بنظرةٍ خاطفة على الشاشات الأميركية فور وقوع مجزرة «تشابل هيل» في نورث كارولاينا، يلحظ المشاهد تجاهلاً متعمّداً لمقاربة الحادثة بوصفها جريمة مدفوعة بالكراهية الدينية.
يبدو من السذاجة أن يتوقع المشاهد العربي إعلان الإعلام الأميركي الحداد على ضحايا حادثة «تشابل هيل» الإرهابية، كما هزّه اعتداء كوبنهاغن أمس فور وقوعه. بات بديهياً ألا تحرّك الجريمة مَن لم يحِد عن تنميط العرب والمسلمين ودمغهم بالنزعة الأصولية، فيما يستنفر طاقاته بإدانة اعتداء كوبنهاغن. في الحادثة الأولى، قد يخُلص الإعلام إلى أنّ القاتل مختل عقلياً أو «ملحد» متشدد. أما في الثانية، فلا مناص من إطلاق صفة «الإرهاب» عليه.
مجزرة «تشابل هيل» التي دفعت أميركياً إلى قتل ثلاثة طلاب أميركيين مسلمين من أصل عربي، دفعت كثيرين إلى عقد المقارنات بين الضجيج الذي أحدثته مذبحة «شارلي إيبدو» أو اعتداء كوبنهاغن من جهة، والتغطية الخجولة التي حظيت بها جريمة «شابل هيل» من جهة أخرى.
غير أنّ الدور المحوري الذي لعبته السوشال ميديا في فضح الجريمة، كشف مدى قدرة الإعلام البديل على الضغط على الإعلام التقليدي ودفعه اضطراراً إلى تغطية الحدث من زاوية استقصائية تبحث في دوافع ارتكاب الجريمة.
أجبرت مواقع التواصل الاجتماعي القنوات على الإضاءة على الحادثة الإرهابية
بنظرةٍ خاطفة على الشاشات الأميركية فور وقوع مجزرة «تشابل هيل» في نورث كارولاينا، يلحظ المشاهد تجاهلاً متعمّداً لمقاربة الحادثة بوصفها جريمة مدفوعة بالكراهية الدينية. يأتي ذلك خلافاً لجرائم أخرى كانت تقتحم عناوين النشرات رغم محدودية أبعادها السياسية أو الدينية. بعد أكثر من 12 ساعة على ارتكاب الجريمة، خرجت وسائل الإعلام التقليدي عن صمتها، بعدما انتشرت حيثيات القصة وصور الضحايا والقاتل على السوشال ميديا، وسادت حالة غضب على تويتر لتسفيه الإعلام قيمة الضحايا وتستّره على القاتل. كالنار في الهشيم، انتشر هاشتاغا Chapelhillshooting وMuslimsliveMatter، لتصبح المحطات الأميركية محكومةً بتلك التغريدات، فاتحةً هواءها أخيراً لتغطية الحادثة.
بعيداً عن ماهية التغطية ومدى مستوى الموضوعية في مقاربة القضية، إلا أنّ قيام محطات كـ ABC وCBS وNBC بإثارة الشكوك حول الدوافع الحقيقية لقتل الضحايا رمياً بالرصاص والمرتبطة بالكراهية الدينية أفصح عن حجم الضغط الذي أحدثته مواقع التواصل الاجتماعي عليها. على تلك المحطات، كان سيناريو الخلاف على موقف السيارات حاضراً بقوّة في تفسير دافع الجريمة، لكن بطابع تشكيكي بعض الشيء على عكس حوادث أخرى حيث يُرفع إصبع الاتهام للمسلمين قبل الشروع في التحقيقات الرسمية، فتقطع المحطات الشك باليقين وترجعها إلى تطرف إسلامي يتغلغل في البلاد.
على ABC، راح المذيع ديفيد موير يفتح سيلاً من التساؤلات حول مسألة الكراهية، قائلاً «الاستخبارات الأميركية التحقت بالتحقيق في الحادثة، وتعتقد أنّ هناك سبباً آخر لارتكاب الجريمة بعيداً عن المشاجرة على موقف السيارات. هل هي فعلاً جريمة كراهية إذاً؟». ولمّح مراسل المحطة من أرض الحدث توم لياماس إلى أنشطة القاتل جريج هيكس على الشبكة العنكبوتية، مشيراً إلى ازدرائه الأديان، وخصوصاً المسلمين والمسيحيين المتشددين. أمّا مراسل NBC ليستر هولت فاستشهد بأقوال محمد أبو صالحة والد الضحيتين يسر ورزان الذي حكى عن تهديد مسبق تلقته ابنته يسر وزوجها ضياء بركات من قبل هيكس على خلفية دينهما الإسلامي. غير أن الاتكاء على أقوال أبو صالحة لم يكن محور كلام هولت الرئيسي، إذ رجع ليقول: «هناك صدمة كبيرة في البلدة، لكن السلطات الأميركية لا تؤمن أن السبب وراء قتل هؤلاء الثلاثة عائد إلى الكراهية».
طبيعة تفكير ونشاط القاتل على الإنترنت، وهوسه بموقف السيارات جذبت الصحف والمحطات، وخصوصاً تلك التي كانت تبحث عن خيط تبعد عن القاتل شبهة ارتكابه جريمة كراهية. مثلاً، تفوّقت CBS على نفسها بعدما أهدت مذيعة برنامج Inside Edition ديبورا نورفيل رزمة من النصائح للمشاهدين لإيجاد مواقف ملائمة لسياراتهم تجنبّاً لتكرار الحادثة! هذه المقاربة السطحية والمخادعة أشعلت غضب المغرّدين الذين طالبوا المحطة والمذيعة بالاعتذار. ويبدو أنّ القناة سارعت إلى احتواء الموقف وامتصاص غضب الجمهور عبر سرد احتمال أن يكون دافع الجريمة نابعاً من الكراهية، وذلك على لسان مراسلها فيسيتني أريناس.
أما CNN، فقد قاربت القضية بطريقة مختلفة. أثارت نقاشات عدة حول طبيعة الجرائم المدرجة في سياق الإرهاب، في إشارة ملتوية إلى عدم توافر شروط الإرهاب في مجزرة «تشابل هيل»! على ضفة الإعلام المكتوب، سلّطت صحيفتا «نيويورك تايمز» و»واشنطن بوست» الضوء على الجانب الشخصي في حياة القاتل هيكس، مستعيدةً مشاجرات سابقة بينه وبين جيرانه، مع نعته بـ»الناقم» و»صانع المتاعب».
غير أنّ Fox News المشهورة بنشر ثقافة الاسلاموفوبيا، فحطّمت كل الحدود المهنية والأخلاقية بشن مذيعها بيل رالي هجوماً لاذعاً على والد الضحيتين يسر ورزان، فوصفه بـ»الخسيس» و»القذر» بعدما انتقد تعاطي الإعلام الأميركي مع الحادثة وتهيئته مسبقاً البيئة المناسبة لتقبّل جمهوره هذه المآسي والفظاعات بحقّ المسلمين.
الـ «اندبندنت» تضرب!
على ضفةٍ مقابلة، شهد الإعلام البريطاني تغريداً خارج السرب، خصوصاً صحيفة «اندبندنت» التي وصفت الحادثة بـ»الإعدام». كما نشرت مقالات عن ازدواجية الإعلام الأميركي. هكذا، تساءلت إحدى كاتباتها: «هل كانت وسائل الإعلام الغربية ستغطي جريمة مقتل الطلبة المسلمين الأميركيين الثلاثة في كارولاينا الشمالية إذا لم يكن تويتر موجوداً؟ هل كانت ستهتم إذا لم يقم تويتر بفضحها علناً على هذا الصمت؟». وأضافت: «يبدو أن المسلمين يكونون محط الاهتمام فقط عندما يكونون مرتكبي جرائم بشعة، وليس عندما يكونون ضحاياها»!