هناك حاجة خليجية "وخاصة سعودية" وتركية وأمريكية لإبعاد التنظيم عن فكرة التوجّه إلى السعودية
طلال ياسر
أثار مشهد حرق الطيار الأردني ردود فعل متباينة حول الكيفية والتوقيت والغاية.
فقد تأكد لدى أغلب المتابعين أن تنظيم "داعش" أراد إيصال رسالة واضحة إلى ملك الأردن والسيد الأمريكي بأن وجهته الثانية هي الأردن، وأن القاعدة الشعبية التي يمتلكها كبيرة هناك وخاصة في مدينة معان الجنوبية التي هي في الأساس واحدة من مدينتين تأسّست بهما إمارة شرق الأردن (معان والسلط)، وبالتالي استشعر الملك الأردني الخطر فوضع قوّاته بحالة استنفار على الحدود مع العراق، ووجّه طيرانه مجموعة من الضربات الجوية للتنظيم في العراق وسورية للقول إنه قادر على مواجهته.
ولكن السيّد الأمريكي علم عبر استخباراته أن التنظيم ينوي فعلاً الدخول إلى معان وجعلها قاعدة خلفية له لاجتياح الحجاز وإعلان الخلافة من هناك، وخاصة بعد أن أعلن التنظيم عن تنصيب أمير له على الحجاز.
هنا كان لابدّ من إيجاد مكان آخر يشكل مغناطيساً لجذب التنظيم إليه ويحرفه عن الدخول إلى الأردن، فكان أن تعاونت CIA مع الاستخبارات التركية لإرسال مجموعات من المقاتلين الفارين من الجبهات في شمال سورية والعراق إلى تركيا، بالسفن التركية إلى الساحل الليبي بعد إغرائهم بالسيطرة على حقول النفط في ليبيا، وخاصة أن مثل هذا العمل يروق كثيراً لـ"أردوغان" الذي يريد أصلاً أن يعاقب الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي على إسقاط حكم الإخوان في مصر، وقد جاء المشهد الدموي الذي صوّرته "داعش" -أو مَن يصوّر لها هذه المشاهد- مغناطيساً لجذب أنظار أعضاء التنظيم إلى هذه الأرض الغنية بالنفط بعد أن تبيّنت صعوبة الحصول عليه في كل من سورية والعراق بوجود الجيشين القويّين، ولإرهاب سائر التنظيمات الإرهابية الموجودة في ليبيا وحثها على مبايعة التنظيم، وتم اختيار الضحايا من الأقباط لاستجداء تعاطف الإخوان في مصر الذين لا يبتعدون كثيراً في فكرهم عن فكر "القاعدة".
وحال تركيا ليس بعيداً عن إمارة قطر التي فشلت في أن تكون رأس حربة المشروع الأمريكي الصهيوني في المنطقة، ومن هنا يمكن أن نبرّر البيانين المتناقضين اللذين صدرا عن رئيس مجلس التعاون الخليجي عبد اللطيف الزياني، حيث عمد في الأول إلى الهجوم على مصر الأمر الذي وضع المجلس في خانة الحليف للمجموعات الإرهابية في ليبيا وعلى رأسها "داعش"، ثم ما لبث في الثاني بعد توجيه أمريكي أن تراجع عن الهجوم معلناً تفهّمه لما قام به الرئيس المصري من قصف لمواقع "داعش" في شرق ليبيا، وخاصة بعد أن خرج شريط مصوّر يظهر طائرات "على الأغلب أمريكية" تقوم بإسقاط مساعدات عسكرية لـ"داعش" شرق ليبيا بالقرب من الحدود المصرية.
إذن هناك حاجة خليجية "وخاصة سعودية" وتركية وأمريكية لإبعاد التنظيم عن فكرة التوجّه إلى السعودية وبالتالي إلى الخليج، وحرفه باتجاه آخر بعيد عن هذه المنطقة نسبياً وهو ليبيا، وهذا الأمر طبعاً يتناسب مع الطموح "الإسرائيلي" في إنهاك جيوش الطوق، حيث يبدو إلى الآن أن الجيش المصري قادر على السيطرة على المجموعات الإرهابية التي زُرعت في سيناء، ولذلك لابد من فتح جبهة أخرى على الجيش المصري لإلهائه وإنهاكه، وهنا لابد من الانتباه إلى دور خطير يمكن أن يؤدّيه الإعلام وخاصة الخليجي في محاولة شرذمة الجيش المصري وإحداث انشقاقات في صفوفه.
وفي المحصلة هناك اتفاق أمريكي - تركي على نقل أكبر عدد من "الدواعش" بالسفن التركية إلى السواحل الليبية، وهو التوجّه المعاكس لما قامت به السفن التركية سابقاً، ليس لإقفال جبهة العراق وسورية وإنما لمنع "داعش" من التمدّد باتجاه المصالح الأمريكية في المنطقة بعد تشتيتها على أكثر من جبهة، وما الدعاية الأخيرة التي أطلقت في الإعلام حول رغبة التنظيم بمهاجمة بلغاريا إلا للتغطية على انتقال هؤلاء الإرهابيين باتجاه الغرب التركي تمهيداً لإرسالهم إلى ليبيا، وكذلك يمكن أن يُفهم الاتفاق التركي الأمريكي الأخير حول تدريب معارضين "معتدلين" سوريين على الأراضي التركية في سياق التغطية على الاتفاق الأساسي الرامي إلى نقل جزء من "داعش" إلى ليبيا.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه