من يطّلع على سيرة شيخ شهداء المقاومة الاسلامية الشيخ راغب حرب يدرك مدى إلتصاق هذا الرجل بالناس ومدى قربه منهم ليس فقط في المناسبات كالافراح والتعازي، بل في يومياتهم وحاجاتهم وأفكارهم وطريقة حياتهم.
من يطّلع على سيرة شيخ شهداء المقاومة الاسلامية الشيخ راغب حرب يدرك مدى إلتصاق هذا الرجل بالناس ومدى قربه منهم ليس فقط في المناسبات كالافراح والتعازي، بل في يومياتهم وحاجاتهم وأفكارهم وطريقة حياتهم، فهو معهم في نضالهم للاحتلال الاسرائيلي ومعهم في معيشتهم ووضعهم الاقتصادي، ومعهم لبناء جيل ديّن مؤمن مجاهد في كل سبل الحياة وليس فقط في الشأن العسكري وإن كان له الاولوية في مراحل مفصلية من حياة الامة.
فالشيخ راغب الذي ولد في العام 1952 في قرية جبشيت الجنوبية، عاش حياته في قريته وعايش حاجات شعبه واهله، فتابع دراسته الابتدائية والمتوسطة بين بلدته ومدينة النبطية، قبل ان يتوجه لمتابعة العلوم الدينية في بيروت ليصبح رجل دين، ومن ثم غادر الى النجف الأشرف في العراق لمتابعة دراسته العلمية على أيدي كبار العلماء هناك، هذا الشيخ المحب للناس ولخدمتهم عُرف عنه في النجف تماهيه في خدمة الآخرين لا سيما اللبنانيين منهم، وما زال الكثير من هؤلاء يذكرون كيف كان يقوم بقضاء حوائجهم حتى من دون ان يتعرف عليهم احيانا.
وفي العام 1974 عاد الشيخ راغب إلى مسقط رأسه في جبشيت، وبادر إلى إقامة صلاة الجمعة، وانطلق من المسجد الى العمل الجهادي ضد العدو الصهيوني، فأسس لحراك جهادي خرّج منه الكثير من المقاومين والشهداء، ومن المسجد ايضا انطلق للعمل الخيري الانساني ومن ثم أسّس "الجمعية الخيرية الثقافية" ومن ثم تمكّن من إقامة مبرّة السيدة زينب(ع) لرعاية الايتام، كما أسس "بيت مال المسلمين" بما كان يتوفّر من إمكانات متواضعة لتقديم القروض البسيطة لمن يحتاجها من الأهالي.
وحيوية الشيخ راغب جعلت منه حالة تقتحم أفكار أهل الجنوب وصولا الى بيروت فالبقاع رغم الاحتلال الصهيوني، وكرست الشيخ مقصدا لكثير من طلاب العلم والعمل الاسلامي ما جعله رمزا للجهاد ضد العدو، ليصبح هذا العدو يلاحقه عبر عملائه ويرصد تحركاته محاولا انتزاع اعتراف منه او كلمة ترفع من رصيد المحتل امام الرأي العام، وكلمته الشهيرة ما زالت تصدح بها ألسن المحبين "الموقف سلاح والمصافحة اعتراف".
والشيخ راغب شكل محطة رئيسية وتأسيسية في جهاد المقاومة، فالشيخ قد وحّد كل اطياف المجتمع الجنوبي ضد العدو الاسرائيلي، فكان صلبا في مواجهة الصهاينة وشكل حالة من رفض العدو ونشر هذه الثقافة لدى الناس، وهو كان يعتقد ان تلك المرحلة تتطلب الصلابة وكان يعتبر ان كل ما يقوم به هو حجة وسيحسب عليه لان الناس ستتبعه في ذلك.
والشيخ راغب هذا الرجل الصلب في مواجهة الاحتلال كان له صورة اخرى رحيمة في تعاطيه مع الناس فهو كان يتحسس الفقراء والفلاحين ويواكب احوالهم ومعيشتهم، كان ينكسر قلبه امام اليتيم والفقير والمحتاج، فهو-بحسب من عايشوه- كان أبويا الى حد كبير خاصة مع الايتام، يأكل من طعامهم ويشرب من مشربهم ويعيش معيشتهم.
ومن الجوانب اللطيفة في شخصية الشيخ راغب القائد والقدوة انه ما كان يخاطب الناس بخطاب الصلابة والقسوة، بل هو كان المرشد والمتابع هو الذي كان يستخدم الخطاب الذي يؤثر في النفوس ويرفع معنويات الانسان البسيط ويرفع من شأنهم وقدرهم ويعطيهم قيمتهم الحقيقية كبشر لهم حضورهم وتأثيرهم في المجتمع والحياة.
كل ذلك جعل العدو بتربص أكثر فأكثر بالشيخ الشهيد، حتى أقدم في 8 من آذار/مارس عام 1983، الى اعتقال الشيخ راغب ليصبح أسيرا في "معتقل انصار" قبل ان يُنقل الى مركز المخابرات الاسرائيلية في مدينة صور الجنوبية، وهناك عَرض العدو عليه ان يترك المنطقة ويغادر الجنوب كوسيلة لابعاده عن اهله ومحبيه، ولكن الراغب بالجهاد أبى وأكد انه "لن يغادر الجنوب وسيبقى على أرضه".
وسريعا أدرك العدو انه وضع نفسه في مأزق مع اهالي القرى الجنوبية باعتقاله الشيخ راغب، فقد تحرك الاهالي للمطالبة بإطلاق سراح الشيخ، وبعد ازدياد ضغط الشارع أُطلق سراحه بعد 17 يوما من الاعتقال، ما جعل الشيخ يزداد اصرارا على العمل الجهادي والتعبئة الشعبية ضد المحتل الغاصب.
وشكل الاعتصام الشعبي للمطالبة بالافراج عن الشيخ عملية للرفض الشعبي وكسر جدار الخوف عند الناس وكان فرصة أرادها الشيخ راغب لتشريك المجتمع كله للانخراط والوقوف ضد العدو الصهيوني.
ويعتبر الشيخ راغب، بحسب مقربين منه انه شكل حالة في جهاده ولا سيما خلال وبعد اعتقاله، وهو قد حسم أمره بعد الافراج عنه بأنه لم يعد هناك اعتقال له من قبل العدو بل حضّر نفسه ومحيطه للاستشهاد، فالشيخ كان يقوم بأي فعل يغيظ الاحتلال وهو أسس للحالة التصعيدية ضد الاحتلال فهو كان يقول إنه لو قدمنا آلاف الشهداء ولو هدّمت بيوتنا فلا شيء يدفعنا للانصياع لقرار العدو.
ومما كان ينقل عن الشيخ راغب انه يعتبر ان "الزمن الذي نشكو فيه الى ظالمينا" قد ولّى فكل دول الاستكبار والمنظمات التي تتآمر على أمتنا هي حقارات، وبالنسبة للشيخ راغب كان التحرير مسألة وقت ليس إلا.
وبعد حادثة الاعتقال وصعوبة ما عاناه العدو جراء ذلك، قرر التخلص من الشيخ راغب ظنا منه انه سيسكت صوت الحق وجذوة المقاومة والجهاد، وفي 16 شباط/فبراير من العام 1984 قام الاحتلال الإسرائيلي عبر عملائه باغتيال الشيخ المجاهد ليتحول الجنوب راغبا بالحرب ضد العدو الاسرائيلي، وليكون استشهاد الشيخ راغب نقطة تحول في عمل المقاومة، ليتطور عملها بشكل تصاعدي وصولا الى التحرير وما تلاها من انتصارات..