مقابل نزع العماد ميشال عون كل فتائل تفجير الحوار مع الدكتور سمير جعجع يعمد الاخير إلى إحباط كل المؤيدين لهذا التفاهم عبر البحث العبثي عن ذرائع لتعطيله
غسان سعود
مقابل نزع العماد ميشال عون كل فتائل تفجير الحوار مع الدكتور سمير جعجع يعمد الاخير إلى إحباط كل المؤيدين لهذا التفاهم عبر البحث العبثي عن ذرائع لتعطيله. سيهرب إلى الأمام مماطلاً، علّ عون والرأي العام ينسيان ورقة النوايا «المشؤومة».
خلافاً لكل ما تشيعه القوات اللبنانية اليوم (وستشيعه أكثر في المرحلة المقبلة): لم ولن تكون الرئاسة الأولى سبب انقطاع الحوار بين التيار الوطني الحر والقوات اللبنانية. ناقش المتحاورون في المرحلة الإعدادية لتفاهمهما في هذا الملف، واتفقا في البند الأول من إعلان النوايا المشتركة على «وجوب تصحيح الخلل التمثيلي على مستوى الرئاسة الأولى المستمر منذ اتفاق الطائف عبر انتخاب رئيس يحظى بتمثيل قوي في بيئته، ويكون مقبولاً على المستوى الوطني». انتهى النقاش هنا، وانتقلا إلى بنود أخرى. لم يقل العماد ميشال عون لمحاوريه: تنتخبونني رئيساً أو لا شيء. أكثر من ذلك: كان واضحاً وجوب وضع بند الرئاسة جانباً اذا كان سيؤدي إلى تفجير الحوار، للتوصّل إلى نتائج ترضي الرأي العام وتصالحه مع أحزابه. مع ذلك، تماطل معراب منذ أكثر من خمسة أسابيع، مستخدمة ذرائع مختلفة، لتمييع التفاهم المنتظر وتجميده، فيما يواصل عون الإيعاز، أسبوعياً، لوزرائه والنواب والمسؤولين في التيار وأصدقائه للتعاطي بكل إيجابية مع التفاهم مع القوات، إذ يدرك أن إغلاقه أبواب الرابية في وجه جعجع أو تفجير الحوار بسبب بند الرئاسة سيخسّره شعبياً.
لذلك لبّى الدعوة، وحرص على أن يكتب جعجع بنفسه مسودة نواياهما المشتركة، ليقوم والنائب ابراهيم كنعان بتنقيحها فقط، ووافق عون على عدم تسميته بالاسم كـ «مرشح قوي في بيئته يحظى بقبول (اكثر من جعجع) على المستوى الوطني».
عليه، ليس في وسع جعجع القول إن نوايا خصمه اللدود كانت سيئة، أو أن «هوس عون الرئاسي» حال دون اتفاقهما. وهنا بدأ التخبط المعرابي: حققنا عدة مكاسب بحكم «الهدايا» العونية، لكن ماذا نفعل بورقة تطالب في أحد بنودها بإنشاء محكمة مالية للتحقيق في الهدر المالي طوال السنوات (الحريرية) الماضية، وتدعو إلى اتخاذ الخطوات الضرورية لتصحيح التمييز الإنمائي بين المناطق والخلل في الإدارات العامة؟ طار صواب الحريريين منه حين أعطى موقفاً في شأن قانون الانتخابات من دون الرجوع إليهم، فكيف يمكن أن يكون ردّ فعلهم إذا اتخذ موقفاً – مكتوباً – لا يتعلق بتصحيح التمثيل النيابي فحسب، إنما التمثيل الإداري والنيابي والوزاري والرئاسي؟ والأنكى من ذلك: تبنّي مطلب عون بإنشاء محكمة مالية.
دور جعجع محدد: محاصرة عون دون تحوّله إلى عون آخر
يبدو واضحاً أن معراب لا تجرؤ على قول هذه الأمور علانية. تلطّى جعجع خلف تقرير «أو تي في» في شأن النائبة ستريدا جعجع بداية، ثم سافر لأسباب صحية، لكنه في النهاية عاد، والورقة التي كتب غالبية أسطرها لا تزال في عهدته. لا يسعه التقدم ولا يسعه التراجع أيضاً. ماذا سيقول للحريريين اذا تقدم أكثر؟ وماذا سيقول للـ90% من المسيحيين الذين يؤيدون التفاهم بحسب الاحصاءات اذا تراجع؟ لا يتعلق الأمر، هنا، بقانون الانتخابات النيابية فقط، إنما بكل ما يعني الجمهور: من التمثيل النيابي إلى الوزاري، مروراً بكل المتطلبات الحياتية من مدارس ومشاريع إنمائية ومستشفيات وغيرها.
تسعى القوات اللبنانية جاهدة اليوم للقول إن الحوار لم يتعطّل. تسرّب أخباراً مختلفة عن اجتماعات يأخذ العونيون علماً بها من وسائل الإعلام فقط. واضح أن معراب تعجز عن تحديد خطوتها التالية. أثبتت تجربة القانون الأرثوذكسي أن خداع الرأي العام ليس أمراً سهلاً، فما بالك إذا كانت هناك مراسلات خطية واضحة بين الرابية ومعراب؟ لا يسع جعجع، بالتالي، اختراع أيّ سيناريوهات أو تحميل عون المسؤولية. ما حال دون إكمال جعجع معركة القانون الأرثوذكسي، وما حال دون طلبه تعديلات ولو بسيطة في اتفاق الطائف تضمن انسحاب الجيش السوري واستخباراته خلال مهل زمنية واضحة وتخفف الخلل في التوازن المذهبي بين السلطات، وما حال دون مطالبته بمحاسبة المسؤولين (اللبنانيين والسوريين، لا السوريين فقط) عن الفساد المالي والإداري والقضائي، وما حال دون اعتراضه على الاتفاق الرباعي ودون التزامه دعوة بكركي إلى عدم التجديد للمجلس النيابي الحالي، هو ما يحول دون تفاهمه مع العونيين.
الثقة بالنفس المطلوبة لأداء جعجع دور الزعيم المسيحي – كما يحب العونيون ويودون – تتجاوز بكثير الحدود التي وضعها الحريريون لدور جعجع. يمكن رئيس تيار المستقبل النائب سعد الحريري التفاهم مع العماد عون، ولكن لا يمكن لجعجع أن يقدم على ذلك، كما يمكن الحريري الذهاب إلى دمشق والمشاركة مع حزب الله في الحكومة والشروع بتفاهم مع الحزب، فيما لا يمكن جعجع أن يفعل ذلك. مبرر وجود جعجع الوحيد، بالنسبة إلى تيار المستقبل، سواء في الحكومة أو في المجلس النيابي أو حتى في الحياة السياسية هو محاصرة نفوذ عون والتحريض على حزب الله. هذا ولا شيء آخر. اثبت تيار المستقبل عبر حؤوله دون التحاق عدة نواب بمعراب، وعبر أمثلة أخرى، أنه لا يريد تحويل جعجع إلى زعيم مسيحي. دور جعجع محدد في بيت الوسط بوضوح: محاصرة ميشال عون دون أن يتحوّل هو إلى ميشال عون آخر.
في الشكل حقق جعجع مكاسب عدة من تلبية العونيين دعوته للتفاهم، إلا أن الصورة تبدو أشبه بما حصل حين تلقف حكيم معراب كرة القانون الأرثوذكسي، مدّعياً أنه «أم الصبي». غداً، حين يغسل يديه من هذا التفاهم، برغم كل الإيجابية العونية، تحت ذرائع مختلفة، سيكون استياء الرأي العام منه أشبه باستياء الرأي العام منه غداة تنصله من «الأرثوذكسي»، ولكن مضروباً بألف.
http://www.al-akhbar.com/node/227277
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه