23-11-2024 07:37 AM بتوقيت القدس المحتلة

وقفة ضمير لبنانية، ما بين الإطلالتين...

وقفة ضمير لبنانية، ما بين الإطلالتين...

لسنا نتموضع نحن أبناء الشعب اللبناني في زاروبٍ سياسيٍ ضيِّق، لإجراء مقارنة بمنظارٍ ضيِّق،




أمين أبوراشد

لسنا نتموضع نحن أبناء الشعب اللبناني في زاروبٍ سياسيٍ ضيِّق، لإجراء مقارنة بمنظارٍ ضيِّق، بين إطلالة الرئيس سعد الحريري في الذكرى العاشرة لإستشهاد والده، وبين إطلالة سماحة السيد حسن نصرالله في ذكرى الشهداء القادة، لأننا نُقارب الأمور بما يُلامس الواقع اللبناني الذي نعيشه أكثر بأشواط ممَّن يحكُم لبنان وعلى لبنان من خارجه، ولأن الرؤية عن بُعد ليست كما المعاينة على الأرض، وممارسة السياسة لا تُشبه في شيء صُنع السيادة، وتسطير خطابات المناسبات ليس كما تسطير الملاحم بدماء الشهادة على صفحاتٍ من تاريخٍ مذهَّب.

بدايةً، إذا كنا قد اعتدنا على "البسملة والحمدلة" التي يبدأ بها سماحة السيِّد كل إطلالة، بالصلاة والسلام على كافة الأنبياء والمرسلين، فإن بداية إطلالة الرئيس الحريري القادم من السعودية كانت ملفتة، ولم تقتصر على تأبين الملك السعودي الراحل، رحمه الله، بل ذهبت الى "مبايعة" الملك الآتي مع وليِّ عهده ووليِّ وليّ عهده، وقد أشرك اللبنانيين معه في هذه المبايعة بالنيابة عنهم، وعسى في المستقبل أن تكون المملكة حاضنة للبنان ولو أن الماضي والحاضر لا يبشِّران.

شيء إيجابي كان تمسُّك الرئيس الحريري بالحوار مع حزب الله، وقد قابله سماحة السيِّد بإيجابية أكبر، وشيء إيجابيٌ أيضاً حديث الرئيس الحريري عن استراتيجية وطنية لمواجهة الإرهاب، والسيِّد رحَّب جداً بهذا التطوُّر في مقاربة الأمور، لكن جولة الرئيس الحريري على الوضع الإقليمي المحموم في سوريا والعراق وليبيا واليمن، تؤكد أنه مقتنع بينه وبين نفسه بأن الإرهاب بات يطوِّق المنطقة، وبالتالي فإن الخطوات الجبارة التي تقوم بها المقاومة خارج حدود لبنان لدرء مخاطر الزحف التكفيري يجب أن تكون محمودة ومشكورة، لأن لبنان دفع في طرابلس وعرسال وفي سائر المناطق والشوارع التي كانت "حريرية" الإنتماء أثماناً غالية، تماماً كما في أماكن البيئة الحاضنة للمقاومة.

أما في ما يتعلق بنسيان القضية الفلسطسنية، فالرئيس الحريري يعرف مَن تنكَّر لهذه القضية، ومَن جعل من فلسطين قضيته وساند المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة ومكَّنها من تحقيق الإنتصارات، فيما الجامعة العربية التي يُدافع عنها، أغرقت رأسها كالنعامة في رمال الذلّ والهوان وتركت فلسطين لقمة سائغة للعدوان الإسرائيلي.

وبالعودة الى مواجهة الإرهاب، وتأكيداً على ضرورة "الذهاب الى سوريا معاً لمقاتلة الإرهاب" فقد أعطى سماحة السيِّد نصرالله مثالاً عن إيطاليا، التي تبعد 350 كيلومتراً عن أماكن تواجد الإرهابيين في ليبيا، ترتعد فرائصها وتعلن الإستنفار وتستنهض معها دول "الناتو" لمحاربة هذا الإرهاب، ونحن يتواجد الإرهاب ضمن أراضينا اللبنانية في عرسال وعلى حدودنا من الشمال والشرق، وعلى مسافة كيلومترات قليلة من سفوح جبل الشيخ بظهيرٍ إسرائيلي، وقد سبق لهذا الإرهاب أن بدأ بنا في نهر البارد وانتقل الى عكار وطرابلس وعبرا وسحقه الجيش اللبناني، وعين المواطن اللبناني ممنوعة اليوم عن النوم بأمان، لأن الجيش والمقاومة على قمم الجبال في مواجهة محاولات الزحف الإرهابي بأصعب ظروف مناخية قد تواجهها جيوش.

بضعة أسابيع تمكَّن خلالها الإرهابيون من اجتياح محافظاتٍ عراقية بمساحة أضعاف مضاعفة مساحة لبنان، في الأنبار ونينوى وصلاح الدين وديالا، ولم يتوقَّف زحفهم إلَّا عندما قاربوا المصالح الأميركية في إقليم كردستان، فكيف مطلوبٌ من المقاومة في لبنان - قياساً للمساحة الصغيرة للوطن - ألَّا تقاتلهم في الجوار اللبناني لتحمي الشعب بكافة إنتماءاته من شرور أكلَة القلوب والأكباد وشياطين جهنم الذين يحرقون الناس أحياء؟!

بصرف النظر عمَّن ذهب الى سوريا أولاً، لأن اللبنانيين يذكرون لماذا ومتى تقرَّر في لبنان "النأي بالنفس"، ويذكرون الباخرة "لطف الله" على شواطىء طرابلس، ويذكرون أيضاً مَن حرَّض وموَّل وسلَّح وما زال تحريضه مستمراً، فحرامٌ حرام، استمرار مهزلة إسمها "النأي بالنفس" في زمن سقوط الحدود والأوطان، أمام تكفيريين قتلوا من المسلمين بإسم الإسلام أكثر مما قتلوا من غيرِهم، وحرامٌ أيضاً أن نَدَع شعبنا يعيش اللامبالاة، لأن لبنان لا يستطيع أن يكون جزيرة معزولة فيما مصيره يُرسَم في غُرف القرار السوداء، وسلامة شعبه وأرضه مهدَّدة كل ساعة من الزحف الشيطاني الذي أطاح بكل حدود تحت مسمَّى "دولة الخلافة".

مصيرُ لبنان لا يتقرَّر في لبنان وفق منطوق اللاعبين الدوليين والإقليميين، ومصير كل دول المنطقة مرهونٌ بما هو مرسومٌ للمنطقة من إسرائيليات مذهبية تُشرذم كيانات، وتمييز أدوات إرهابية بين "داعش" و "نصرة" شبيه بالتمييز بين فصائل الشياطين، لكن اللبنانيين يمتلكون القرار أكثر من سواهم في حماية أرضهم وشعبهم وسيادتهم، عبر تحصين الداخل بالحوار والتوافق على مواجهة المخاطر الآتية التي لا تميِّز بين شيعيٍّ وسنيٍّ ومسيحيّ، ولمن يرغب بالإستمرار في التغاضي عن الواقع، ورؤية الوطن بفنجان القهوة والتبصير على طاولات "الصفصفة" والتنظير، فليترك مسألة حماية الوطن لجيشٍ ومقاومة وشعبٍ صامد، وإذا كانت لديه مشكلة لا تُحَلُّ بالحوار فليحتكِم للشعب وليحترِم خياراته...