ومنذ بضعة أشهر، أصبحت مريم استاذة الرياضيات في الثانوية ترتاد المسجد من أجل تعلم «الإسلام الحقيقي» لمواجهة «الأنبياء المزيفين» الذين يريدون تضليل الشباب. وتعمل سامية، مرشدة دينية منذ 15 سنة
تقول فاطمة الزهراء، إحدى المرشدات الثلاثمائة اللواتي يعملن في محاربة التطرف في الجزائر، متسائلة «القتل كبيرة من الكبائر فكيف لبعض الأشخاص أن يقتلوا الأبرياء باسم الإسلام؟». المرشدات الدينيات موظفات لدى وزارة الشؤون الدينية ويقمن بالعمل نفسه الذي يؤديه إمام، إلا أنه لا يحق لهن إمامة الصلاة، كما تنص عليه التعاليم الإسلامية.
وتعمل المرشدات منذ سنوات بعيدا عن الأنظار في المساجد والسجون وبيوت الشباب والمستشفيات والمدارس من أجل «محاربة التطرف» في صفوف الشباب والوقاية منه. وتحاول المرشدات نشر تعاليم الإسلام التي تدعو للتسامح وتصحيح الأخطاء التي تدفع بالشباب إلى التطرف الديني.وتتذكر فاطمة الزهراء بمرارة العشرية السوداء في سنوات 1990، عندما كان الجزائريون يتقاتلون في ما بينهم «باسم الإسلام» ما أسفر عن 200 ألف قتيل.
وبحسب فاطمة التي تخطت الأربعين، والأنيقة بخمارها الأرجواني، فإن البشاعات التي عاشتها «شكلت حافزا لها من أجل تعلم الدين الإسلامي ثم تعليمه لاحقا».وبدأت السلطات الجزائرية في العمل على محاربة التطرف خلال الحرب الأهلية التي اندلعت بعد إلغاء الانتخابات التشريعية في 1992 والتي فازت في دورتها الأولى الجبهة الإسلامية للانقاذ (محظورة).
وتمّ توظيف أول امرأة كمرشدة دينية في 1993، ممن يحملن إجازة في الشريعة الإسلامية ويحفظن القرآن كاملا. ومنذ 17 سنة، ترتدي فاطمة الزهراء تارة عباءة «الاختصاصية النفسية» وتارة أخرى عباءة «الاختصاصية الاجتماعية» للاستماع إلى تساؤلات النساء حول المفاهيم الدينية، أو إلى همومهن الاجتماعية أو حتى خلافاتهن الزوجية.
وفي مسجد في العاصمة الجزائرية، تجمع المرشدة الدينية حولها النسوة. «أنا أستمع لهن وأنصحهن وأوجههن نحو المختصين إذا كان الأمر لا يتعلق بالجانب الديني»، كما قالت لوكالة فرنس برس. وقالت إحدى المشاركات، سعدية، في السبعين من العمر، «نحن نأتي إلى هنا لتعلم القرآن وفهمه وأيضا لطرح أسئلة حول المشاكل الشخصية». أما عائشة فاعتبرت أن «الإمام جيد، لكن من الأسهل بالنسبة لنا التحدث إلى امرأة». في البداية، كانت قاصدات المرشدات من النساء اللواتي يمكثن في بيوتهن، لكن في الأعوام الأخيرة أصبحت المهندسات والطبيبات والجامعيات يقصدنهن من أجل فهم الدين.
ومنذ بضعة أشهر، أصبحت مريم استاذة الرياضيات في الثانوية ترتاد المسجد من أجل تعلم «الإسلام الحقيقي» لمواجهة «الأنبياء المزيفين» الذين يريدون تضليل الشباب. وتعمل سامية، مرشدة دينية منذ 15 سنة، في «منطقة تعاني فيها الأمهات من رؤية أولادهن، وفي بعض الأحيان بناتهن، ينحرفون نحو التطرف». وأوضحت «هن يتحدثن إلي لنعمل معا ومع أشخاص آخرين على إبعاد (هؤلاء الشباب) عن التطرف».
وتابعت «حتى وإنْ كان عدد الجزائريين الذين التحقوا بتنظيم الدولة الإسلامية الجهادي غير كبير، إلا أن الحذر واجب لأن التطرف يأخذ أشكالا أخرى».وتنبه سامية إلى «ضرورة مراقبة المراهقين بوجه خاص.. فالقنوات الفضائية والإنترنت تسمح لأشباه الأئمة بتصوير أنفسهم على أنهم علماء دين بينما هم في الحقيقة لا يعرفون تعليم القرآن».
وروت سامية قصة «أم جاءت إليها بعدما قررت ابنتها البالغة 17 سنة ارتداء النقاب، وبين يوم وليلة أرادت منعنا من حضور الحفلات ومشاهدة التلفاز. لقد تم تضليلها واستمر العمل معها لأشهر لإرجاعها إلى جادة الصواب قبل ان تعود إلى دراستها وحياتها الطبيعية». وعندما يتعلق الأمر بشاب، يتدخل الإمام للمشاركة في «عملية الإنقاذ». وتفتخر المرشدات بدورهن في إنقاذ الشباب من التطرف الديني.
وقالت صافية التي تعمل في الضاحية الشرقية للعاصمة الجزائرية «إنقاذ حياة شاب وحياة أشخاص كان يمكن أن يتأثروا (بتطرفه)، هو أكبر مقابل يمكن أن نحصل عليه في عملنا».