي لمنع تدهور الأوضاع وانهيار الدولة اليمنية وأوضح السيد ان الإعلان الدستوري قرار ثوري نابع من شعور الثورة بمسؤولياتها الوطنية وحرصها على مصالح الشعب العليا ودعا السيد جميع القوى والأحزاب السياسية اليمنية لتحمل مسؤولياتها الوطنية بالتعامل بإيجابية وحسن نية مع الإعلان الدستوري والتفاهم تحت سقفه على تشكيل الرئاسة والحكومة من كافة الأطراف السياسية وإتاحة الفرصة للجميع في المشاركة بصنع القرار وخدمة الوطن كونه وطن الجميع.
ثالثا: أشار السيد في خطابه الى أهمية اتفاق القوى والأحزاب السياسية اليمنية وتغليب مصالح الوطن على اية حسابات واعتبارات سياسية او طائفية او مناطقية ونبذ الدعوات المناطقية الضيقة والتي تقزم وتحجم أصحابها وتحصرهم في دائرة ضيقة وصغيرة لا جدوى منها ولا فائدة ولا مصلحة والتي هي بطبيعة الحال دعوات مضادة للانتماء الى الوطن الكبير وهو اليمن وشعب اليمن الأصيل الذي يستحق منا بذل كل غال ونفيس مؤكدا ان الدعوات المناطقية تأتي في اطار مؤامرة خارجية تستهدف اليمن بكامله وترمي الى تمزيقه وتفتيته وزرع بذور الفتنة بين أبنائه المتحابين والمتعايشين عبر التاريخ.
رابعا: أشاد السيد في خطابه كثيرا بمحافظة تعز وابنائها الشرفاء واسماها تعز العز واصفا إياها بمحافظة النضال والكفاح والشجاعة والبطولة والكرم والثقافة والادب والشعر والابداع والوطنية مؤكدا ان تعز ستبقى كما كانت وكما عهدها اليمنيون عبر تاريخهم الطويل محافظة ثورية وطليعية مدافعة عن وحدة اليمن وامنه واستقراره ومناضلة من اجل رفعة اليمن وعزته وكرامته وتقدمه وازدهاره ومقدمة الشهداء الابرار من اجل تحرره من الاستعمار الخارجي والاستبداد والطغيان والتسلط أيا كان نوعه وشكله ومصدره واكد السيد على ان تعز لن تكون وكرا للإرهاب ولن تكون منبعا للطائفية والعنصرية والمناطقية ابدا لما تمتلكه تعز العز من ارث تاريخي وطني وثوري كبير يمنع ان تتحول تعز الى الضد من هذا الإرث التاريخي والوطني المشرف.
خامسا: شدد السيد في خطابه على أهمية المراهنة على الخيارات الوطنية اليمنية والابتعاد عن المراهنة على القوى الخارجية كون الخارج يبحث عن مصالحه هو وليس عن مصالح الشعب اليمني وغالبا ما تكون مصالح الخارج على حساب مصالح الشعب اليمني وخيارته الوطنية وبالضد من تطلعات وامال أبنائه في حياة امنة ومستقرة ومستقبل مفعم بالرخاء والتقدم والازدهار منوها الى ان القوى التي تراهن على الخارج انما تقامر بمصالح الوطن والشعب واليمني وتخاطر بمستقبلها السياسي كون الانتصار في النهاية لن يكون الا لمن يراهن على الشعب ويدافع عن مصالحه الوطنية العلياء ويصون وحدته وامنه واستقراره واستقلاله وسيادته.
سادسا: اكد السيد اهتمامه بالقضية الجنوبية وضرورة حلها حالا عادلا ومنصفا لا اقل من العدل ولا اكثر من العدل واعتبر السيد ان العدل هو الأساس في حل كافة القضايا والاشكالات والمظلوميات مؤكدا ان إخواننا في الجنوب قد تعرضوا الى ظلم شديد وقع عليهم ويجب رفع المظلومية عنهم وانصافهم انصافا عادلا بعيدا عن المزايدات السياسية والمتاجرة للقضية الجنوبية موضحا ان على إخواننا في الجنوب المراهنة على الحلول الوطنية اليمنية وعدم الالتفات الى الخارج ووعوده الكاذبة كون الخارج لا يهتم بمصالح إخواننا في الجنوب وانما يهمه مصالحه الخاصة والوحشية والانانية مشددا على ان الخارج يستثمر القضية الجنوبية استثمارا سياسيا لتمرير اجنداته الاستعمارية الخبيثة ولا يكترث بحل القضية الجنوبية وانما يعمل على ابقائها دون حل للمتاجرة والاستثمار وابقائها على حالها ليستفيد حاضرا ومستقبلا منها كورقة للمناورة السياسية الانتهازية وتسخيرها لخدمة مصالحه وفرض اجندته الخارجية التي تكون على حساب مصالح الشعب اليمني في الشمال والجنوب على حد سواء ولذا نرى الخارج يماطل في حل القضية الجنوبية بل عمل على تعقيدها اكثر واكثر بهدف تحويلها الى بؤرة للصراع والتدخل من خلالها بالشؤون الداخلية اليمنية ولذا اكد السيد انه لا حل للقضية الجنوبية الا برادة سياسية يمنية وطنية بحتة داعيا إخواننا في الجنوب التمسك بالحلول الوطنية اليمنية وترك الجري خلف الأوهام الخارجية.
سابعا: قدم السيد في خطابه النصائح الغالية والثمينة لحزب الإصلاح مكثفا الحديث عن أهمية النصح والصدق والجدية في ابداء النصح للآخرين منطلقا من واجباته الوطنية والدينية وبما يمليه عليه ضميره الإنساني والإسلامي في تقديم النصيحة لمن يناصبه العداء او يتربص به وهذا السلوك في حد ذاته يعكس الثقافة القرآنية للسيد ويجسد المعاني والقيم والأخلاق الكريمة التي تربى عليها السيد وجعلها واقعا في حياته وتعاملاته مع الاخرين حتى لو كانوا ممن يناصبونه العداء .
وبادر السيد الى انقاذ خصمه من سوء التفكير وعبثية التدبير مقدما النصح لحزب الإصلاح ان يغير من سياسته ويبدل من ثقافته ليحل التعايش مع الاخر بدلا من الإلغاء ويقبل بالشراكة مع الاخرين بدلا من الاقصاء وان يكف عن التكفير لكل من اختلف معه كون ذلك المنطق يجلب الويل على الإصلاح قبل الاخرين داعيا الإصلاح الى إعادة النظر في أدبياته الحزبية والثقافية والفكرية وحذف كل ما يدعو الى التعصب والتشدد والتكفير وما من شانه استباحة دماء الاخرين واموالهم او حتى مضايقتهم وظلمهم لمجرد انهم يختلفون معه سياسيا وختم السيد خطابه بجملة من النصائح الثمينة التي لو اخذ بها حزب الإصلاح واستفاد منها لجعلته من اقوى الأحزاب جماهيرية في اليمن باسرها.