الدعوة الى كسر حاجز الصمت والى رفع الصوت عاليا اضحت واجبا دينيا وانسانيا يفرض على كل حر شريف اشهار موقف الانتصار للحق والحوار والحرية والعدالة .
في ظل هواجس القلق على مستقبل أجيالنا القادمة التي تفاقمت إزاء ما يرتكب بحق قيمنا الإنسانية من تدنيس وتشويه؛ ولأن شراكتنا في تعزيز مقومات الإرتقاء بالإنسان ورفاهه تستدعي تضافر العزائم والإرادات انتصارا لقيمنا المشتركة؛ وبدعوة من "ملتقى الأديان والثقافات للتنمية والحوار" تلاقت مجموعة من المؤسسات والشخصيات من المجتمع المدني لإعداد وثيقة تحت عنوان "نداء للحوار من أجل السلم الأهلي" .
لذلك فإن رجاءنا وأملنا كبيرين في أن نتشارك بتوقيع النداء المرفق بداية وفي أن يكون حضوركم الفاعل معنا التزاما حضاريا يساهم في نجاح إطلاقه في قصر الأونيسكو بتاريخ 20/2/2015 عند الساعة الرابعة عصرا، وذلك تمهيدا لاقرار آلياته التنفيذية والبرنامج السنوي المتضمن فعاليات إعلان 2015 عاما للسلم الأهلي وإعلان الثالث عشر من نيسان من كل عام يوما وطنيا للسلم الأهلي.
وهنا نص النداء:
نداء للحوار من اجل السلم الأهلي
ان المبادرين الى اطلاق هذا النداء ، وقد هالهم ما وصلت اليه الامور من فظائع وارتكابات بحق الإنسانية ومن تدنيس وتشويه للقيم السامية التي يزخر بها ارثنا الحضاري، والتي كرستها ورعتها الرسالات السماوية والشرائع السمحة التي خص الله سبحانه وتعالى مجتمعاتنا بها وجعلها لها مهبطا ومنطلقا .
واذ يرون ان الدعوة الى كسر حاجز الصمت والى رفع الصوت عاليا اضحت واجبا دينيا وانسانيا يفرض على كل حر شريف اشهار موقف الانتصار للحق والحوار والحرية والعدالة . بخلاف ما نشهده من اكراه ، ومن تعنيف، ومن ارهاب منفلت العقال، بما لا يرتضيه دين او عقل .
واذ يدركون ان ما بعثت به الديانات السماوية من دعوات الى الارتقاء بعلاقات البشر، لتكون سبيلا الى تمجيد الخالق عبر احترام المخلوق الذي هو خليفته في الارض ، يلتقي مع اتجاهات ومبادئ العهود والمواثيق الدولية في كل ما يتصل بهياكل ونظم التواصل البشري بجميع ميادين انطباقها وتفاعلها على اوسع نطاق[i] .
واذ ينظرون بعين التقدير والاحترام الى جميع البيانات والنداءات الصادرة تباعا عن اعلى المرجعيات الروحية المسيحية والاسلامية سواء بنتيجة الخلوات واللقاءات المغلقة، ام في صيغة مخرجات للقاءات حوارية بين الطوائف والمذاهب[ii] .
واذ يحرصون على التذكير بان المبادئ الإنسانية السامية المكرسة في الاتفاقات الاقليمية والدولية وفي البيانات المذكورة اعلاه ، كالمساواة وعدم التمييز والعدالة والانصاف والنزاهة وحكم القانون وغيرها، قد جرى تبنيها في الدستور اللبناني ودساتير الدول العربية وفي قوانينها الوضعية الوطنية من جهة ، وأن الاجماع العالمي ، من جهة ثانية، يميل الى توسيع نطاق اختصاص القانون الدولي ليشمل الجرائم الخطيرة والتي منها من دون ادنى شك ما يرتكب على مدار الساعة من فظائع بحق الإنسانية.
واذ يؤكد المبادرون الى اطلاق هذا النداء، بانه ، بمنطلقاته الإنسانية الملتزمة اطر ومعايير المجتمعات الديمقراطية ، انما يعبر عن صحوة ضمير لا تحيُز او تطييف لها، فانهم يؤكدون في الوقت نفسه، ان نداءهم يهدف الى تحفيز الانضمام الى حراك مجتمعي متوجب الاداء، من دون ابطاء ، في سبيل توفير شبكة امان للسلم الأهلي وقوة مناهضة للعنف، وذلك من خلال برامج وخطط واليات تنفيذية ذات اطر منهجية علمية، تستند الى مقاربات مفاهيمية واضحة وشفافة، قوامها تعزيز مفهوم الإعتدال في الأراء وفي المواقف وفي السلوكيات ، معتبرين ان في الإعتدال وحده يكمن سر تحويل عناصر الاختلاف بين مكونات المجتمع الى مصادر تنوع وغنى بدلا من ان تكون بمثابة بذور شقاق وتطرف حصادها الموت والقلق على المصير .
في ضوء كل ذلك ومساهمة في ترسيم وتسهيل اطلاق المراحل العملية لهذا النداء ضمن انشطة مختلفة ومتلاحقه ومتكاملة ، فان المبادرين الى هذا النداء يقترحون ما ياتي :
1- نحو دور ديني فاعل اخلاقيا واجتماعيا:
أ- الانطلاق من القيم المشتركة في الاديان ، والتأكيد على احترام التنوع الديني ، والدعوة الى سلام الاديان .
ب- رفض التطرف الديني والنظر الى اي اعتداء على مقدس ديني لأية ديانة ، كاعتداء على مقدسات جميع الاديان.
ت- رفض نزعة الاحتواء السياسي للمذاهب الدينية، ورفض استغلال الدين وطوائفه ومذاهبه في النزاعات السياسية، والعمل على قيام دولة المواطنة الجامعة، دولة القانون والمؤسسات الموحدة والقيم الإنسانية .
ث- الدعوة الى تعميم مساحات الحوار المجتمعي بين الاديان ، بعيدا من القطيعة والحواجز الوهمية بين الديانات المختلفة، وتشجيع الممارسات التي تساهم في تعزيز القيم الإنسانية والاخلاق المشتركة بين ابناء جميع الاديان والثقافات، خدمة لبناء السلم الأهلي والوطني والإنساني.
ج- اعتبار ان من شأن ممارسات الاساءة والكراهية، التي تفرضها السياسات الظالمة، وخصوصا الدول الكبرى تجاه الشعوب، والمتحيزة للعدو الصهيوني الغاصب لارض فلسطين وحقوق ناسها ، ان تعزز منطق التطرف الديني بما يهدد بنشر مزيد من عواقب التطرف والتطرف المضاد بين الشعوب والجماعات كما الافراد .
2- الحرص على وحدة الامة وتحصينها في مواجهة الارهاب
أ- التاكيد بان ما يحدث حاليا من صراعات مشبوهة وصدامات مفتعلة، خصوصا في العالمين العربي والاسلامي لا علاقة له البتة بالاسلام ومذاهبه، بل فيها ما يساهم في تشويه صورة الاسلام والمسلمين .
ب- ادانة ما يحصل من فوضى الفتاوى المحرضة على تأجيج فتنة بين المذاهب الاسلامية، وخصوصا بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة ، والعمل على فضح ما في هذه الفتاوى من خطر على وحدة الامة واستقرارها ، ووقف الاتهامات المتبادلة بين المسلمين على اختلاف مذاهبهم الاجتهادية والفقهية، بل تحريم هذه الاتهامات وتجريمها، مع كل ما قد ينتج منها من تكفير اقصائي متبادل.
ت- العمل على تطوير الخطاب الديني في ضوء المقاصد الاخلاقية السامية، وترتيب اولوياتها، ومنابذة اي مشروع او تحرك يقومان على استخدام الارهاب والعنف لحسم الخلافات الداخلية، او تسويغ الخلاف فيه او التحريض عليه او التسويق له .
ث- التاكيد على الفارق الجذري بين الارهاب والمقاومة، وتجريم جميع اشكال الارهاب، وادانة مصادر تمويلها وتسليحها، واعتبار كل ما يتعلق بذلك ظاهرة من ظواهر الفساد وجرائمه ، وذلك انطلاقا من كون الارهاب استخداما غير مشروع للعنف يعرض الابرياء للخطر، من اجل تحقيق مصالح تنافي حقوق الإنسان، فيما المقاومة هي استخدام مشروع للقوة المسلحة لدرء العدوان وازالة الاحتلال ، ما يتوافق مع ارادة الشعب وحفظ استقلال الوطن وحريته وهي تتوافق مع القانون الدولي والشرائع السماوية .
ج- دعوة وسائل الاعلام بمختلف انواعها الى ممارسة دور مسؤول يساهم في تعزيز مناخات الوحدة الوطنية والاسلامية واشاعة قيم الحوار والتواصل والتسامح والقبول بالاخر ، والى فتح المجال واسعا لخطاب الاعتدال والتقريب والوحدة، ونبذ حالات التطرف والتعصب والطائفية والمذهبية، واظهار مخاطرها على مصالح الوطن والامة.
3- مسؤوليات دينية وثقافية واجتماعية
أ- احترام الاديان ورموزها ومقدساتها وتحمل المسؤولية في الدفاع عن الوئام الديني، والاهتمام ببرامج التثقيف والاعلام التي تحض على بث افكار التسامح والحوار في المجتمع المدني، ومجانبة اي تحريض على الصراعات العرقية والدينية .
ب- التأكيد على مسؤولية المرجعيات الدينية كافة في تقديم الحلول الممكنة ، عبر الحوار المباشر، والمشاركة في انشطة هذا الحوار وبرامجه ومؤسساته ، للتقريب بين المختلفين دينيا ومذهبيا، ودعوة كل رجال وعلماء الدين الى تحرير الفهم الديني من الغلو والتطرف .
ت- دعوة جمعيات المجتمع المدني وهيئاته ومنظماته، ومؤسسات الحوار المسيحي الاسلامي، والاسلامي الاسلامي، الى اعداد خطة طوارئ، ذات توجهين ديني ومدني، تعمل على اطفاء الفتن الدينية والأهلية ، كما تسعى الى توحيد الموقف من ما يسمى "تحليل العنف باسم الدين" ، ومعالجة هذه الظاهرة ببرامج متخصصة، من خلال دراسة اسبابها، والاشارة الواضحة الى تداعياتها الخطيرة على كل من المجتمع والوطن والامة.
ث- االتأكيد بأن إنهاء حال الاحتقان المذهبي والطائفي في الامة هو مسؤولية جميع المواطنين من دون استثناء .
4- لبنان دولة المواطنة والحريات
أ- الالتزام بميثاق الصيغة اللبنانية في العيش الوطني الواحد، وتكريس مبدأ المواطنة، والحرص على احترام الحريات الدينية في اطار القانون والقيم الاخلاقية، وبذل جميع الجهود الهادفة الى تحقيق سلام الاديان، والسلم الاجتماعي في لبنان، كما في العالمين العربي والاسلامي .
ب- التاكيد بان الحفاظ على الخصوصيات الدينية العقائدية والشرعية بين اللبنانيين ، لا يتنافى واحترام حرية المعتقد الديني لجميع المواطنين، ولا يتعارض وحق المواطنة والمساواة بين اللبنانيين كافة .
ت- الترحيب بجميع المبادرات المتصلة بالحوار والعيش الواحد في لبنان ، ومساندة الجهود التي تبذل من قبل جميع رؤساء الطوائف اللبنانية والاحزاب والتيارات السياسية ومنظمات المجتمع المدني للحفاظ على الصيغة اللبنانية وميثاقها.
[i] - الاعلان العالمي لحقوق الانسان ، العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية ، العهد الدولي بالحقوق المدنية والسياسية والبروتوكولين الاختيارين الملحقين به ، اتفاقيات الغاء جميع اشكال التمييز العنصري ، الاتفاقيات المتعلقة بالطفولة لاسيما لجهة الاتجار ولجهة الاستغلال والاشتراك بالنزاعات المسلحة ، اتفاقية مناهضة التعذيب وغيره من ضروب المعاملة القاسية او اللاانسانية او المهينة
[ii] - على سبيل الذكر لا الحصر: الارشاد الرسولي ، وثائق الازهر...الخ