سورية ستكون من ضمن الدول القليلة التي ستنصب على أراضيها "منظومة اسكندر" الصاروخية..لا تستطيع روسياإلا أن ترد، وإلا ستمنى بخسارة سياسية واقتصادية، وهذا لن يكون بوارد صاحب القبضة الحديدية القادم إلى ا
نادر عزالدين
لم يكن مستبعداً أن ينتج عن مؤتمر الحزب الحاكم في روسيا تفويضاً لرئيس الجمهورية السابق ورئيس الوزراء الحالي فلاديمير بوتين لحكم البلاد مجدداً، ففي ظل الضغوط الدولية وبعض العراقيل الداخلية كان لا بد أن يرشّح "مؤتمر روسيا الموحدة" بوتين المعروف باعتماده سياسة "القبضة الحديدية" لتولي سدة الرئاسة في الأعوام الستة المقبلة على أقل تقدير. كما كان من المتوقع أيضاً أن يرشح المؤتمر الرئيس الروسي الحالي دميتري ميدفيدف لرئاسة اللائحة الحزبية في الإنتخابات النيابية القادمة وبالتالي عودته إلى رئاسة الحكومة. إنما التطوّر الذي كان ملحوظاً منذ فترة، إنشاء بوتين جبهة إلى جانب "حزب روسيا الموحدة" أسماها "الجبهة الشعبية"، وهي تضم قوى أخرى غير منتسبة لأحزاب ولدى بعضها مواقف سياسية مختلفة، والهدف الأساسي من ذلك كان توسيع الحلقة التي يمثلها بوتين من الشعب الروسي، وبالتالي حصول "روسيا الموحدة" حكماً على أكثر من 40% من المواقع النيابية في "مجلس الدوما" في البرلمان المقبل، خاصة وأن رئاسة ميدفيديف للائحة الحزب الانتخابية ليست كرئاسة بوتين لها الأمر الذي ممكن أن ينعكس على نسبة التصويت.
أحد رموز القوّة في روسيا إلى الواجهة مجدداً
وفي هذا الإطار يشير مسؤول العلاقات الخارجية في "مركز فينيقيا" المتخصص بشؤون الإتحاد السوفييتي السابق د. مسلم شعيتو، إلى وجود تمنيات لدى الغرب ألا يترشح بوتين وأن تبقى الأمور كما هي عليه اليوم مع ميدفيديف، فبالرغم من أن الأخير لا يتصرف عكس قناعة بوتين إنما أسلوبه يتسم بالليونة في التعامل مع الغرب لأنه حمل شعار "دولة القانون والمؤسسات"، لكن روسيا بحسب شعيتو "دولة شرقية عكس ما يتصور البعض ولا تكفيها فقط هذه الشعارات، بل يجب أن تكون قويّة لتبقى موحدة، وأن تكون صلبة وحادة في بعض المواقف وإلا ستتعرض لما يتعرض له كل العالم من ثورات ملونة، وما زال بوتين يمثّل رمزاً لقوة روسيا وللمواقف الحاسمة فيها وهذا ما هو بحاجة إليه الشعب الروسي خاصة ما بعد سياسة بوريس يلتسين التي استمرت لـ 10 سنوات من التراخي وعدم الوضوح في الموقف بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، فروسيا التي يعتمد اقتصادها بشكل كبير على بيع المواد الأولية، يحتاج شعبها لأن يشعر بأنه في دولة قويّة بقيادة قائد صلب بمواقفه ليخرج البلد من هذه الأزمة الإقتصادية التي يعاني منها العالم".
أما بالنسبة لموقف المعارضة الروسية المتمثلة بالحزب الشيوعي والقومي وغيرهم من الأحزاب، فستتجه على ما يبدو نحو مقاطعة الانتخابات أو التحالف فيما بينها، إلا أنها لن تستطيع التأثير على نتائج الانتخابات، وفي أحسن الأحوال يمكنها أن تعرقل وصول بوتين إلى سدة الرئاسة من الدورة الأولى التي يحتاج فيها إلى النصف زائد واحد لينجح، لكنه سيفوز حكماً في الدورة الثانية التي لا يحتاج فيها سوى غالبية الأصوات.
عرقلة غربية وضغوط على موسكو
وحول ردة فعل الغرب وعلى رأسه الولايات المتحدة الأميركية على إعادة انتخاب فلاديمير بوتين رئيساً لروسيا، فيرى د. شعيتو أنه "حكماً سيكون هناك توجه غربي لعرقلة سياسة بوتين في الفترة الأولى، فالغرب الذي يعد روسيا بإدخالها منظمة التجارة الدولية، سيضغط عليها بعد انتخاب بوتين ويعرقل انضمامها للمنظمة، كم أن أسعار النفط ستصبح مرتبطة باللعبة السياسية الدولية، والدليل أننا بدأنا نلاحظ انخفاضاً في سعر النفط وبالتالي ستتأثر العملة الوطنية الروسية – الروبل – سلباً، على الرغم من أن سعر النفط يرتفع في بداية الشتاء ولا ينخفض، هذا بالإضافة إلى تخفيض سعر الذهب بسبب امتلاك روسيا لاحتياط جيد من الذهب العالمي. وانخفاض سعر النفط أو الذهب المرتبط بهما الإقتصاد الروسي أو بالأحرى "الروبل" الروسي، ينعكس سلباً على القدرة الشرائية للروبل ويؤثر بالتالي على حياة المواطنين".
ويتابع د. شعيتو "الغرب يخاف من عودة بوتين ليكون القبضة الحديدية في وجههم، وهذه رسائل للشعب الروسي ولكنها لن تؤثر على السياسية الداخلية الروسية، نظراً لتمتع الروس بحس وطني أظن أننا فقدناه منذ وقت طويل، فحتى لو كانوا ضد النظام، عندما يشعرون بأي محاولات غربية لإقناعهم بالانقلاب عليه يقومون تلقائياً بردة فعل عكسية ويلتفون أكثر حول النظام ضد الغرب".
انتقال "الثورات" إلى روسيا إن نجح الشرق الأوسط الجديد
إنما الحرب الغربية لا يمكن أن تقتصر على ذلك، فنحن نلاحظ وخاصة اليوم مدى قوّة المؤامرة الأميركية – الصهيونية – الأوروبية لإضعاف جبهة مواجهة المشروع الأميركي في العالم، ومن أكثر الأمثلة وضوحاً على ذلك هو مشروع الشرق الأوسط الجديد خاصة أن ما يجري اليوم من انحرافات في "الثورات" في منطقتنا يشكّل خدمة للمشروع الأميركي في مواجهة النفوذ الروسي في آسيا الوسطى والقوقاز. ويعرف بوتين وأغلب السياسيين الواقعيين في روسيا أن أي نجاح لمشروع الشرق الأوسط الجديد يعني انتقال ظاهرة "الثورات" إلى دول الإتحاد السوفييتي السابق إن لم نقل إلى روسيا نفسها، بهدف تفكيك وتفتيت آخر معاقل مواجهة المشروع الأميركي في العالم.
ومن هذا المنطلق يؤكد د. شعيتو أن "ما يسمى بالثورات ممكن أن ينعكس على وضع روسيا، وإذا لم يكن يوجد سلطة مركزية قوية تستطيع أن تحمي روسيا عسكرياً وسياسياً كما عالجت ما يسمى الثورة البرتقالية في جورجيا سيشرذم جنوب الإتحاد السوفييتي أي القوقاز وتتجزأ روسيا من بعده".
موسكو قلقة من سلوك أنقرة
إذاً بعد أن قرع الخطر باب المارد الروسي سيكون بوتين بحسب د. شعيتو "أكثر حزماً في ملف السياسة الخارجية لروسيا وستكون مواقفه أشد من مواقف ميدفيديف خاصة وأن الغرب لم يف بكل الوعود التي قطعها لموسكو، من ناحية، ومن ناحية أخرى من المتوقع نمو التأثير الذي تمارسه مجموعة من الدول على دول الإتحاد السوفييتي السابق، وتعتبر تركيا من أكثر الدول المؤثرة، وروسيا قلقة من سلوك أنقرة لأن الأتراك على ما يبدو بانتظار أن ينهوا عملهم في الشرق الأوسط ويضمنوا خيراته ويتسلموا مهمة الاهتمام بدول الإتحاد السوفييتي السابق، وهذا استراتيجياً يطال عمق الوضع الداخلي الروسي، ويعود سبب التأثير التركي على أوزباكستان وتركمانستان وأذربيجان والشيشان وداغستان، إلى انتمائهم بالثقافة والديانة والاتنية إلى الأتراك أكثر من انتمائهم لروسيا، كما أنه وفي فترة انهيار الاتحاد السوفييتي كان الأتراك يلعبون دوراً أساسياً في هذه الدول ويبنون علاقات سياسية معها".
لن تكرر روسيا أخطاءها الجسيمة .. ولن تتخلى عن الأسد
ما بعد انهيار الإتحاد السوفييتي وحتى الفترة الأولى من حكم بوتين ارتكب الروس أخطاء جسيمة في المنطقة العربية، فكل الدول التي تعرضت للإنهيار في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو مهددة بالإنهيار، كانت مرتبطة مع روسيا بمصالح اقتصادية مهمة، إن كان في العراق أو ليبيا أو الجزائر أو اليمن أو سورية، فهذه هي الدول التي تتعرض لتغييرات سياسية لا تصب في مصلحة روسيا رغم ارتباطها الجيد بها ومصالحها المباشرة معها.
وفي هذا السياق بشير د. شعيتو إلى أنه "نتيجة وضعها الاقتصادي المتعثر وعدم وضوح الرؤية الإستراتيجية في علاقاتها الخارجية، أخطأت روسيا في التعامل مع دول الشرق الأوسط وخسرت بعضها ولم يحسم وضع دول أخرى، ونتيجة لما حصل بقي لروسيا علاقة جيدة مع سورية، وانطلاقاً من أن الشرق الأوسط هو الحديقة الجنوبية لروسيا، لا يمكن أن تتخلى روسيا عن سورية، وقد لاحظنا أنه وعلى الرغم من ليونة ميدفيديف مع الغرب إلا أنه لم يكن كذلك أبداً بما يختص بالملف السوري نظراً لحساسيته بالنسبة لروسيا. وأنا أعتقد أن موسكو لن تتخلى عن الأسد ولن تتنازل للغرب، وستستمر بتأمين الحماية السياسية للنظام السوري الذي على ما يبدو ليس بحاجة إلى أكثر من ذلك، والتغطية السياسية في مجلس الأمن والمحافل الدولية كافية بالنسبة له".
الحكومة السورية تفوّض موسكو التفاوض مع المعارضة |
روسيا ستنشر منظومة "اسكندر الصاروخية" في سورية ردا على الدرع الصاروخية الأميركية في تركيا
وفي النهاية لن يستطيع الروس أن يقفوا مكتوفي الأيدي أمام خساراتهم المتتالية، ولن يسكتوا بعد اليوم على خسارة أخرى، فسياسة القبضة الحديدية عادت، وستبرهن موسكو ذلك من خلال طريقة تعاطيها مع ملفين أساسيين، أولهما الملف السوري، وثانيهما ملف الدرع الصاروخي الأميركي الذي سترد روسيا عليه بشكل قاطع وسيكون الرد بنشر منظومة صواريخ جديدة اسمها "منظومة اسكندر" وهي فائقة التطور، وستتركز ضمن الأراضي الروسية أو الدول المحيطة بها والمتحالفة معها مثل بيلاروسيا وكازاخستان، وفي معلومات خاصة حصل عليها "موقع المنار الإلكتروني"، فإن سورية ستكون من ضمن الدول القليلة التي ستنصب على أراضيها "منظومة اسكندر" الصاروخية وقد جرى بالفعل تدريب وحدات خاصة من الجيش السوري على استخدامها. والهدف الرئيسي من نشر روسيا لهذه المنظومة هو إخافة الدول الغربية لردعها عن نشر المنظومة الأميركية في أراضيها. وختاماً، نعم لا تستطيع روسيا إلا أن ترد، لأنها إن لم تفعل ذلك ستمنى بخسارة سياسية واقتصادية وستتأثر صورتها في الإعلام العالمي إلى درجة لن تقوى على تحملها وهذا لن يكون على الإطلاق بوارد القادم إلى السلطة لاثنتي عشرة سنة قادمة، فلاديمير بوتين.