وسط هذه الأجواء الإقليمية القاتمة، والمواجهات اليومية للجيش والمقاومة مع الإرهاب على أرض لبنان وعلى حدوده، غدا الوعي الشعبي اللبناني أكثر نُضجاً
أمين أبوراشد
سَبَق للرئيس الأسبق العماد إميل لحود أن نال شرف لَقَب "الرئيس المقاوم"، لأن له يعود الفضل في إعادة اللحمة الى الجيش اللبناني وإعادة تشكيل الألوية والعمل على ثقافة تُحدِّد الصديق والعدو، إضافة الى تأسيس علاقة وطنية بين الجيش والمقاومة توطَّدت في مواجهة كل عدوان وعند كل مفترق يستلزم الدفاع عن السيادة.
لكن تجربة المقاومة مع "سواه" خيَّبت الآمال، علماً بأن المقاومة لم تعُد تُطالب برئيس يحميها كما قال سماحة السيد حسن نصرالله، لأنها هي التي تحمي مع الجيش، الوطن والدولة والرئيس، لكن المقاومة تُطالب على الأقل برئيس لا يطعنها في الظهر، لأن الشعب اللبناني يُدرِك ويعيش أجواء المخاطر الإقليمية سواء كانت من الجنوب أو من الشرق، لكن ليس بمقدور الجميع أن يُدرك ما يُحاك على مدار الساعة في الغرف السوداء لصناعة القرارات القاتمة التي تتلاعب بمصير المنطقة بأسرها.
أُعِيد منذ يومين التداول، بما سَبَق وصرَّح به نائب الرئيس الأميركي جو بايدن وتراجع عنه، وباح به عبد الحليم خدام، بأن هدف الجماعات الإرهابية دخول لبنان لمحاربة حزب الله كأحد أهم الأهداف الرئيسة ولا شيء يُوحي بأن هذا الهدف قد انتفى وسط المحاولات شبه اليومية للإرهابيين بالتسلُّل عبر أكثر من موقعٍ حدودي ومواجهات المقاومة لها.
الدور الإيراني الداعم للمقاومة، كان الأساس في تغيير المسار الدموي وإيقاف الزحف في أكثر من منطقة سورية وعلى الحدود في القلمون ونواحي القنيطرة، وليس الإنتصار الإيراني في الملف النووي وإنكفاء أميركا والغرب وإسرائيل سوى مؤشر على تبدُّلٍ في موازين القوى الإقليمية، وجاء التصريح المدوِّي لممثل الإمام الخامنئي في الحرس الثوري الإيراني بأن تدمير إسرائيل يستغرق عشر دقائق رسالة واضحة للعابثين بأمن بلدان المنطقة بوجوب فرملة اللعبة على امتداد الإقليم.
ووسط إزدواجية المعايير والقرارات في المملكة السعودية، بين استضافة دول العشرين في الرياض لبحث ما آلت إليه مواجهة الإرهاب، والمؤتمر الإسلامي في مكة المكرمة الذي دعا لتشكيل منظومة إسلامية للقضاء على الإرهاب، جاء اعتراف شيخ الأزهر بأن القراءات الخاطئة لكتاب الله هي التي أنتجت الإرهاب، وكأنه أرادها رسالة لكل دولة داعمة للمدارس التكفيرية بوجوب الكفّ عن مسلسل الإنتحار في "الربيع العربي" والذي دفع المسلمون أثمانه أكثر من سواهم.
لكن المؤتمرات العربية والإسلامية اقتصرت على الخطابات وما بلغت يوماً مستوى القرارات، وما زالت المملكة السعودية "تُجاهد" لإسقاط الأسد فيما الكيان الصهيوني يسعى لحزامٍ أمني من درعا مروراً بالقنيطرة وصولاً الى السفوح اللبنانية لجبل الشيخ عبر ما تصحّ تسميته "جيش لحد السوري"، وتركيا التي تواضعت مؤخراً في أحلامها الأمبراطورية، وتسللت الى سوريا تحت جنح الظلام لتهريب رُفات سليمان شاه، ما زالت تسعى لمنطقة عازلة في الشمال السوري بالتنسيق مع قطر التي تمّ استدعاء أميرها الى أميركا للقاء أوباما لتعديل الدور القطري والمهام، مع ملاحظة بروز للدور المصري في استنهاض بقايا القومية العربية يترافق مع حملة مضادة لعلماء الأزهر في مواجهة منابر التكفير.
وسط هذه الأجواء الإقليمية القاتمة، والمواجهات اليومية للجيش والمقاومة مع الإرهاب على أرض لبنان وعلى حدوده، غدا الوعي الشعبي اللبناني أكثر نُضجاً، ومن الظلم عندما نذكر المعادلة الذهبية أن نمرَّ مرور الكرام على كلمة الشعب ضمن هذه المعادلة، لأن هذا الشعب الذي صبر وصمد في أحلك الظروف، قد لعِبَ مؤخراً الدور الأساس من خلال تعاونه مع الأجهزة المعنية في كشف الخلايا والإرشاد الى فلول الإرهابيين وباتت ثقافة المقاومة الشعبية جزءاً من الثقافة الوطنية الجامعة.
وللحوار الداخلي اللبناني أهدافه، وهو كفيلٌ بتقريب وجهات النظر في أمور ليست خلافية الى حدّ القطيعة، والشعب من حقّه الشعور بالراحة نتيجة لقاءات تخفّف من الإحتقان الآتي من ارتدادات الإقليم ولكن، طالما هذا الإقليم يعيش في مستنقع التناحر، وطالما مشاريع الإسرائيليات المذهبية قائمة والمقاومة هدفٌ لملوكٍ وأمراء هم عبيد عروشهم وأزلام للمشاريع الأميركية - الإسرائيلية، فلا رئيس لوطنٍ مقاومٍ سيِّد عزيز سوى من يستحقه الشعب اللبناني الكريم، وبمعزلٍ عن الظروف التي تُتيحُ انتخاب رئيس وبمعزلٍ عن الأسماء، لا رئيس ما لم يحمل تاريخه صفة "الرئيس المقاوم"، وللمعترضين مراجعة الشريحة المعنية برئيس مسيحي يحمل هذه المواصفات وليس رئيس "كيفما كان"، ولا بأس لو حظي الشعب اللبناني الذي سحق العنصرية الصهيونية والتكفير الشيطاني تحت نِعال مجاهديه، باستفتاءٍ متواضع يُنتخب على أساسه رئيسٌ يليق به و... رُفِعَت الجلسة.