24-11-2024 10:30 AM بتوقيت القدس المحتلة

العلاقات المصرية ـ السعودية عند مفترق طرق

العلاقات المصرية ـ السعودية عند مفترق طرق

أظهرت عملية اغتيال المواطنين المصريين في سرت الليبية على يد تنظيم «داعش»، والضربات الجوية المصرية التي أعقبتها، حالة السيولة التي تمر بها المنطقة والتحالفات الإقليمية القائمة فيها

 

مصطفى اللباد

 

أظهرت عملية اغتيال المواطنين المصريين في سرت الليبية على يد تنظيم «داعش»، والضربات الجوية المصرية التي أعقبتها، حالة السيولة التي تمر بها المنطقة والتحالفات الإقليمية القائمة فيها. ولعل تصريح الأمين العام لـ»مجلس التعاون الخليجي» عبد اللطيف الزياني الداعمة لقطر في مواجهة الاتهامات المصرية بدعمها للإرهاب، يظهر بوضوح الهوة التي أصبحت تفصل مواقف الرياض والقاهرة في الملفات الإقليمية.


صحيح أن «مجلس التعاون الخليجي» سحب التصريحات الأولى من على موقعه الإلكتروني، مضيفاً تصريحات أخرى مرضية للقاهرة بعدها بساعات، إلا أن تلك السابقة أكدت صحة التقديرات الخاصة بتغير في السياسة الإقليمية السعودية، مع استلام الملك سلمان بن عبد العزيز مقاليد الحكم في الرياض (مصطفى اللباد: جوهر التغيير المحتمل في السياسة الإقليمية السعودية ــ «السفير» 2/2/2015). ظهر التغيير المشار إليه بسرعة تتناسب مع الإيقاع السريع الذي تشهده المنطقة، فبرز معه شرخ واضح في العلاقات المصرية ــ السعودية. وبالتوازي مع تصريحات الزياني – قبل نفيها ــ ظهرت مباشرة مقالات بأقلام سعودية ذات نفوذ، تنتقد ضمناً وصراحة الأداء المصري داخلياً وخارجياً، في مؤشر واضح على تباين الرؤى بين الرياض والقاهرة.


السعودية والسياق الإقليمي المتغير

تبدو خريطة التحالفات في المنطقة قيد التشكل مرة أخرى، على خلفية انهيار النظام الإقليمي رسمياً ومعه التوازن بين مكوناته في أعقاب ظهور تنظيم «داعش» في سوريا والعراق، ومن بعد انتقاله إلى ليبيا أيضاً. أفرز «الربيع العربي» على المستوى الجيو ــ سياسي انقساماً في «المعسكر السني»، اشتمل على بروز تكتل جديد قوامه تركيا وجماعة «الإخوان المسلمين» وقطر، في مقابل السعودية ومصر ودول الخليج العربية والأردن. وبالتالي عرفت المنطقة من وقتها وحتى وفاة العاهل السعودي الراحل عبد الله بن عبد العزيز وجود ثلاثة محاور متصارعة: «المعسكر الشيعي» بقيادة إيران وتحالفاتها الإقليمية في العراق وسوريا ولبنان، و»المعسكر السني التقليدي» بقيادة خليجية – مصرية، و»المعسكر السني الإخواني» بقيادة تركية – إخوانية ــ قطرية. بدت السعودية ساعتها في أسوأ أحوالها، إذ إن الهبات الشعبية العربية هددت المملكة بالتمدد إلى أراضيها، خصوصاً لتوافر الأرضية الخصبة متمثّلة في السعودية بمظالم اجتماعية وتهميش سياسي وتمييز طائفي وغياب للتوازن بين المناطق الجغرافية المختلفة في اقتسام السلطتين السياسية والاقتصادية في المركز. ومع صعود جماعة «الإخوان المسلمين» تفاقمت المخاوف أكثر، لأن هذا الصعود هدد على نحو غير مسبوق الخطاب السياسي للسعودية (مصطفى اللباد: الخطاب السعودي مع نهاية العام 2014 ــ «السفير» 22/12/2014) وبالتالي دورها في المنطقة. وترافقت تلك التهديدات مع انكشاف السعودية الكبير أمام التمدد الإيراني في المنطقة، فأصبحت الرياض أمام خطر مزدوج إيراني ــ إخواني. سارعت السعودية إلى تأييد الانتفاضة الشعبية المصرية الثانية في 30 حزيران 2013، التي أطاحت بجماعة «الإخوان المسلمين» بغرض كسر كماشة الخطر المزدوج عليها. وبدا لنحو سنة أو يزيد، أن «المعسكر السني التقليدي» قد اكتسب زخماً جديداً في مواجهة المعسكرين المقابلين بعودة مصر إلى التحالف الخليجي بالتأييد المالي والسياسي. ومع تمدد الحوثيين في اليمن – تعتبره السعودية تاريخياً فناءً خلفياً لها ــ على أنقاض التحالفات القبلية التقليدية والسلاح والمال السعوديين، فقد دقت نواقيس الخطر في الرياض، حتى صارت مسموعة في الجوارين البعيد والقريب. وجاءت وفاة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز وتهميش جناحه في الحكم من قبل أن يوارى جثمانه الثرى، لتعلن صعود رؤية سعودية جديدة مع الملك سلمان مفادها الاقتراب من «المعسكر السني الإخواني» بقيادته التركية، بغرض إسقاط نظام بشار الأسد في سوريا باعتباره امتداداً لإيران على البحر الأبيض المتوسط، وبالتالي استباق نتائج المحادثات النووية بين طهران وواشنطن بتغيير التوازنات الإقليمية على الأرض.


معضلة الحسابات السعودية

تدور حسابات السعودية على فكرة أساسية مفادها أنها تستطيع المواءمة بين توجهها التركي – القطري – «الإخواني» الجديد اللازم لمواجهة إيران من ناحية، والحفاظ على علاقاتها مع النظام المصري بفضل نفوذها المالي على القاهرة، من ناحية أخرى. وفات على الرياض أن الاقتراب من تركيا وما يتطلبه في المقابل من ضغط في اتجاه «مصالحة وطنية» في مصر ــ بعدما قضت السعودية وطرها من «الإخوان المسلمين» بإطاحتهم من السلطة قبل عام ونصف ــ أمر غير ممكن نظرياً وعملياً من منظور النظام المصري. ومع الانتقادات غير المباشرة التي توجهها أقلام سعودية نافذة للأداء العسكري المصري في ليبيا «بدافع المحبة وحتى لا تسقط مصر في فخ «داعش»، يبدو جلياً أن تلك الأقلام تحاول تهميش الوزن المصري معنوياً لمصلحة الرقم التركي. كما أغفل هؤلاء عمداً أن الجيش المصري قد اختُبر في حروب كثيرة سابقاً، خسر بعضها وانتصر في بعضها الأخر مثل حرب اليمن 1962 المتتوجة بإعلان الجمهورية، وحرب العام 1973 وحرب «تحرير الكويت 1991»، في حين لم يختبر الجيش السعودي إلا في معركته مع ميليشيا الحوثيين في «جبل دخان» – الواقع داخل الأراضي السعودية ــ العام 2009 بمسارها المعلوم. نقطة على السطر.

تريد السعودية إسناداً عسكرياً مصرياً على حدود السعودية مع العراق وحدود السعودية مع اليمن وأدواراً فيه، كما تروم إرضاء لتحالفها المستجد مع محور تركيا – قطر – «الإخوان» انتزاع تنازلات داخلية مصرية من النظام تحت لافتة «المصالحة» مع خصمها القديم وحليفها الجديد «الإخوان المسلمين»، وتنازلات خارجية بالموافقة على تلزيم الشمال السوري لتركيا ضمن خطة استباق المحادثات النووية بين إيران وأميركا. وفوق كل ذلك، تمتنع السعودية عن دعم النظام المصري في حربه ضد الإرهاب في ليبيا وفي القصاص من مجرمي «داعش»، مراعاة لأنقره والدوحة ومصالحهما في ليبيا. ولا تتفهم الرياض موقف القاهرة الميال إلى التقارب مع روسيا لموازنة إدارة أوباما وضغوطها في موضوعي ليبيا و»الإخوان»، وما يتطلبه هذا الموقف من بلورة تقاطعات مصرية ــ روسية في وجهات النظر حيال ملفات المنطقة من اليمن إلى سوريا. يضاف إلى ذلك أن القاهرة لم تنظر بعين طائفية إلى قضايا المنطقة عبر تاريخها الحديث سواء في عهد الملكية أو الجمهورية، باستثناء الفترة الأخيرة من حكم المخلوع مبارك إرضاء للسعودية، والسنة التي أمضاها الرئيس الأسبق محمد مرسي جالساً على كرسي الرئاسة المصرية إرضاء لتركيا. وفي كل الأحوال، تخسر مصر من مكانتها المعنوية عند انخراطها في الاصطفاف الطائفي الجاري في المنطقة، وهو ما يشكل عامل ضغط آخر على القاهرة.


الخلاصة

تذهب الرياض بعيداً في توقعاتها من القاهرة، بحيث يؤدي التوجه السعودي الجديد الساعي إلى الاقتراب من محور تركيا – قطر – «الإخوان» بغرض مواجهة إيران، إلى تزايد الشروخ في مبنى العلاقات المصرية ــ السعودية، بسبب ما يتطلبه هذا التوجه السعودي موضوعياً من تنازلات مصرية في الملفات المختلفة. من حق السعودية أن تغير سياساتها وفقاً لما تراه مصالحها، مثلما هو حق للقاهرة أن تفعل الشيء ذاته، فإذا استمرت الأمور سائرة على هذا النحو المتصاعد، فالأغلب أن تخرج الرياض والقاهرة خاسرتان معاً من الحراك الحالي في المنطقة. ربما يكون الدعم المالي السعودي رقماً مهماً في معادلة العلاقات المصرية ــ السعودية، لكنه من المسلمات أيضاً أن السعودية ستدفع ثمناً غالياً بالاستمرار في عدم مراعاة الاعتبارات والمصالح المصرية في المنطقة، بالتوازي مع تزايد الأخطار على السعودية من الجهات الجغرافية كافة ما عدا الغرب حيث مصر. لم يعد الموضوع، من زاوية النظر المصرية الوطنية وفي ضوء التحديات الإقليمية العارمة، متعلقاً بالنظام الحالي، إذ يكمن سر القوة التكوينية للدولة المصرية في أنها لا ترتهن في بقائها بنظام أو رئيس مهما كان اسمه أو لقبه، وبالتالي فمصالح مصر التاريخية وكيانيتها في المنطقة يتقدمان على مصلحة أي نظام ويحتمان وضع العلاقات المصرية ــ السعودية في إطارها الصحي والصحيح. على كل، يبقى الموقف مبهماً حتى إشعار آخر!

http://assafir.com/Article/18/403596

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه