عندما أعلنَ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير في «يوم الشهيد» عن مخاطر أمنيّة تتهدّد الحدود عند ذوبان الثلوج، سارَع البعض كالعادة إلى تهميش هذا الكلام
غسان جواد
عندما أعلنَ الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير في «يوم الشهيد» عن مخاطر أمنيّة تتهدّد الحدود عند ذوبان الثلوج، سارَع البعض كالعادة إلى تهميش هذا الكلام في محاولةٍ لنفيِه وجعلِه كلاماً للاستهلاك السياسي.
كان السيّد نصرالله في خطابه يَعرف ما يقول، وها هي الجماعات المسلّحة تشنّ منذ أيام هجمات على الجيش اللبناني، أمّا الخطوة الاستباقية التي خطاها الجيش أمس الأوّل، فقد جاءَت تعزيزاً لمواقعه في تلك المنطقة، وتحَسُّباً عسكرياً لمرحلة مقبِلة سيكون لبنان مستهدَفاً فيها على أيدي إرهابيّي «جبهة النصرة» («القاعدة») و»داعش» (تنظيم الدولة).
كلام السيّد لم يأتِ من فراغ. رَجلٌ بحجمه وبالأدوار التي يقوم بها، لا يرمي كلاماً داخليّاً للمناورة. «حزب الله» يملك معلومات أمنية استخباراتية من خلال تمَكّنِه من اختراق الموجات التي يتواصل عبرَها الإرهابيون مع مشَغّليهم الخارجيّين.
وهذا ليس كلّ شيء، فالمعلومات نفسُها موجودة عند غالبية الأجهزة الأمنية، وتحديداً الأمن العام واستخبارات الجيش اللبناني، وهي معلومات تفيد عن نيّة المسلحين شنّ هجمات ابتداءً من منتصف آذار المقبل على القرى الحدودية اللبنانية وعلى مواقع الجيش ومراكز «حزب الله» وعناصره المنتشرين في تلك المنطقة.
هدفُ هذه الهجمات، بحسَب المعلومات، السيطرة على قرى حدودية لبنانية وتهجير أهلِها وخَلق مشهد لبناني شبيه بالمشهدين السوري والعراقي من حيث استباحة القرى وتهجير أهلِها وتدنيس مقدّساتها وقتلِ مَن يمكن قتله أو أسرُه، والأهمّ أنّ «داعش» قد عيّنت أميراً «لبنانياً» لولاية لبنان ووضعَت البلد هدفاً مقبِلاً لهجماتها التي لن تقتصرَ على الحدود، بل في الداخل أيضاً.
هذه المعطيات لا تبتعد كثيراً عمّا أعلنَه وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ سنة 2015 ستكون «قاسية» على المستوى الأمني. وربّما تكون التسريبات المتعدّدةُ المصادر عن «لوائح اغتيال» جديدة، مقدّمة لأعمال إرهابية تُطاوِل شخصيات عامّة من شأن التخَلّص منها خلقُ حالة من التحَفّز والانقسام، وبالتالي الاندفاع نحو الصِدام والفتنة.
والحال هذه، لبنان ليس هدفاً سهلاً للإرهابيين بوجود الجيش اللبناني والمقاومة. لا شكّ في أنّ الجيش يحتاج إلى عتاد عسكري يجعله قادراً على خوض معارك جدّية مع المسلحين، لكنّ ما لديه الآن وما وصله من أسلحة وأعتدة كافٍ لخَوض هذه المواجهة. في حين أنّ المقاومة أعطت التعليمات لعناصرها بالتصدّي لأيّ هجوم إرهابي على الحدود، والوقوف خلفَ الجيش في أيّ معركة تفرَض على لبنان عند حدوده الشرقية.
مناخ الحوار بين «حزب الله» وتيار «المستقبل» ووجود بَند «مكافحة الإرهاب» على جدول أعمال هذا الحوار، يجعل مهمّة الجيش في التصَدّي للإرهاب سهلةً بلا تعقيدات داخلية. والقرار السياسي الذي يُغطّي الجيش ليدافع عن نفسِه في حال تعرّضِه لهجوم، ينبغي أن يتطوّر ليصبحَ ضوءاً أخضر للهجوم ومنعِ المسلحين من التحضير لهجَمات ضدّ لبنان.
في هذا السياق يصحّ التذكير بما أعلنَه السيّد نصرالله عن ضرورة التنسيق مع الجيش السوري حتى يتمّ الإطباق على المسلحين الإرهابيين من جانبَي الحدود ومنعُهم من استنزاف المؤسسة العسكرية وإدخالها في معارك طويلة لا أفقَ واضحاً لها.
في مرحلة تتحالف فيها الدوَل البعيدة والقريبة وتلك التي خلفَ البحار لمواجهة الإرهاب، يصبح بديهياً أن ينسّق الجيشان اللبناني والسوري في معركةٍ على حدود مشتركة ضدّ عدوّ يستهدف الدولتين.
لا بدّ من تطوير القرار السياسي وتوسيع الصلاحيات المعطاة للجيش لتتضمّن التنسيقَ مع الجيش العربي السوري، وإلّا فسوف نكون أمام معارك استنزاف طويلة وخطوط تماس حدودية طالما إنّ الارهابيّين لا زالوا قادرين على التحَرّك في الجرود وتصل إليهم الإمدادات من كلّ اتّجاه.
http://www.aljoumhouria.com/news/index/215914
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه