غنية هي «عملية شاه فرات»، الاسم الذي أطلق على عملية إخلاء ضريح سليمان شاه، جد عثمان مؤسس الدولة العثمانية، والواقع على بعد 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية
محمد نور الدين
غنية هي «عملية شاه فرات»، الاسم الذي أطلق على عملية إخلاء ضريح سليمان شاه، جد عثمان مؤسس الدولة العثمانية، والواقع على بعد 30 كيلومتراً داخل الأراضي السورية، من جنوده العشرين وموظفيه وخدمه العشرين، ومن رفات سليمان نفسه، ومن ثم تفجير الضريح وتسويته بالأرض.
غنية عملية شاه سليمان، ليس بالعنوان الأساسي الذي نفّذت لأجل تحقيقه، بل بالجزئيات التي حفلت بها، وبالدلالات الكثيرة التي حملتها، والتفسيرات والتكهنات التي نظر إليها، وبالتعليقات والتهكمات التي واكبتها، ولا تزال، في الإعلام التركي.
أولاً: في الأهداف
مما تجمّع من معطيات وتقارير، فإن التقارير المشفرة التي وردت من حرس الضريح أن احتمالات امتداد الصدام المسلح بين تنظيم «الدولة الإسلامية في العراق والشام» ـ «داعش» و «قوات حماية الشعب» الكردية إلى منطقة الضريح، سيجعل الجنود المولجين حمايته عرضة للأذى.
وبما أن البلاد ذاهبة إلى انتخابات نيابية بعد ثلاثة أشهر فقط، فإن رئيس الحكومة احمد داود اوغلو لا يريد أن يتحمّل مسؤولية أي نقطة دم تركية تراق هناك، تؤثر على مزاج الناخب التركي، فآثر أن يُخلي الضريح من حراسه، ومن رفات سليمان شاه.
الهدف الثاني، انه في حال حصل صدام بين «داعش» و «قوات حماية الشعب»، وتمكّن الأكراد من السيطرة على المنطقة، فسيصبح الضريح تحت سيطرة مسلحين أكراد تعاديهم تركيا، وتعتبرهم إرهابيين، وهو ما لا يمكن أن يتحمله «حزب العدالة والتنمية»، الذي تعتريه فوبيا من كل ما هو كردي، فكيف أن يكون الضريح تحت سيطرة الأكراد. وهو ما دفع إلى الابتعاد عن الشر والغناء له، بل يفسر أيضاً نقل الرفات وتدمير الضريح بالكامل.
الهدف الثالث، هو التخوّف من تقارير وردت حول قرب معركة الموصل، وما يمكن أن يحدث من ردات فعل من بعض مجموعات «داعش» خارج سيطرة تحالف أبو بكر البغدادي ـ الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، تدفعهم إلى الانتقام من تركيا بتدمير الضريح وقتل حراسه، فكان الخيار بعملية سليمان شاه.
ثانياً: في سقوط طروحات اردوغان وداود اوغلو
حفلت النظرة التركية إلى سوريا تحديداً بالكثير من المواقف والثوابت، التي ثابر «حزب العدالة والتنمية» على أن يحافظ عليها.
لكن أول ما يمكن أن يكون قد تصدّع، وبضربة قاضية، هو هيبة الدولة التركية.
في مثل هذه الأيام من العام الماضي هدّد «داعش» بأنه سيفجر الضريح، إذا لم تسحب تركيا جنودها من هناك، وأعطاها مهلة أسبوع. لكن الأسبوع مر من دون أن يحدث ذلك. وفي تلك الأثناء تحدت أنقرة، أولا عبر اردوغان الذي قال في 26 آذار العام 2014 بأن أي اعتداء من أي كان على الضريح سيعتبر اعتداء على تركيا وسيواجه بالرد المناسب، ثم عبر رئيس الأركان نجدت أوزيل الذي وجّه رسالة إلى الجنود المولجين بحماية الضريح، جاء فيها حرفياً: «لا تنسوا أنكم لستم وحدكم هناك. ولا تنسوا أن خلفكم الأمة التركية العظيمة، ومواطنيها الـ 76 مليوناً.عيوننا وآذاننا وقلوبنا كلها معكم. وأي خبر يأتي من عندكم ستجدون قواتنا المسلحة فوراً إلى جانبكم، وثقوا أنها ستحميكم بشرف وفخر». وغالباً ما كان يحذر اردوغان وداود اوغلو الآخرين من اختبار قدرة تركيا.
وفي الوقت ذاته، نشرت الصحف التركية ما وصفته بخطة حماية الضريح لدى أي طارئ، وكيف أن القوات التركية ستصل خلال ربع ساعة، والدبابات خلال نصف ساعة، أما الطائرات فستصل خلال أقل من خمس دقائق، وما إلى ذلك من تفاصيل، تعكس صورة «الجيش السوبرمان» الذي لا يقهر.
كلام رئيس الأركان، كما الخطط التي نشرت، كان واضحاً بأنها تعني النجدة الفورية لحماية الضريح وجنوده من أي أذى يمكن أن يلحق بهم، من جراء تعرضهم لأي اعتداء من أي طرف.
ولم يكن يخطر على بال أحد أن تكون الترجمة العملية لهذه «العنتريات» هي المجيء، ليلة السبت ـ الأحد 21 ـ 22 شباط الحالي، إلى الضريح تحت جنح الظلام، وحمل الجنود ومعهم صندوقة رفات سليمان شاه، والعودة بهم خلال ساعات إلى تركيا، في أكبر عملية فرار لم تشهد تركيا ولا جيشها لها مثيلاً، حتى في ذروة ضعفها بعد انهيار الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
وما يضاعف من عمق انكسار هذه الهيبة، أنها تأتي في ذروة ادعاء تركيا القيام بأدوار إقليمية ودولية. فإذ بها تتخلى عن تهديداتها وتحذيراتها، وتخطف سليمانها وجنودها تحت جنح الظلام، وهو ما يعني أن قادتها كانوا يكذبون على شعبهم، ويضعونهم في دائرة من الأوهام والعنتريات التي بان مرجُها بعدما ذاب ثلجُها عند أول اختبار.
والعنوان الثاني الذي سقط بالضربة القاضية هو فكرة إقامة منطقة عازلة، ومنطقة حظر جوي، داخل سوريا. إذ منذ اندلاع الحرب في سوريا وضع أردوغان وحزبه نصب أعينهم إسقاط النظام في سوريا هدفاً أساسياً لهم. ولم يغيّروا من هذه النظرة. ومن أساليب العمل للوصول إلى هذا الهدف هو إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا، ومن فوقها منطقة حظر جوي تكون مقراً للجماعات المسلحة المعارضة للانطلاق لمحاربة النظام. وكانت فكرة المنطقة العازلة تختفي ومن ثم تعود لتبعث من جانب أنقرة. ولكن هذه المنطقة لم تبصر النور، لأن دونها معارضات إقليمية ودولية. ولم تكن أنقرة تركيا تجرؤ على إقامة هذه المنطقة وحدها، وإن كانت تهدّد بها أحياناً، ولو بمفردها، أو تعمل على تغيير قواعد الاشتباك من جانب واحد وتحاول تطبيقها داخل الأراضي السورية.
عملية سليمان شاه أظهرت أنه إذا كانت تركيا عاجزة عن حماية مجرد ضريح، مساحته لا تتعدى العشرة كيلومترات مربعة ويقع على بعد 30 كيلومتراً فقط من الحدود التركية، ولا توجد حوله قوات نظامية مدرعة ولا طائرات تابعة للنظام في سوريا، بل مجرد مسلحين تابعين إلى «داعش»، فكيف لمثل هذه لتركيا العاجزة هذه أن تقيم منطقة عازلة على امتداد الحدود مع سوريا وبعمق من 30 إلى 50 كيلومتراً؟ إن عملية «الفرار الكبير»، التي نفذتها وحدة من الجيش التركي، لم تحمل معها فقط رفات سليمان شاه بل أيضاً رفات فكرة المنطقة العازلة والحظر الجوي.
وثالث العناوين التي سقطت، هي مقولة عدم شرعية النظام السوري ورئيسه بشار الأسد. لقد قال رئيس الحكومة احمد داود اوغلو، ومن بعده المتحدث باسم الرئاسة إبراهيم قالين، إن أنقرة أبلغت حلفاءها بالعملية قبل وقوعها، مثل الولايات المتحدة وأوروبا، كما أنها تركت إخباراً بالعملية لدى القنصلية السورية في اسطنبول. ودائماً ما كان اردوغان وداود اوغلو يردّدان أن النظام السوري، كما الأسد، قد فقد شرعيته ولم يعد مخاطَباً. بل إن الاقتراح التركي لدى حلفائه (السابقين) في الجامعة العربية هو الذي كان وراء استبعاد تركيا من الجامعة، وتنصيب بعض ممثلي معارضة بدلاً منهم. وحتى ما بعد إتمام عملية سليمان شاه كرر اردوغان على لسان قالين إن النظام السوري فاقد للشرعية.
ونتساءل أنه إذا كان النظام السوري فاقداً هذه الشرعية فلماذا الاتصال بالقنصلية السورية في اسطنبول، وإخبارها، ولو مجرد إخبار بالعملية قبل وقوعها؟ ألم تكن تركيا قادرة على القيام بالعملية من دون إبلاغ القنصلية السورية بذلك؟
إن أنقرة تدرك تماماً أن مقولاتها وطروحاتها بعدم شرعية النظام السوري والأسد هي مجرد ترهات للاستهلاك والكذب على الشعب التركي، ولا تستقيم مع الواقع القانوني لوضع النظام والأسد على الصعيد الدولي. وما يؤكد ذلك أن الأمم المتحدة ومجلس الأمن لا يزالان يتعاطيان مع «نظام الأسد» على أنه هو الممثل الشرعي لسوريا (أرضاً وشعباً ودولة)، ومَن على منبرها يلقي وزير خارجية سوريا وليد المعلم كلمة بلاده ويقود بشار الجعفري من على مقعد سوريا في مجلس الأمن النقاشات المتعلقة بسوريا والمنطقة. كذلك الأمر في المنظمات والمؤسسات الدولية الأخرى. أما ما فعلته الجامعة العربية فلم يكن يساوي الحبر الصحراوي الذي كتب به.
إن مجرد الاتصال بالقنصلية السورية في اسطنبول، وكان لتركيا ألا تفعل ذلك، يسقط مقولة عدم شرعية النظام في سوريا. إذ عندما تحين لحظة الحقيقة تدرك تركيا تماماً أن دخول قواتها إلى الأراضي السورية أمر يتعلق باتفاقية وقعت مع الانتداب الفرنسي وبقيت سارية مع حكومات ما بعد الاستقلال السوري، له أبعاد وتداعيات قانونية. وسوف تخرج تركيا وتقول غداً إنها لم تنتهك اتفاقية الضريح، بل هي أبلغت سوريا بذلك. وهي بهذا الإبلاغ مثل المجرم الذي يقع ضحية مكائده وشرّه. فسقطت تركيا في عمى تخبطها مسقطة من حيث لم تحتسب مقولة عدم شرعية النظام ورئيسه. وبات تكرار اردوغان، عبر إبراهيم قالين أو غيره، لهذه المقولة، سلعة فاسدة انتهت صلاحيتها منذ وقت طويل. لكن عملية سليمان شاه كانت بمثابة تسطير ضبط بحقها من قبل عناصر دائرة حماية المستهلك من المواد الفاسدة والمغشوشة. بعد أربع سنوات من الدعوات التركية لرحيل الأسد كانت النتيجة أن الذي رحل من سوريا ليس الأسد بل سليمان شاه!
ثالثاً: في نقل الرفات وإعادة دفنها في منطقة سورية جديدة
أعلن الأتراك أنهم سيدفنون رفات سليمان شاه في أرض سورية على الحدود، وتحت سيطرة القوات التركية، إلى أن يعودوا لدفنها في مكانها الأصلي قرب قلعة جعبر.
يطرح هذا السلوك مسألة قانونية بامتياز يمكن لسوريا أن تستفيد منها مدخلاً لإعادة النظر بكل الاتفاقية.
فالاتفاقية في الأساس مشكوك في شرعيتها، لأنها وقعت في العام 1921 بين دولة محتلة، هي فرنسا، وفلول الدولة العثمانية المهزومة في الحرب العالمية الأولى. وفرنسا لم يكن لها الحق في تقرير أمر يتعلق بالأرض السورية من دون موافقة أهلها بعد أن ينالوا استقلالهم. وهو ما ينطبق أيضاً على اتفاقية إعطاء الاسكندرون إلى تركيا في العام 1938، والتي تعتبر غير شرعية أيضاً حيث كانت سوريا لا تزال تحت الاحتلال الفرنسي.
وإذا كانت الحكومات السورية بعد الاستقلال، في العام 1943، لم تغيّر من واقع اتفاقية الانتداب بشأن ضريح سليمان شاه، ومن ثم التعامل مع الاتفاقية على أنها واقع قانوني، غير أن ما بادرت إليه أنقرة الآن من دفن رفات سليمان شاه في منطقة سورية أخرى على الحدود مع تركيا هو أمر غير قانوني البتة. فالاتفاقية كانت تنص على إبقاء السيادة التركية على منطقة الضريح عندما كان في قلعة جعبر قبل إقامة سد الفرات. وعندما نقل الضريح في العام 1973 إلى المنطقة الحالية في قرية قره قوزاق على ضفة الفرات إنما كان باتفاق مع الحكومة السورية. واليوم إذا كان لا بد من بقاء الضريح داخل سوريا فهذا يكون بالاتفاق مع الحكومة السورية. إذ أن التراب السوري ليس مشاعاً وسائباً لتستبيحه تركيا كما تشاء، ولتقتطع منه ما تشاء وأينما تشاء.
وإذا كانت هناك ظروف استثنائية تمر بها سوريا فهذا يوجب أن تدفن أنقرة الرفات داخل تركيا، إلى أن تمر الأزمة ويتم البحث من جديد عن أرض أخرى، وربما يُعاد إلى المكان نفسه الذي كان فيه في قره قوزاق، وربما في مكان آخر، ولكن في جميع الأحوال هذا يتم بالاتفاق مع الدولة السورية الشرعية حصراً وليس بالمزاجية الكيدية التي تتعامل بها أنقرة الآن مع سوريا.
ومن هذه الزاوية فإن المنطقة التي دفن فيها سليمان شاه في قرية اشمة تعتبر أرضاً محتلة بصورة رسمية، ومغتصبة من جانب تركيا، وهذا لا يجيز حتى الدفن فيها شرعاً. ومن مظاهر النفاق والمتاجرة بالدين في موضوع الدفن أن الوحدة العسكرية التركية التي نفّذت عملية سليمان شاه اصطحبت معها رجل دين كي يتم نقل الرفات وفقاً للموجبات الدينية الإسلامية، فيما دفن الرفات لاحقاً في أرض جديدة داخل سوريا لم تؤخذ موافقة مالكها الشخصي، فضلاً عن الدولة السورية. فكيف تحترم الأصول الدينية في حالة ولا تحترم في حالة أخرى؟
إن عملية «شاه فرات»، التي هي انتهاك واضح وصريح للسيادة السورية، وبالمعنى القانوني عدوان سافر لا يحتمل التأويل، تفتح أيضاً على مسألة أخلاقية. لقد ورثت الحكومات السورية اتفاقية غير شرعية بشأن الضريح، ومع ذلك قبلت باستمرارها احتراماً لحرمة الأموات، فيما نجد تركيا اليوم تطوف برفات سليمان شاه من مكان إلى آخر كما لو أنها تنظم له جولة سياحية في توظيف رخيص جداً لحرمة الموت والأموات.
وفي هذا تلتقي تركيا مع «داعش» التي تمعن إساءة في النفس الإنسانية حرقاً ونحراً وتقطيعاً، والقواسم المشتركة بين تركيا و «الدولة الإسلامية» أكثر من أن تحصى، وليس نسف ضريح سليمان شاه كما يفعل «داعش» في تفجير العشرات من الجوامع والكنائس والمزارات والمقامات، سوى أحد مظاهرها.
علماً أن الدول التي تحترم كبارها (وسليمان شاه ليس كبيراً في هذا المجال، بل هو مجرد جد مؤسس الدولة العثمانية)، ورموزها تعمل على إعادة رفات من ماتوا في الخارج إلى أرض الوطن ليدفنوا فيه بين أهله ومحبيه وفي ترابه متنفساً هواءه. لكن تركيا لم تفعل ذلك وحتى لا تريد ذلك. لسبب بسيط للغاية، وهو أنها في ذروة انهيار مشروعها لم تجد سوى عظام رميم تحتفظ بها بعدما لم يبق من هذا المشروع حتى العظام الرميم، وفي محاولة لتعويض الهزيمة في نقل الضريح ولاحتواء الانتقادات الداخلية بهذا الصدد، والتي اعتبرت أن تركيا تخلت عن أرض تابعة لها من دون حرب وهو ما يرتفع إلى رتبة الخيانة.
وإذا كان من نصيحة شخصية وصادقة وإنسانية، وحتى إيمانية وإسلامية، لتركيا فهي أن تظهر الحد الأدنى من الاحترام للأموات، وتُنهي تجوالها الصبياني برفات سليمان شاه بأن تدفنه إلى جانب حفيده عثمان في مدينة بورصة. وحده هذا يجلب له الطمأنينة.
أما اتفاقية العام 1921، فقد حان الوقت برأينا لطيّها، وما تفجير الأتراك بأنفسهم لضريح سليمان شاه من بعد مغادرة المكان سوى عنوان بأنهم لا يريدون العودة إلى هناك. والفرصة مناسبة، وتنسجم مع الشرعية الدولية في إلغاء هذه الاتفاقية واعتبارها غير شرعية، ولو لم توافق تركيا على ذلك.
لم يكتف «حزب العدالة والتنمية» بكل رموزه بالتلاعب بمصائر الدول والكيانات تفكيكاً وتحريضاً وتدميراً من أجل مشروع انتهى، منذ أن انقلب على أخلاقيات العلاقات مع دول الجوار ومكونات المنطقة التي كانت فتحت له سابقاً القلوب قبل الأرض والبيوت.
لقد فات الأوان حتى على محاولات إعادة تجديد العلاقة مع سلطة «العدالة والتنمية»، والتي تتوهّم بعض الدول والقوى العربية والإقليمية بإمكانية نجاحها، وبات أكثر من واجب تضافر كل الجهود لوضع حد للسلاطين الجدد، الذين لم يحترموا حتى أجدادهم، فكيف لهم أن يحترموا جيرانهم؟ لقد أماتوا سليمان شاه بنقل عظامه أكثر من مرة. لكن المشروع التركي للهيمنة مات مرة واحدة، ولن ينجح رعاته في بعثه من جديد، لأنهم ببساطة لن يعثروا حتى على عظامه.
من الصحافة التركية
عمق إستراتيجي بـ 180 مترا!
مهما قيل، ومهما استخدم من تقنيات الدعاية، فإن هذا لن يغير من الحقيقة، وهو أن تركيا لم تستطع أن تحمي القطعة الوحيدة من الأرض الأم التي تقع خارج حدودها وتخلّت عنها.
كانت تركيا تهدد بألا يختبر احد قوتها وردة فعلها، لكن "داعش" اختبرها في عجزها عن حماية 8797 متراً مربعاً، بعمق 35 كيلومتراً عن الحدود.
ليست عملية "شاه فرات" سوى وثيقة إفلاس السياسة الخارجية التركية في الشرق الأوسط، و "العمق الإستراتيجي" لأحمد داود اوغلو لم يتعد عمقه الـ 180 متراً عن الحدود، حيث سيدفن من جديد سليمان شاه.
جنكيز تشاندار-"راديكال"
عملية سليمان شاه ربما تغيّر أشياء كثيرة
يمكن أن تكون عملية سليمان شاه نقطة تحول في سياسة تركيا الإقليمية في ثلاثة مجالات:
1 - هل ستبلور تركيا بعد الآن موقفاً واضحاً، وتشدد موقفها من "داعش"؟
2 - هل ستدخل تركيا في علاقات تقارب مع "حزب الاتحاد الديموقراطي" الكردي السوري الذي يعزز حضوره في شمال سوريا؟
3 - هل ستعيد الديبلوماسية التركية النظر في سياستها المعادية لنظام الأسد؟
في الموضوع الأول لا يُنتظر تغيير جذري. في الثاني تركيا ستقوم بالأخذ بالاعتبار تصاعد نفوذ أكراد سوريا. أما في الموضوع الثالث فإنه الوقت لتغيير الموقف من سوريا، رغم أن اردوغان وداود اوغلو لا يظهران أي إشارة تغيير بهذا الصدد.
سامي كوهين – "ميللييت"
ظفر القائد الأعلى!
بسبب الفوضى في سوريا وبربرية "داعش" لم تستطع تركيا أن تحمي المكان الذي يوجد فيه ضريح سليمان شاه، الذي هو أرض تركية منذ عصور.
دمّرت تركيا الضريح من أجل ألا يدمّره "داعش". والرفات نقلت إلى ارض يسيطر عليها "حزب العمال الكردستاني". من يتبع صحافة السلطة التركية يظن أن العملية استكمال لانتصارات السلطان سليم والسلطان سليمان، وكما لو أن تركيا أطاحت النظام السوري. في الحقيقة ليست نصراً، بل كلام فارغ، وهو تأكيد آخر على إفلاس السياسة التركية في سوريا.
عبد الحميد بيليجي - "زمان"
تدمير الضريح
سعت الحكومة التركية إلى إظهار عملية سليمان شاه على أنها انتصار، بنشر صورة لرئيسي الحكومة والأركان أمام خرائط عسكرية. لكن ما جرى لم يكن سوى الاصطدام بالجدار الأخير.
لقد نصّبتم أنفسكم الأخ الأكبر للمنطقة، وظننتم أنفسكم قوة إقليمية، وسكنتم في قصر من ألف غرفة وأكثر، وغضضتم النظر عن التنظيمات الإرهابية، وبعد كل هذا تركتم أرضاً يرفرف فوقها العلم التركي. ولو كانت تركيا ترى فعلاً في "داعش" تنظيماً إرهابياً، فكيف كان لها أن تحمي الضريح لو ان "داعش" استولى على كوباني (عين العرب)؟.
http://assafir.com/Article/1/404830
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه