23-11-2024 03:59 AM بتوقيت القدس المحتلة

"داعش" واخواتها نسخة من عصابات الهاغانا والشتيرن والآرجون في الوحشية والعنف والإرهاب

يلاحظ المتتبع لسير تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية على الأرض، ميلاً كبيراً لديه نحو إحداث أكبر نوع من أنواع الرعب والإرهاب في نفس المتلقي.


طلال زغبي

يلاحظ المتتبع لسير تنظيم "داعش" وغيره من التنظيمات الإرهابية على الأرض، ميلاً كبيراً لديه نحو إحداث أكبر نوع من أنواع الرعب والإرهاب في نفس المتلقي، وهذا الأمر طبعاً ليس على اعتبار أن النفس الإنسانية بطبعها تواقة إلى هذه الممارسات السادية كما يعتقد بعضهم، بل لأن الأمر في حقيقته ينطوي على برنامج معين تقوم هذه الحركة بتطبيقه على الأرض كخطة عمل، فليس صحيحاً أن هذه الممارسات يراد من خلالها فقط معاقبة المخالفين لـ"داعش" دينياً أو مذهبياً على هذه المخالفة، بل المراد حقيقة على وجه التحديد وصم الدين الإسلامي أو مذهب معين منه وهو مذهب أهل السنة بهذه الصفة، وذلك وصولاً إلى إظهار الدين الإسلامي على أنه دين التوحش والعنف وعدم التعايش، على مبدأ أنه لا بدّ من إيجاد مصيبة على الأرض تنسي كل المصائب التي تقدّمتها، فأنت إذا أردت مثلاً أن تنسي المسيحيين على وجه الحقيقة أو الافتراض مشهد صلب السيد المسيح، عليك أن تروّج على سطح الأرض مشهداً يقوم به طرف آخر غير الطرف "الذي صلب المسيح" يمثل ما هو أفظع من هذا المشهد، وهذا طبعاً هو الأمر الذي يجعل المجموعات الإرهابية على اختلاف أنواعها تسوم المسيحيين أشدّ أنواع العذاب، فلا نستغرب مثلاً منها قيامها بجزّ رؤوس المسيحيين على هذا النحو البشع والمقزز.

ما تقدّم كان على مستوى محو الصورة الحقيقية لما قام به اليهود أصلاً من "صلب للسيد المسيح" عليه السلام، أما على مستوى الهدف فهو هدف تاريخي يسعى اليهود لتحقيقه وهو الانتقام من كل الأعراق الموجودة في المنطقة، والتي يمتدّ بها التاريخ إلى العهد الأول الذي حدث فيه السبي البابلي، فهناك حقد يهودي على كل ما يذكر بهذا السبي، والآشوريون والبابليون الذين هم مسيحيون الآن هم ورثة هذه الحضارة، لذلك لا بدّ من تدمير كل ما يمت بصلة إلى هذه الحضارات التي تثبت بشكل أو بآخر ضعف حجة اليهود في أنهم شعب الله المختار، وبالتالي لا بدّ من إلغاء كل ما يدل على عدم أحقية الشعب اليهودي الحالي بهذه الصفة، فمن هنا كان ارتكاب المجازر والفظائع بحق المسيحيين عموماً الموجودين في هذه المنطقة عملاً ممنهجاً لتفريغ المنطقة من الوجود المسيحي الذي يسقط أساساً فرضية شعب الله المختار تاريخياً، وذلك من خلال إجبارهم على الهجرة إلى أوروبا وقد لاحظنا الدعوات الأوروبية لهجرة المسيحيين إلى أوروبا بالتزامن مع ممارسات العصابات الإرهابية نحوهم.

وطبعاً لا يخرج تدمير الآثار في بلاد الشام والعراق التي هي معالم تاريخية وحضارية بالنتيجة عن الهدف ذاته الذي هو إلغاء التاريخ بوصفه يكذب الرواية التوراتية السابقة.

وإذا عقدنا في هذا السياق مقارنة بين ما قامت به العصابات الصهيونية في فلسطين المحتلة منذ بداية الاحتلال حتى الآن، وما تقوم به العصابات الإرهابية في المنطقة العربية حالياً، نجد أن "داعش" و"النصرة" و"جيش الإسلام" وغيرها من التنظيمات الإرهابية، ما هي إلا نسخة من عصابات الهاغانا والشتيرن والآرجون في الوحشية والعنف والإرهاب، حيث بثت هذه العصابات زمن الاحتلال أفظع المشاهد الإرهابية لإجبار الفلسطينيين على الهجرة وكذلك فعلت "داعش" وغيرها، ولكن التفوق يظهر طبعاً في توفر التكنولوجيا التي مكنت "داعش" من عرض هذه المشاهد بوجود "هوليود" والمؤثرات الصوتية والضوئية، بينما لم يكن ذلك ممكناً للعصابات الصهيونية.

ولكن لماذا تعمد هذه التنظيمات إلى إبراز الطابع السادي لهذه المشاهد، هل هو طبيعي بالقياس إلى ظروفها وواقعها، أم هو عمل ممنهج لغاية ما؟.
نعتقد أن علماء النفس وعلماء الجريمة يجمعون في هذا السياق على أن إظهار الطابع السادي لهذه المشاهد هو عمل مبرمج، ولا يمكن أن يكون صنيع هذه الجماعات بحدّ ذاتها، بل هناك من يرسم لها خط السير ويختار لها الطريقة التي تمثل فيها بضحاياها، وهذا الأمر إذا كان فعلاً كما نرى، فإنما يراد منه البلوغ بواقع المنطقة النفسي مجتمعة إلى مرحلة ينعدم فيها التعايش بين مكوناتها، للوصول بها إلى حالة من التناحر لا تنقضي بعشرات السنين وربما بمئات السنين، وهذا بالنتيجة لا يخدم سوى هدف واحد هو إبقاء جوار "إسرائيل" في حالة دائمة من التناحر تجعلها في مأمن من الارتداد نحوها، بل تجعلها عملياً مايسترو جوقة التناحر في المنطقة توجهها كيف تشاء.
 

talalyaser1@gmail.com



موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه