كان من المُفترض أن تكون يقظة المارد الحوثي في اليمن، أمثولة للأنظمة التي يأتي النظام البحريني في طليعتها.
أمين أبوراشد
عندما كان الحوثيون في اليمن محصورين ضمن محافظة صعدة، كانت مطالبهم بالمساواة مع باقي شرائح الشعب اليمني أكثر من متواضعة، ومع ذلك فقد شنَّ عليهم الرئيس السابق علي عبدالله صالح ستة حروب لقمعهم، الى أن جاءت نتيجة هذه الحروب إنتفاضة شعبية شرعية، وبات الحوثيون اليوم يُسيطرون على غالبية المحافظات والدوائر، وكان من المُفترض أن تكون يقظة المارد الحوثي في اليمن، أمثولة للأنظمة التي يأتي النظام البحريني في طليعتها، لمقاربة هموم فئة تُشكِّل 70% من إجمالي عدد المواطنين الأصليين للبحرين بدل محاولة مقارعتهم باستيراد وتجنيس الغرباء في سابقة لم يعرفها أيُّ بلدٍ آخر، باستثناء ما يقوم به العدو الإسرائيلي من لملمة يهود الغرب والشرق في محاولة استيطانية يائسة لإبتداع توازن ديموغرافي مع الفلسطينيين أبناء الأرض.
وعندما استقال عضو كتلة الوفاق البحريني النائب محمد المزعل عام 2011، وطالب باستقالة الحكومة البحرينية التي تعتبر المسؤولة عن تسميم الأجواء في المملكة والمنفِّذة لسياسات التمييز بين أبناء الشعب الواحد خلال السنوات الماضية، واعتبارها المسؤولة عن القمع والعنف والقتل والاعتداء على المواطنين، طالب أيضاً بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين إضافة الى ضرورة تشكيل مجلس تأسيسي يكتب دستوراً جديداً للبلاد، ومجلس تشريعي منتخب كامل الصلاحيات وحكومة منتخبة، والتزام السلطة بمسافة واحدة من أطراف الحوار وإعطاء فرصة متكافئة للجميع، ومنذ ذلك الحين لم تتغيّر هذه المطالب أو تتصاعد، ولم يخرج المتظاهرون عن تحرُّكاتهم السلمية حتى بعد اعتقال الأمين العام لحركة الوفاق الشيخ علي السلمان، بفضل الوعي الشعبي الرافض للحالة الطائفية التي تنتهجها السلطة، ومبالغتها في تكثيف حركة تجنيس الغرباء ونزع الجنسية عن بعض المواطنين في محاولة لتحقيق توازن ديموغرافي عن طريق استيراد البشر!
ومنذ العام 2012 نشطت السلطات البحرينية خارجياً عبر مجموعة ضبَّاط، في التجنيس والتغيير الديموغرافي ـ الطائفي، بإغراء أجانب بلغوا حتى اليوم عشرات آلاف الأشخاص من دول محددة وبمواصفات معينة، في محاولة ترمي إلی تعزيز أكثرية طائفية على حساب أخرى، لتسحب من الأكثرية الشعبية الحالية أحقية التمثيل الشعبي في مؤسسات الحكم.
الخطير في الأمر، أن السلطات البحرينية قامت باستغلال الظروف الصعبة التي يواجهها النازحون السوريون في دول الجوار السوري وخاصة في مخيم الزعتري الأردني، لإجراء عملية ممنهجة لتوطينهم في البحرين وتأهيلهم للحصول على الجنسية البحرينية بإشراف ضباط أمن بحرينيين أقيم لهم مكتب خاص في سفارة البحرين في عمَّان، ولاحقاً افتتح مكتب قريب جداً من هذا المخيَّم بمشاركة ضباط أمن سعوديين، وأنشأ هؤلاء مركزاً مهمته تأهيل المرشحين لنيل الجنسية البحرينية، كالتدريب على اللهجة البحرينية وتعليم النساء على إعداد المأكولات البحرينية وتعليمهم أسماء المناطق والشوارع والقرى، وغيرها من المعلومات التاريخية والجغرافية عن المملكة، بالإضافة إلی حقنهم بأفكار الولاء المطلق للنظام.
والتجنيس لا يقتصر على السوريين النازحين، بل يشمل منذ فترة طويلة العراقيين والسعوديين بتشجيع مباشر من المخابرات السعودية وتعدَّاهم أيضاً ليشمل عمالاً أجانب، وخصوصاً من بنغلادش والهنود السنَّة بحيث يُقدَّر إجمالي عدد من تمَّ تجنيسهم من عرب وأفارقة وآسيويين بنحو مئة ألف مع وجود خطَّة لمضاعفة هذا العدد لإحداث التوازن المذهبي مع المواطنين الأصليين الذين يشكِّلون الشريحة الأكبر من أبناء البحرين.
رغم كل هذه الممارسات، والمماطلة في محاكمة الشيخ السلمان وإبقائه موقوفاً، أطلَّ أحد مساعديه منذ أيام، وأكَّد على الإنتماء المواطني البحريني ورفض المعارضة مذهبة الحراك السلمي، وقال أن الخلاف ليس مع الأخوة البحرينيين السنَّة على الإطلاق، بل مع مجموعات من البلطجية المجنَّسين الذين تستخدمهم السلطات البحرينية "للتحرُّش" بالتجمُّعات السلمية واستفزازها، مما سوف يرتدُّ سلباً على السلطة الحاكمة وليس على الشعب.
إن الخسائر المادية الناجمة عن عدم الإستقرار السياسي في البحرين، وخسارة المنامة للموقع الأول الذي كانت تحتله على المستوى المالي وأنشطة البورصة والإستثمارات، والذي اختطفته منها إمارة دبي عن جدارة، هذه الخسائر إذا كانت تعوِّضها المملكة السعودية حالياً لإبقاء العرش البحريني صامداً، فإن الإهتزازات التي قد تنتج عن عدم الإستقرار الأمني، لن تردعها قوات "درع الجزيرة" أو سواها، لأن الثورة الشعبية قد تلامس أحمر الفلتان من الضوابط، والجمر الراكد تحت رماد القهر، قد يغدو حارقاً للعرش متى بلغ الشعب مرحلة الكُفر بالمواطنة، والفرصة ما زالت مُتاحة للسلطات البحرينية لعدم الدفع بالمعارضة مستقبلاً بأن يكون لديها نموذج عن معاناة صعدة اليمنية .