وثيقة سُربت عن قرار أميركي سبقت الربيع العربي بأشهر يطلب من الوكالات الأمنية الإستعداد لتحولات عربية عاصفة :"نحيطكم علما بضرورة الاستنفار وتحضير ما يلزم استعداداً للتغيير والإصلاح السياسي في العالم العربي والشرق الأوسط..
هل هي المؤامرة الخارجية التي استطاعت بين عشية وضحاها تحريك الشوارع العربية وشد عزيمتها للانتفاض في وجه الحاكمين؟ أم هو الكيل الذي طفح بالشعوب فانكسر ظهر صبرها بقشة طالما انتظرتها؟ أم هي هذا وذاك في آن معاً.. ؟!!..
زينب الطحان/ موقع المنار
من منّا لا يكفّ عن طرح هذه الأسئلة إلى اليوم بعد مجريات الأحداث التي جرت خلف ما سمي بـ"الربيع العربي"؟!..خصوصاً في ظل ما تشهده بلادنا العربية من حال فوضى لا مثيل لها في كل الحقب التاريخية الماضية.
الأجوبة التي قدمت على التساؤلات المطروحة أعلاه كثيرة ومتعددة بتعدد المنطلقات والخلفيات الفكرية والثقافية التي ينطلق منه المجيب. من هنا رأى "مركز الحضارة لتنمية الفكر الإسلامية" أن الوثائق والنصوص التي نشرت حول هذه الظاهرة الاجتماعية والإنسانية تسهم في توضيح الرؤية وتحليل مجرياتها لاكتشاف أسبابها وربما توقّع أثارها ونتائجها، ومن هنا عمل معدّ الكتاب "وثائق الربيع الربيع والصحوة الإسلامية" الباحث الأستاذ حسن الزين على جمع عدد كبير من الوثائق المرتبطة بالحدث لعلها تنير الباحثين في الموضوع شيئاً من طريقهم وهذا الأمل هو الذي حدانا – المركز وموقع المنار – إلى نشر أهم تفاصيل هذا الكتاب.
ولكن البدء في الغوص بمضمون الكتاب، نسأل لماذا هذا العنوان "وثائق الربيع العربي والصحوة الإسلامية"؟!..لقد تغللت تسمية "الربيع العربي" في مراكز الأبحاث والدراسات وأصبحت هي الأكثر تداولاً على الألسن العربية والأجنبية حتى أصبحت له تداعيات وارتباطات نفسية ولغوية في العقل العربي كلما استحضرت مجريات الحراك العربي، وللأسف أنه دخل في القاموس العربي من بابه الواسع، كما يقول معد الكتاب، لماذا للأسف؟!.. هذا ما سنوضّحه في العرض الأتي. أما مصطلح "الصحوة الإسلامية" لأنه الأكثر تدوالاً بين الإسلاميين ويعود إلى بدايات القرن العشرين ويرمز دلالياً إلى مكوّنات المشروع الإسلامي وتياراته.
من أين أتى مصطلح "الربيع العربي" ؟ :
يورد الكتاب وثيقة مفصّلة وهي عبارة عن تقرير يحمل عنوان "تقرير التنمية الإنسانية الرابع 2005". ومرجع الوثيقة من موقع الأمم المتحدة على شبكة الإنترنت. وتبدأ بالقول بكل صراحة لا مواربة فيها : "ربيع الإصلاح العربي لم يزدهر بعد، هلّل مراقبون كثيرون لبعض التطورات التي تمخّض عنها التفاعل الاجتماعي والسياسي في البلدان العربية .. إلا إنه من منظور الحرية والحكم الصالح الذي انتهى إليه تقرير التنمية الإنسانية العربية السابق يصعب في تقديرنا أن ترقى الأحداث التي جرت على الساحة العربية في الفترة منذ انتهاء العمل على إعداد تقرير "التنمية الإنسانية العربية للعام 2004" إلى مرتبة الإصلاح الواسع والعميق الذي نادى به التقرير..".
ومن اللافت والغريب العنوان الذي حمله عنوان الوثيقة الرابعة "الربيع العربي الأوبامي"، والذي صدر بأول مقالة أميركية نشرت بعد مرور أيام على الثورة التونسية وبشّرت بمصطلح "الربيع العربي"، والكاتب هو مار لينش في العام 2011. ولكن سبقه مؤشرات أميركية حول هذه التسمية في العام 2010، في أضخم دراسة أميركية عن إصلاح "الشرق الأوسط الكبير"، حملت عنوان "سعياً للديموقراطية والأمن في الشرق الأوسط الكبير"، وكان مصدرها معهد السلام الأميركي نشرها على شبكة الإنترنت. وهذا المعهد هو مؤسسة فدرالية مستقلة غير حزبية، أنشأها الكونغرس في العام 1984، ويعيّن رئيس الولايات المتحدة مجلس إدارة المعهد ويصادق عليه مجلس الشيوخ. ويعمل فيها ما يقرب من 150 مثقفاً وناشطاً عربياً وأميركياً، وهذا العدد بالذات هو الذي فرز للعمل على مشروع وضع أسس "الربيع العربي" في بلادنا.
وورد في هذه الوثيقة بالحرف الواحد :"إن دعم الديمقراطية من قبل مسؤولينا الأعلى لن يدعم المصالح الأمنية الأميركية فقط بل إنه سيرفع من شأن رؤية الرئيس أوباما بعلاقات جديدة بين الولايات المتحدة ودول الأغلبية المسلمة، ...من خلال تشجيع إدارة أوباما على صياغة استراتيجية تربط بين الأمن والتغيير الديمقراطي، فإننا نقدم ما نعتقد بأنه سيكون استراتيجية مجدية سياسيا وطويلة الأمد..". وتقدم الوثيقة نفسها أجزء متعددة متعلقة بالبلدان التي تهتم بها هذه الاستراتيجية الأميركية، وفي مقدمتها مصر؛ الأردن؛ لبنان؛ المغرب؛ اليمن. وتتوالى الوثائق حول هذه البلدان وغيرها، بالاخص منها تونس ومصر، وخاصة في أثناء اشتعال الفوضى أو الحراك في هذه البلدان، وهي كلها تحمل نفساً واحداً حول ما تدعيه من ضرورة التغيير نحو الديمقراطية والتحرر من الأنظمة الاستبدادية.
اللغة المستخدمة في كل التقرير تحمل في طياتها بشكل واضح التدخل الأميركي المباشر في تسلسل الأحداث التي نشأت في الدول التي سمي فيها الحراك أو الفوضى بالربيع العربي. وخاصة عندما تحمل الوثيقة تلبيغات واضحة إلى رؤوساء وحكام وجنرالات هذه البلدان بالأمر النافذ.
إلا إن أهم الوثائق على ما يبدو التي حظي بها معد الكتاب هي التي حملت عنوان "مشروع الإصلاح السياسي في الشرق الوسط وشمال أفريقيا 11 PSD". وهي وثيقة سُربت عن قرار رئاسي أميركي سبقت الربيع العربي بأشهر عديدة يطلب من الوكالات الأمنية الإستعداد لتحولات عربية عاصفة. وورد فيها أهم ما يمكن أن نستشفه من مصلحة أميركية مباشرة من التغييرات التي كانت ستطرأ على العالم العربي بقول الوثيقة حرفياً :"نحيطكم علما بضرورة الاستنفار وتحضير ما يلزم استعداداً للتغيير والإصلاح السياسي في العالم العربي والشرق الأوسط، لأن المنطقة العربية دخلت مرحلة حساسة وحرجة، ويجب إعطاء دفعة قوية من الديمقراطية لضمان المصالح وتوفير الصدقية والشرعية للسياسات الأميركية على المدى البعيد".
الحركات الإسلامية و"الربيع العربي" :
تسابقت الحركات الإسلامية في العالم العربي إلى ادعاء دور لها في كل ذلك الحراك الكبير، سواء في تونس أو مصر، خصوصاً حركة الإخوان المسلمين، التي وإن اعترفت أنها لم تشارك في بداية الحراك الذي راح يتوسّع، وبعدما أفضت الأمور إلى مقاليد الإمساك بالحكم، أقر الرئيس محمد مرسي أن الإخوان حرصوا على "إرسال رسائل التهدئة والتطمين إلى الدول الغربية وأمريكا، وكذلك إلى القوى الداخلية، أن الأخوان لن يرشحوا أحداً منهم للرئاسة، ولن ينافسوا على أغلبية برلمانية .. وتمّ تنحي الرئيس بعدها يوم الجمعة 11 فبراير، وكان لهذا أيضاً دوره في تسهيل نجاح الثورة وإزالة بعض المعوقات المحتملة".
ويتابع بلغة الواثق أنه عندما غاب الإخوان عن بعض أيام الجمعة بعد إزاحة مبارك وحكومته "ظهر مدى الفرق في القدرة على الحشد والتنظيم في أيام الجمع التي نزلت فيها، والذي كان واضحاً في أيام الثورة الأولى، وهذا يوضّح أنهم كانوا فصيلاً أساسياً له حجمه وثقله الكبير في الثورة، رغم مغالطة البعض لهذه الحقيقة". إلا إنه في وثيقته هذه يتغافل بشكل تام عن الرسالة الشهيرة التي بعث بها إلى رئيس الكيان الصهيوني شمعون بيريز يطمئنه فيها إلى أهداف حركة الإخوان في هذا الحراك.
أما الحركات التكفيرية مثل تنظيم "القاعدة"، فقد رأى أسامة بن لادن أن ما يشهده العالم العربي هو "ثورات متتالية حدث هائل وعظيم جدا ويغلب على الظن حسب متابعة الواقع وتأمل التاريخ أنه سيشمل معظم العالم الإسلامي .. فهذه الأحداث هي أهم أحداث تشهدها الأمة منذ قرون، فمنذ دخلت الأمة فيما هي فيه لم تشهد أب تحركات لإنقاذها بضخامة التحركات الشاملة التي انطلقت بفضل الله في هذه الأيام ..". وهو يأمل خيرا في عودة المسلمين إلى "السلفية" وهي الإسلام الصحيح في هذه الحركات، فهو يقول :" إن هناك تياراً له ثقل داخل الإخوان يحمل الفكر السلفي، فرجوع الإخوان ومن على شاكلتهم إلى الإسلام الحق هي مسألة وقت بإذن الله، وكلما ازداد الاهتمام بتوضيح المفاهيم الإسلامية كان رجوعهم أقرب، فالحفاظ على تحركات المسلمين اليوم وضبط مسارها يتطلب جهدا واهتماما أخذين بعين الاعتبار اهمية الترفق مع أبناء الأمة الذي وقعوا تحت التضليل لعقود بعيدة".
وهنا يقول المحللون أن "بن لادن" بدأ يرى أن "ثورات الربيع العربي" أسقطت الجهاد، وبدأت الأولوية للتوجيه والإرشاد ويدعو إلى جهادييه إلى التركيز على هذه المسألة، لا بل هو يرى أن الفضل في نشوء هذه الثورات لحركته المسلحة في أفغانستان:"إن جهاد القاعدة في أفغانستان لإقامة شرع الله واستنزاف رأس الكفر العالمي مكّن الشعوب المسلمة من استعادة بعض الثقة والجرأة وأزال عنها الضغط القاهر الذي كان يرهق ويحبط كل من يفكر بالخروج على وكلاء أميركا".
أم السلفيون و"الربيع العربي"، يبدو أن معدّ الكتاب لم يعطهم الحيّز المطلوب من الاهتمام، كونهم هم أصبحوا الحركة الأخطر بعدما انطفأ الحديث عن الآمال المعقودة على الربيع العربي والذي تحوّل إلى خريف دامٍ يشظي المنطقة العربية برمتها، فقد كان من تداعيات "الربيع العربي" اكتساح الساحة من هؤلاء الذين ملأوا الدنيا وشغلوا الناس بجرائهم وأفكارهم التحريفية للقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة. ولا يكفي أن يعتمد الباحث حسن الزين على مصدر واحد حول تعريف السلفيين ودورهم في الحياة العامة، فهو لم يقترب من دورهم من الربيع السلفي واكتفى بذكر مواقف ضبابية لهم، وتحدث عن انقساماتهم إزاء الحراك انذاك وآليات تعاطيهم مع الحكم والديمقراطية.
في استقراء أنذاك من "حزب الله" للحراك "الربيع العربي"، عقد الآمال الكبيرةعليها وفي خطاب شهير لسماحة السيد حسن نصرالله الأمين العام للحزب في العام 2011، طالباً من الشعوب التونسية والمصرية والليبية أن تتحد في حراكها وتواصل نهضتها في الاتجاه الصحيح وألا تدع الخطط الأميركية تحرفها عن مسارها وقال :"نداؤنا في هذا اليوم ألا ينطلي هذا الخداع على أحد في عالمنا العربي والإسلامس، وهو لم ينطل على أحد بالتأكيد، لأن الشعوب باتت تمتلك وعيا وبصيرة لااقية وعالية تجاه السياسات الأميركية،وشعوبنا تعرف أولا أن هذه الأنظمة بالذات هي صنيعة أميركا وهي بحمايتها منذ عشرات السنين.. فالإدارة الأميركية شريكة في جرائم هذه الأظمة وفي كل ما ارتكبته بحق شعوبها ..".
هل فعلا الثورات يدبّرها الدهاة؟!
يقول الأديب المصري الراحل نجيب محفوظ في حوار له حول الثورات العربية السابقة :"من خلال قراءاتي في التاريخ، وبخاصة في تاريخ الثورات الكبرى، وجدت أن هناك قاعدة مشتركة تنطبق عليها جميعاً وهي أن الثورة يدبّرها الدهاة وينفّذها الشجعان، ويفوز بها الجبناء".
ويكتب الشاعر السوري أدونيس :"لا يتم أقل تغيير المجتمع بمجرد تغيير حكامه. قد ينجح هذا التغيير في إحلال حكام أقل تعنفاً أو أكثر ذكاء، ولكنه لا يحل مشكلات الأساسية التي تنتج الفساد والتخلف. إذاً، لا بد في تغيير المجتمع من الذهاب إلى ما هو أبعد من تغيير الحكام، أعني تغيير الأسس الاجتماعية والاقتصادية والثقافية".
يبدو أن هذه الرؤية الأعمق للثورات الحقيقية في التاريخ، تلك التي تحمل جذورا عميقا من التغييرات الكبرى على كافة الصعد وفي مقدمتها القوالب الثقافية والفكرية والاجتماعية، وليس أدل برهان من مسار الثورة الإسلامية الإيرانية التي استمرت خمسة عشر عاما رافقها كل التغييرات العميقة في المجتمع الذي توحد تحت لواء الاسلام الأصيل حركة وانتماء، ودفعت في سبيلها الدم الغالي والأرواح من كبار الشخصيات في المجتمع التي كانت في مقدمة المسيرة، فمن حرّكها لم تكن زمرة من الدهاة كما رأى "نجيب محفوظ"، بل قادة وعلماء ومثقفون كبار هم كانوا من الاوائل الذين بذلوا الدماء حتى انتصرت الثورة. وكانت مثالا سليما ونموذجا حيا لحركات الصحوة الإسلامية في العالم.