24-11-2024 09:04 PM بتوقيت القدس المحتلة

"التربية الحزبية الإسلامية" وحزب الله .. النموذج سبق النظرية

أهم ما تتعرض له هذه الأطروحة هي التحولات الكبرى التي مرّ بها حزب الله طوال رحلته التي بلغ عمرها حتى اليوم ثلاثين عاماً. وكيف تمّكن أن يجمع بين الأممي والإيديولوجي والنمط اللبناني المتمايز عن محطيه العربي

كُتبت المقالات والأبحاث العديدة عن "حزب الله" بوصفه حركة مقاومة عسكرية وتنظيماً سياسياً اتفقت جميعها على فرادة الحزب في التجربة والممارسة، ليس في لبنان فحسب، بل في العالم العربي والإسلامي. فبعد أطروحة الدكتورة "أمل سعد غريّب" التي حملت عنوان "حزب الله والسياسة والدين"، التي حصلت عليها من جامعة برمنغهام البريطانية، والتي تمكنت أن تكون موضوعية إلى حد مهم، كشفت فيها عن رؤية الحزب الإيديولوجية والسياسة تجاه عموم القضايا، متوقفة عند النشأة والتأسيس بقدر.

زينب الطحان / موقع المنار

إلا إن أطروحة الدكتور حسين أبو رضا " التربية الحزبيّة الإسلامية(حزب الله نموذجًا)"، تشكّل المرجع الأكبر والأشمل والأكثر مصدقية كونها صادرة عن واحد من أبناء هذا الحزب، الذي عايشه منذ اليوم الأول لتأسيسه وعمل في الميدان الحركي، فانتقلت معه، أن كُتبت النظرية بعد صنع التجربة بشكل عملي بذلت فيه الدماء والأرواح. فكان أن سجّل بذلك أن حزب الله بدأ يؤرخ لتجربته الفريدة، وإن لم يكن بشكل رسمي تنظيمي، كما أوضح صاحب الكتاب. 

من هنا أكد الدكتور طلال عتريسي، عميد معهد الدكتوراه للأداب والعلوم الإنسانية، في ندوة يوم أمس، ناقش فيها معهد المعارف الحكمية الكتاب، في مجمع المجتبيى (ع)، في الضاحية الجنوبية، على أن أهم ما تتعرض له هذه الأطروحة هي التحولات الكبرى التي مرّ بها حزب الله طوال رحلته التي بلغ عمرها حتى اليوم ثلاثين عاماً. وكيف تمّكن أن يجمع  بين الأممي والإيديولوجي والنمط اللبناني المتمايز عن محطيه العربي. إذ كان خطابه في الوثيقة الأولى في العام 1985 قوله :"نحن أمة حزب الله"، بينما في وثيقة العام 2009، يقول :"نحن حزب الله".

وهذا ما تسميه الدكتورة غريّب كيفية إدارة التعقيد، وبيّنه الدكتور أبو رضا في العودة إلى الأصول والمنابع الفكرية. من هنا واجه "حزب الله" التحدي الأكبر في أن يثبت أن حركته ليست ضد السياق المجتمعي، وهي الفكرة التي دافع عنها بعض الفقهاء في نقاشه لمسألة نشوء الأحزاب. وكان منهم الراحل الشيخ محمد مهدي شمس الدين، إذ راى أن الحزب سينشغل في مواجهة المجتمع بدلا أن يكون مدماكاً لمواجهة السلطة المستبدة. وهنا يقول الدكتور عتريسي إن من أهم القضايا التي طرحها الكتاب هو أن نشأة حزب الله أتت لمحاولة إعطاء كيان سياسي للمقاومة العسكرية التي كانت الأسبق في الحضور. وطرح الدكتور عتريسي أن حزب الله عاد للعمل على لبننة مشروعه الكبير بتشابه دقيق مع المنظومة الفكرية الخاصة بالإمام المغيّب السيد موسى الصدر، إلا إن بعض الحضور لم يوافق على هذه الرؤية والطرح. 

وأنهى الدكتور عتريسي مداخلته حول الجرأة النقدية التي تحلّى بها الباحث، في أنه أورد جملة تغييرات طرأت على الحركة الفردية في حزب الله، إذ راح يشهد تراجعاً في البنية الإيمانية والروحية وبعض حالات الفساد، وهو بطبيعة الحال مثله مثل بقية البشر قد يضعف أحيانا، ولكّن الباحث الدكتور حسين أبو رضا في مداخلته التوضيحية رأى أن أفراد حزب الله ومجتمعه قد بدأ يستعيد وهجه الإيماني الأول في السنوات الخمس الأخيرة، نظرا لتعاظم دور الحزب الجهادي. وأنه الان "عدنا إلى الكثير من الإيديولوجيا والقليل من السياسة".

الكتاب يتميز بشمولية عالية المستوى، نظراً لمكانته الأكاديمية والتي تعدّ الأولى في لبنان، ولما يطرحه من عناوين كبرى فيها الكثير من الأفكار الفرعية التي تدخل إلى العمق التكويني للأطر التنظيمية لحزب الله، من منبعها الديني والإيديولوجي والثقافي، وما ينبثق عنها من رؤى سياسية في خطوطها العامة والخاصة. من هنا ركّز الباحث الفلسفي الأستاذ محمود حيدر على فضائل الكتاب، وكان أولها الفكرة في حد ذاتها اختياراً لبحث أكاديمي جامعي، والثانية لحسن تدبر الكتاب بأسلوبه ومعالجته، والثالثة هي فضيلة التفرد، فهو نوع من مؤلف داخل الحزب ترى إلى تجربته برؤية فيها البحث المنطقي والتحيّز العلمي في الإيديولوجية ولم يرجّح واحدة على أخرى. 

ورأى الأستاذ حيدر أن فضيلة النقد التي يقدّمها الكتاب، مكمن بناؤها أنها رد على افتراءات الخارج، كما لو أنه إعادة لهذا الإفتراء مجيباً عنه، وهذا يحتاج إلى جرأة من الكاتب في أن تستعيد نقد الخصم وتضعه في ضفك. 

وأثنى الأستاذ حيدر على قيام الباحث بمنهج وسطي في أنه قدّم قراءة للأمور كما هي في الواقع، وليس تظهير محاسنها، ووضع المقاربات العلمية وهي ما يتعلق بما يسميه الأستاذ حيدر بحاضرية الشيعة في القرن الواحد والعشرين كونها الأولى في عين الشمس، وعليها مواجهة العواصف، ومنها الخلط بين الحقيقة الدينية والإيديولوجية الحزبية، إذ حاولت أحزاب سابقة ومنها الماركسية التخفيف من العبأ الحزبي فقللت من المبادئ الحزبية على حساب القيم الاعتبارية للإيديولوجية. بينما الكتاب هنا مزج بين حضور القيم وضرورات التنظيم في حركة "حزب الله".

وذلك في تأكيده على أن تجربة حزب الله غير مسبوقة كونها متصلة بالحقيقة الدينية، وعملت على الفصل بين الغيب والشهادة، وضرورة التيقظ والمراقبة الدائمة والمحاسبة والدمج بين قيم الوحي وقيم السلطة. وعرّج هنا الأستاذ محمود حيدر على الفصل الكبير الذي شهدته الأمة الإسلامية والذي بدأ مع المشروع الأموي، حين فصل بين قيم الوحي وقيم السلطة. في ختام مداخلته لفت "الاستاذ حيدر" أن المقصود بالتربية الإسلامية الحزبية إنما هو رب العباد وشرعيته، وليس رؤى سياسية مستوردة من هنا أو هناك وهذا بعد عرفاني كبير في الانتماء لحزب الله، وفي انعقاد الصلة الوثيقة بين الرب والعبد. 

بدوره مؤلف الكتاب الدكتور حسين أبو رضا، لفت في بداية كلمته إلى أنه تمّ إسقاط العديد من المفاهيم النظرية المتعلقة بتطور الفكر الاجتماعي الغربي على مجتمعاتنا، ما أوقعها في حال من الاغتراب والإرباك. وبأنه حاول في أطروحته الإجابة على العديد من التساؤلات المطروحة في هذا الميدان بما يتوائم ومجتمعنا العربي، واللبناني تحديداً، وتعويضا لبعض العجز في مفاهيم تربوية متعلقة بالأحزاب.

ولكن الأهم على ما يبدو برأي الكاتب كان محاولة سد ثغرة معرفية في المكتبة الثقافية العربية عموماً حول التجربة الإسلامية الحزبية، من خلال طرح نموذج حزب الله. وقدّم نماذج من أفكار طرحت في كتابه أكد فيها محاولته الموضوعية والعلمية في البحث والنتائج، كما وضّح للدكتور طلال عتريسي أنه كان من الصعب التوسع في العديد من الأفكار التي طرحت في الكتاب، مما كان سيجعل البحث الأكاديمي يخرج عن سياقه الخاص، خصوصا أنه حاول ترسيخ فكرة أنه ليس هناك تربية وهناك حزبية بل هناك تربية حزبية إسلامية.

تصوير : زينب الطحان