23-11-2024 03:57 AM بتوقيت القدس المحتلة

أردوغان بين الحلم العثماني والعجز الميداني

أردوغان بين الحلم العثماني والعجز الميداني

خفايا السياسة الدولية ودهاليز الاستهدافات الممنهجة تحت عناوين براقة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب بل هي ظاهرة قائمة منذ أن عرفت المجتمعات البشرية ظهور الدول كوحدات سياسية.


بقلم د.حسن أحمد حسن

خفايا السياسة الدولية ودهاليز الاستهدافات الممنهجة تحت عناوين براقة ليست وليدة اليوم أو الأمس القريب بل هي ظاهرة قائمة منذ أن عرفت المجتمعات البشرية ظهور الدول كوحدات سياسية تقوم العلاقات فيما بينها على المصالح بالدرجة الأولى، ومن الطبيعي والحالة هذه أن تتمايز تلك الوحدات فيما بينها طبقاً لعوامل القوة الشاملة لكل دولة من الدول، ومن هنا نرى هيكلية ناظمة تتبلور عبر الممارسة وتحدد مراتب مختلفة للدول وفق فعاليتها في السياسة الكونية، فهناك من يمسك بدفة صنع القرار، ومن يكون حليفاً أو تابعاً أو أداة يتم توظيفها عند الحاجة والاستغناء عنها بعد انتهاء زمن الصلاحية الذي يرتبط بالحاجة العملية لتنفيذ مهام محددة، وعادة لا يظهر من معالم تلك الحاجة إلا بما ينسجم وما يتم الإعلان عنه من أهداف ومصالح ، ولهذا نجد دور أداة ما ينتهي بسرعة ومن دون مقدمات كما هو حال أمير قطر المخلوع ورئيس وزرائه، في حين يمتد زمن الدور ويتطاول لأن المايسترو الممسك بالقرار يكون قد حدد لهذه الأداة أو تلك أدواراً جديدة قد لا تعرفها الأداة بالذات، وهذا يفسر استمرار نفوذ حزب العدالة والتنمية في تركيا على الرغم من الإخفاقات والفضائح المتتالية التي طالت رموزه وعلى رأسهم رجب طيب أردوغان ورئيس وزرائه أحمد داوود أوغلو.
 
فما هي المهام التي ما يزال حزب العدالة والتنمية أقدر من غيره على تنفيذها؟ وكيف يمكن فهم التناقض المؤدي إلى تكامل الأدوار في مواقف أردوغان وزبانيته من جهة ، ومواقف واشنطن المتذبذبة من جهة ثانية؟ وهل يمكن فهم العربدة التركية بمعزل عن الهدف الاستراتيجي الكبير الذي حدده أصحاب المشروع التدميري للمنطقة بجميع مكوناتها  القائمة؟ وما هي نقاط القوة ومكامن الضعف التي تحكم السياسة الأردوغانية الحمقاء؟ وأية آفاق مستقبلية لتطور الأحداث وتداعياتها في ظل تشابك الأوضاع وازدياد التعقيدات التي تحكم المشهد الإقليمي برمته، وترخي بظلالها على العلاقات الدولية بعد انهيار الأحادية القطبية وعدم تبلور معالم نظام جديد ـ حتى الآن ـ يحكم العلاقات الدولية؟

الإجابة  المقنعة على أي تساؤل من التساؤلات المذكورة آنفاً تتطلب الانطلاق من مقدمة واضحة المعالم ومسلم بها ، إذ لا يستقيم الحديث عن تمرد تركي أو سعودي وحتى أوروبي وشق عصا الطاعة الأمريكية وفي الوقت ذاته البناء على مضامين المخطط التدميري الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية خدمة للمصالح الصهيو ـ أمريكية في المنطقة، وبكلام آخر ليس كل ما يبدو على أنه تناقض هو في حقيقته كذلك، ومن هنا يمكن فهم خروج أردوغان عن التحالف الذي تقوده واشنطن بذريعة محاربة داعش إلى أن أتى الوقت المناسب وفق تطور الأحداث لتعلن أنقرة انضمامها إلى التحالف المذكور وتوقع مع واشنطن اتفاقاً استراتيجياً لتدريب ما أسموه المعارضة المعتدلة، ومن حق كل متابع ومهتم بتداعيات الأحداث أن يتساءل: كيف يمكن لواشنطن أن توافق على القرارات الدولية / 2170 ـ 2178 ـ 2199/  وجميعها تتعلق بتجريم داعش والنصرة وبقية العصابات الإرهابية المسلحة، ومسؤولية كل من يتعاون معهما بأي شكل من الأشكال، وفي الوقت نفسه تعلن عن تخصيص مليارات الدولارات لتدريب من يسمونهم معارضة معتدلة في أكثر من دولة إقليمية بحجة محاربة داعش ومن ثم محاربة الدولة السورية والجيش العربي السوري؟ وكيف يمكن تسويق النفاق الأمريكي المفضوح بين تشكيل حلف لمحاربة داعش وبين تأكيد مدير وكالة الاستخبارات الأمريكية جيمس كلابر خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة في مجلس الشيوخ الأميركي أن “محاربة تنظيم داعش لا تشكل أولوية بالنسبة إلى تركيا وأن هذا الأمر يسهل عبور مقاتلين أجانب الأراضي التركية إلى سورية” موضحا أن ”هناك نحو 60% من الإرهابيين الأجانب الذين يصلون إلى سورية عبر تركيا” نتيجة وجود أجواء متساهلة فيها خصوصا في المستوى القانوني؟ وأين يصرف والحالة هذه مبدأ احترام سيادة الدول وعدم التدخل في شؤونها الداخلية و فق ميثاق هيئة الأمم المتحدة والقانون الدولي؟

* الحماقة الأردوغانية والأحلام العثمانية:

لاشك أن السياسة الاقتصادية التي يعتمدها حزب العدالة والتنمية منذ أن أمسك بدفة القرار التركي قد حسنت واقع الاقتصاد التركي وساعدت على توسيع قاعدة مؤيدي حزب العدالة والتنمية، ولولا المزاجية المفرطة والأوهام غير القابلة للتنفيذ التي تتحكم برأس أردوغان لكان الدور الإقليمي الفاعل لتركيا في نمو وتوسع بدلا من الانكماش والتقوقع، وواهمٌ من يظن أن النجاحات الاقتصادية تستطيع أن تغطي الإخفاقات السياسية وبخاصة عندما تبلغ المستوى الاستراتيجي كما هو الحال في تركيا، وقد تحولت من صفر مشاكل إلى صفر علاقات وإلى ما دون الصفر أخلاق وعلى المستووين الداخلي والإقليمي، فصحيح أن الاقتصاد والسياسة صنوان متلازمان، وإذا كان الاقتصاد قاطرة السياسة فإن السياسي هو من يمسك بمقود تلك القاطرة، وخروج الرأس القاطر عن السكة يعني تدهور الحافلة بكل مقطوراتها السياسية والاقتصادية والعسكرية والاجتماعية والذهاب نحو الهاوية، وإذا كان الخروج متعمداً يكون الأمر انتحاراً بكل معنى الكلمة، ولعله التوصيف الأبلغ لما تقدم عليه حكومة حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان المهووس باستعادة أمجاد السلطنة العثمانية التي أكل الزمان وشرب على دمنتها، ومع ذلك يصر أردوغان على إحياء بقايا هيكل عظمي لجثة سلطنة نفقت منذ قرون، وطبيعي أن الإخفاق الحتمي هو ما ينتظر هكذا أفعال وسياسات لن تؤدي إلا إلى المزيد من انكشاف نقاط الضعف وافتضاح حقيقة الدور الوظيفي الفاشل لحزب العدالة والتنمية في تركيا.

بعيداً عن الخوض في العموميات ومطبات السياسة التركية يمكن القول: إن التوغل البري الذي قامت به السلطات التركية بذريعة إخراج رفات سلمان شاه والعنتريات الاستعراضية التي رافقت تلك العملية تتضمن الكثير من المعاني والدلالات التي يجب التوقف عندها، ومنها:

1-    التوغل البري الذي قامت به السلطات التركية قبل الحصول على إذن الحكومة السورية عدوان سافر على سيادة دولة مستقلة وعضو مؤسس في المنظمة الدولية، كما أنه خرق فاضح للقانون الدولي ولميثاق هيئة الأمم المتحدة.

2-    الاتفاقية التي تستند إليها أنقرة في الحديث عن قبر سليمان شاه والموقعة مع فرنسا عام 1921م. هي بدورها خرق للقانون الدولي، لأن نظام الانتداب يلزم الدولة المنتدبة بالحفاظ على وحدة وسيادة أراضي الدولة المفروض عليها الانتداب، والاتفاقية المذكورة تم توقيعها بين دولة منتدبة ودولة كانت مستعمرة، أي أن من لا يملك منح من لا حق له، وهذا بدوره خرق فاضح للقانون الدولي .


3-    إقدام السلطات التركية على نقل الرفات ـ إن كان هناك رفات أصلاً ـ من دون موافقة السلطات السورية يسقط أي حق لتركيا بالمطالبة مستقبلاً بإعادة الوضع إلى ما كان عليه، والحديث عن رفع العلم التركي فوق أرض سورية جديدة هو احتلال جديد بالقوة لأراضي دولة مستقلة ذات سيادة، وعلى من يفعل ذلك تحمل كامل المسؤولية عن كل التداعيات اللاحقة.

4- تقدم مئات الجنود الأتراك مع الدبابات وعشرات العربات وتوغلهم مسافة تزيد عن ثلاثين كيلو متراً في مناطق تتوزع السيطرة عليها بين لجان الحماية الشعبية الكردية وداعش وبقية العصابات الإرهابية المسلحة وعدم إطلاق رصاصة واحدة يؤكد عمق العلاقة التي تربط تلك العصابات بحكومة أردوغان، مع العرض أن بقاء الضريح المذكور سليماً طيلة الفترة الماضية في مناطق يسيطر عليها داعش المعروف بهوسه لتهديم الأضرحة والمساجد والكنائس وكل المعالم الأثرية، وهذا يؤكد أن داعش يعمل بقيادة تركية مباشرة، والأمر ذاته يتضح من خلال ما تم تسريبه سابقاً عن الاجتماع الأمني الذي تحدث فيه رئيس الاستخبارات التركية حول إمكانية التذرع للتدخل البري باستهداف ضريح سليمان شاه أو إرسال بعض المسلحين إلى داخل الأراضي السورية وإطلاق بعض القذائف الصاروخية باتجاه الأراضي التركية، ولو أن واشنطن وافقت على حماقة أردوغان لكانت عناصر داعش عاثت بالضريح وما حوله منذ أكثر من عامين.


5-    تزامن العدوان التركي مع التقدم النوعي الذي أحرزه الجيش في ريف حلب الشمالي والشمالي الشرقي يؤكد مدى التنسيق بين الجانب التركي و داعش المنتشرة في تلك المناطق، وبخاصة أن الحدود التركية فتحت على مصاريعها وتدفقت العصابات الإرهابية المسلحة بالآلاف وهي مدججة بكل أنواع السلاح لوقف تقدم الجيش العربي السوري والحيلولة دون إكمال الطوق على ما تبقى من عناصر إرهابية في بعض أحياء حلب القديمة، ولعل أحد أهداف التدخل التركي السافر هو رفع الروح المعنوية المنهارة للمسلحين ودعوتهم لرص صفوفهم وإيصال رسالة واضحة للمسلحين مضمونها أن تركيا إلى جانبهم ولن تتخلى عنهم، ولا يجوز أن يغيب عن الذهن إمكانية إدخال خبراء عسكريين وقادة ميدانيين لقيادة معارك المسلحين في مواجهة التقدم الميداني للجيش العربي السوري ، وتأمين كل ما يلزم من سلاح ثقيل أو متوسط تحت غطاء الدخول لإخراج الضريح.

6-    هذا العدوان التركي السافر والموصوف أتى بعد توقيع الاتفاق بين أنقرة وواشنطن على تدريب ما أمكن من عصابات إرهابية تمهيداً لزجها في الداخل السوري، وهذه سابقة في تاريخ العلاقات الدولية وخطر يهدد الأمن والاستقرار إقليمياً ودولياً، لأنه في حال نجاحهم بتحقيق ذلك فما الذي يمنعهم من تكرار التجربة ضد إيران أو الهند أو روسيا أو أية دولة أخرى بذرائع شتى لن يصعب على واشنطن اختلاقها وتضخيمها عبر إمبراطوريات إعلامية تغطي الكرة الأرضية بالكامل، ولا بد من الإشارة هنا إلى أن الإعلان عن الاتفاق المشؤوم المذكور يعني حرص أنقرة وواشنطن على تقويض مبادرة السيد ديمستورا، ومنع تبلور أية بوادر إيجابية لإيجاد حل سياسي سوري ـ سوري.


7-    لا يمكن فصل ما جرى في الجنوب السوري عما يجري في الشمال، وقد تأكد لكل من يريد أن يفهم الحقيقة أن السقف الذي حدده سيد المقاومة سماحة السيد حسن نصر الله قد فرض على قادة الكيان الصهيوني خطوطاً حمراء يتطلب تجاوزها الاستعداد لدفع الضريبة التي تفوق قدرة حكام تل أبيب الذين يتكامل أداؤهم مع أداء حكومة حزب العدالة والتنمية، وكأن أردوغان بعدوانه البري أراد أن يقول: إن كان حلف المقاومة قد أسقط قواعد الاشتباك في الجنوب فنحن قادرون على إسقاطها في الشمال، والتوغل البري خير شاهد على ذلك، وهنا لابد من التذكير بأن إسقاط قواعد الاشتباك الذي فرضه محور المقاومة يمتد من القدس إلى طهران إن لم يكن أبعد من ذلك، وعلى من ابتهج بحماقة عابرة ومقامرة غير محسوبة النتائج أن ينتظر صافرة النهاية، وعندها يذوب الثلج ويظهر الرجس من المرج.


8-    إن الرعونة التركية الجديدة تضع المنطقة برمتها على فوهة بركان قابل للانفجار في أية لحظة، وبخاصة بعد أن ثبت على أرض الواقع أن الجيش العربي السوري لم يعد وحيداً في مواجهة أطراف التآمر والعدوان، وأن حلفاء سورية في خندق واحد مع جيشها في مواجهة ما تبقى من عصابات إرهابية مأجورة، وأن معركة الحسم التي انطلقت لن تتوقف، وسورية ـ على امتداد أربع سنوات ـ  لم تكن أقوى مما هي عليه حالياً، وبخاصة بعد الإعلان رسمياً عن توحيد الجبهات.


9- إقامة منطقة عازلة في الشمال السوري حلم لم يفارق أردوغان، ومنذ افتضاح الموقف التركي والمسؤولون الأتراك يعزفون على وتر فرض منطقة حظر جوي ومنطقة عازلة أو آمنة انسجاما مع طرح الكيان الصهيوني لما كان يسميه الجدار الآمن الذي بدأ يتحول إلى جدار مقاوم، وبدلاً من رفع العقيرة والتهديد بضرب إيران وجد حكام تل أبيب أنفسهم أمام حقيقة جديدة عنوانها الوجود الميداني لحزب الله وإيران على امتداد الحدود مع فلسطين المحتلة من جهة الشمال، والأمر ذاته ينسحب على حكومة العدالة والتنمية.

* أوراق القوة والضعف:


قد يقول قائل: ما كان لأردوغان أن يقدم على توغل بري لو لم يكن مطمئناً إلى أن ما يمتلكه من أوراق قوة أكثر من أوراق الضعف، وقد يبدو هذا الكلام قريباً إلى الواقع، لكن بالاحتكام إلى الحسابات العلمية يتضح عكس ذلك، فأوراق القوة لدى حكومة حزب العدالة والتنمية تضم ما يلي:

1-     انتشار داعش وبقية مكونات الجسد الإرهابي في المنطقة المتاخمة للحدود السورية التركية وهي في معظمها تتلقى الدعم والمساعدة من الجانب التركي الذي يشكل عمقاً استراتيجياً لها.

2-    قدرة تركيا على تحييد بعض التنظيمات الكردية في مناطق حدودية، وضمان تقدم القوات التركية وعودتها آمنة عند نقل الضريح بحماية تلك التنظيمات، فضلا عن العلاقة التي تربط بعض المكونات الكردية بعلاقة طيبة ـ وإن كانت آنية وعابرة ـ مع أنقرة.

3-    انشغال الجيش العربي السوري بمحاربة العصابات الإرهابية في جبهات متعددة، وفي كل جبهة على أكثر من محور وأكثر من اتجاه.

4-    بقاء الموقف الأمريكي قي تصعيد عملي واضح ضد الدولة السورية بدليل رفع سقف الأموال المطلوبة لتدرب المسلحين من نصف مليار دولار إلى أكثر من ثمانية مليارات، والتوقيع الرسمي مع الجانب التركي على اتفاق للبدء بالتدريب والتسليح.

5-    انشغال إيران بملفها النووي واضطراب الساحة اللبنانية الداخلية مما يقيد حركة حزب الله.

6-    عدم تأثر العلاقات الاقتصادية بين تركيا وكل من روسيا وإيران.

قد يكون هناك أوراق قوة أخرى لكن الأهم ما تم ذكره، وبالمقابل هناك أوراق ضعف لا يجوز إسقاطها من أية حسابات موضوعية، ومنها:

1-    كل نقاط القوة المذكورة سابقاً يمكن أن تنقلب إلى الاتجاه المعاكس، وهذا مرهون بتطور الأوضاع الميدانية وما تتركه من ظلال على توازن القوى إقليمياً ودولياً.

2-    وجود تنظيمات كردية  ما تزال تضعها أنقرة على قائمة الإرهاب بغض النظر عن التهدئة والتسوية التي تمت مع عبد الله أوجلان والتي لم تترك أية مرتسمات حقيقية على أرض الواقع، وهذا يهدد بإمكانية انضمام مكونات أخرى إلى حزب العمال الكردستاني ونشاطه في الداخل التركي للحصول على بعض الحقوق المشروعة لأكراد تركيا.

3-    سقوط جميع قواعد الاشتباك مع العدو الصهيوني وتواصل الجبهات يؤدي بالضرورة إلى امتداد تلك الجبهات وتجاوزها الجغرافيا السياسية لهذه الدولة أو تلك لتشمل كل أطراف محور المقاومة الممتد من فلسطين المحتلة إلى إيران وما بعد إيران، بما في ذلك كل الجغرافيا السورية، ولم يعد سراً أن بعض عناصر حزب الله يقاتلون حتى على الجبهات العراقية في مواجهة الإرهاب التكفيري المدعوم من حكومة أردوغان.

4-    الإنجازات الميدانية اليومية التي يحققها الجيش العربي السوري وحلفاؤه تتدحرج بتسارعات تربك مشغلي العصابات الإرهابية المسلحة وتضيق الخناق عليهم أكثر فأكثر في الشمال والشمال الشرقي لحلب، وهذا يضع أنقرة أمام أحد احتمالين : إما الاكتفاء بلعب الدور السلبي الذي اعتادت عليه عبر السماح بتدفق السلاح والمسلحين وبالتالي افتضاحها أكثر فأكثر وبشكل صارخ أمام الرأي العام التركي والإقليمي والدولي، وإما التورط أكثر ومحاولة الهروب إلى الأمام وهذا ينذر بحرب إقليمية لا يملك أردوغان قرار إعلانها.

5-     القدرة الفائقة لدى الأمريكي على الالتفاف والاستدارة تحت عنوان البراغماتية، فأي موقف ستجد نفسها فيه أنقرة لو أن واشنطن بدأت الاستدارة، أو لو تم التوصل إلى الاتفاق بين طهران والدول الست حول برنامج إيران النووي؟

6-    إصرار أردوغان على ضرب رأسه بالجدار قد يدفع موسكو وطهران إلى رفع نبرة المواقف والتصريحات،ومن حق المتابع العادي أن يتساءل عن الردود التي يخلفها أي تصريح رسمي ـ مجرد تصريح ـ  روسي وإيراني بخصوص إمكانية إعادة النظر بالعلاقات الاقتصادية مع تركيا.

7-    المستوى غير المسبوق الذي بلغه إرهاب داعش يشكل خطراً حقيقياً وتهديداً مباشراً للأمن القومي التركي، وبخاصة في ظل انتشار الآلاف من أولئك القتلة في الداخل التركي، وهذا يمكنهم من قلب الطاولة على رأس أردوغان وحزبه عند أية اهتزازات في العلاقة القائمة حالياً، وليس هناك من ضامن ألا تتعرض تلك العلاقة ليس للاهتزاز فقط بل وللنسف من الجذور.

8-    انقسام الشارع التركي بين معارض يرى في سياسات حكومة العدالة والتنمية تقويضاً لمقومات الدولة التركية وبين منساق ضمن تلك السياسة، وإذا أضفنا إلى ذلك افتضاح تبني أردوغان لداعش وغيرها تصبح الساحة الداخلية التركية على كف عفريت.

9-    وتر الانتماءات الضيقة التي يغازلها أردوغان يهدد بنسف الداخل التركي، والجميع يدرك أن النسبة التي يشكلها العلويون في تركيا ليست قليلة، فماذا لو تم العزف على هذا الوتر  بشكل أو بآخر، والأمر ذاته ينطبق على الأكراد ومكونات أخرى تترك حاضر تركيا ومستقبلها مفتوحاً على المجهول.

خاتمة:

هناك الكثير من نقاط الضعف الأخرى التي لا يتسع لذكرها حجم دراسة تحليلية تنشر على موقع إلكتروني، واستناداً إلى ما سبق ، وبعيداً عن الحسابات التركية الضيقة يجد المتابع المهتم نفسه أمام تساؤل جوهري وعريض وهو:

هل واشنطن راغبة فعلاً بالتصعيد أم بالتهدئة؟ وهل ستتأثر المصالح الأمريكية سلباً لو تفاقمت الأوضاع أكثر في المنطقة حتى ولو وصلت إلى حد  نشوب حرب إقليمية؟ ألا يخدم هذا الأمر الإستراتيجية الصهيو ـ أمريكية التي تدور حول محور شبه ثابت عنوانه: إبقاء المنطقة في حالة اضطراب وغياب للأمن والاستقرار تمهيداً لتفتيتها؟ وهل ستحزن واشنطن لو أن الأمور ذهبت إلى أبعد مما يحسب أردوغان وأمثاله من صبيان السياسة ومراهقي الإستراتيجيا؟

وبكلام آخر: ماذا لو انتقلت ألسنة اللهب وأدت إلى تقسيم السعودية ومصر وإيران وتركيا وسورية وبقية دول المنطقة، وتشظت كل دولة إلى دويلات؟

بكل تأكيد أقطاب المقاومة ومن يقف معهم لا يسقطون مثل هذا السيناريو من حساباتهم، وطبيعي أن يكون هناك قرارات متخذة مسبقاً للتعامل مع كل سيناريو، لا بل مع أسوأ السيناريوهات، وجميعها تؤكد استحالة اقتراب أردوغان من تحقيق أحلامه العثمانية حتى في المنام، ونتائج المواجهات الميدانية المفتوحة خير شاهد على ذلك، ولا شك أن الأيام والأسابيع القادمة ستكون حبلى بالدلالات فانتظروا إنا معكم منتظرون.

للتواصل مع الكاتب:
dr.hasanhasan2012@gmail.com
dr.hasanhasan@yahoo.com