23-11-2024 05:37 AM بتوقيت القدس المحتلة

شباب أميركيون ابتكروا «قبعة إخفاء» تفيد «داعش» ونشطاءها الرقميين

شباب أميركيون ابتكروا «قبعة إخفاء» تفيد «داعش» ونشطاءها الرقميين

في قصة «طاقيّة الإخفاء» الشبكيّة، فإن البداية جاءت مع «الربيع العربي». وحينها تنبّه خبير المعلوماتيّة الأميركي الشاب أوغست غيرمار إلى معاناة المعارضين العرب من سطوة الحكومات وسيطرتها على الانترنت.

مع تذكّر أن مجموعات كثيرة من متمرسي «داعش» في التقنيّات الإلكترونيّة تأتي من دول الغرب، بما فيها الولايات المتحدة التي تصنع فيها «طاقيّة (قبعة) الإخفاء» الإلكترونيّة، يكون قسم كبير من الصراع بين «داعش» والتحالف، يجري على أراضي دول التحالف نفسها.

أحمد مغربي/ جريدة الأخبار

شباب أميركيون ابتكروا «قبعة إخفاء» تفيد «داعش» ونشطاءها الرقميينبقول آخر، في الشرق يدور الصراع بين دول «التحالف الدولي» و«داعش»، بالطائرات والسكاكين والمدافع، وفي الغرب يتخذ شكل ملفات إلكترونيّة وضربات على الانترنت، و... تسوّق لأدوات مبتكرة ربما يكون من شأنها إحداث فارق في موازين القوى الشبكيّة.

ربما يبدو الأمر كأنه مفارقة، لكن وقائع السياسة والابتكار مملوءة بالمفارقات والتناقضات. ولذا، ربما لا يكون غريباً أن يظهر في دول الغرب المتقدّم تكنولوجيّاً، أدوات ربما تساعد «داعش» في حربها ضد جيوش ذلك الغرب عينه. وفي الآونة الأخيرة، ابتكر شباب أميركيون أداة تقنيّة من المستطاع وصفها بأنها «طاقية إخفاء» للنشاطات الشبكيّة، وربما ساعدت «داعش» في وقت تكرّس فيه جهود ضخمة لملاحقة ذلك التنظيم ومؤيّده على الانترنت. على رغم أن ذلك الابتكار أميركي بامتياز، كحال معظم ما يتعلق بالانترنت، إلا أنه من وحي «الربيع العربي» وإلهامه، وفق ما يصرح به صنّاعه الشباب في أميركا.

إبحث عن «الربيع العربي»

في قصة «طاقيّة الإخفاء» الشبكيّة، فإن البداية جاءت مع «الربيع العربي». وحينها تنبّه خبير المعلوماتيّة الأميركي الشاب أوغست غيرمار إلى معاناة المعارضين العرب من سطوة الحكومات وسيطرتها على الانترنت. ولاحظ أن نشطاء ذلك الحراك العربي الذي انطلق في أواخر العام 2010، يعانون من سهولة تعرّف الحكومات الى شخصياتهم، ما يعرضهم للملاحقة، كما يسهّل إجهاض التحرّكات التي كانوا يستفيدون من الانترنت في تنظيمها.

وبشكل مقصود تماماً هذه المرّة، كان تفاعل غيرمار مع «الربيع العربي» هو التفكير في صنع أداة تمكّن نشطاء ذلك الحراك من تجنب انكشاف شخصيّاتهم على الانترنت، ما يحميهم من بطش السلطات الحاكمة.

في ذلك الوقت، كان ثمة برنامج يعطي ذلك الخفاء على الانترنت. حمل برنامج التخفي الشبكي إسم «تور» Tor، وما زال من أشهر برامج التنقل الخفي على الشبكة العنكبوتيّة، مع وجود تفاوتات ضخمة في استخداماته، بين من يستعمل لغايات إجرامية وبين من يستخدمه للهرب من سطوة الطغاة.

وعمد غيرمار إلى الاستفادة من الفكرة الأساسيّة في التخفّي الذي يقدّمه برنامج «تور»: توزيع حركة الأفراد على آلاف من الخوادم («سيرفر» Server) ما يخفي هوية الأصل، ويجعل تتبعه عسيراً على نظم الملاحقة الإلكترونيّة وبرامج تحليل التحرّكات على الـ»ويب». الطريف أن الإسم الأصلي لبرنامج «تور» هو «أونيون راوتر» Onion Router، وهي تعني «المحوّل- البصلة»، ما يعني أن أصل «طاقيّة الإخفاء» كان من البصل، مع الاعتذار من بيت الشعر الشهير لإبن الوردي «ما ينبت النرجس إلا من بصل».

وبعد سنوات من الجهد، توصّل غيرمار إلى صنع «طاقيّة الإخفاء»: جهاز صغير للاتّصال بالانترنت يحمل إسم «آنونا بوكس» Anonabox. وعلى غرار برنامج «تور» وكثير من برامج التخفّي الإلكتروني، يعمل «آنونا بوكس» بواسطة برامج مفتوحة المصدر «آوبن سورس» Open Source، ما يمكّن المبرمجين الأفراد من التحكّم به كي يتأقلم مع ظروف عملهم.

الثورات العربيةوتتعامل «آنونا بوكس» مع كافة أنواع المحتوى والاتصال عبر الانترنت، بما في ذلك نقل المواد إلى الـ»ويب» عبر موجات الـ»واي- فاي». وتتحكّم بتلك المواد عبر نشرها على آلاف المحوّلات، بواسطة برنامج «تور» وشبكاته. ويكفي وضع كابل الانترنت في صندوق «آنونا بوكس»، كي يصبح جاهزاً لأداء عمله في التنكّر والتخفّي وإخفاء شخصية المتحرك على ألياف الانترنت.

في منحىً تقني محض، ربما يجدر لفت الأنظار إلى أن هناك أجهزة أخرى تشابه «آنونا بوكس» («توروتر» Torouter و»بورتال» Portal و»سايف بلآغ» Safeplug و»بوغو بلآغ» Pogoplug )، لكنها أقل أمناً، وبعضها أضخم حجماً وكلها أكثر كلفة، من «آنونا بوكس».

هناك بحّاثة من جامعة «برنستون» لفتوا إلى أن جهاز «آنونا بوكس» قابل للإختراق عبر برنامج للـ»هاكرز» يحمل إسم «كروس- سايت رِكوِست فورجِري» Cross-Site Request Forgery. وردّ غيرمار على ذلك النقد بالإشارة إلى أن جهاز «آنونا بوكس» يعتمد على البرامج المفتوحة المصدر، ما يعني أن من المستطاع تعديل شيفرة عمله بطريقة تجعله منيعاً على اختراقات الـ»هاكرز» وبرامجهم.

ربما من المهم أيضاً انتظار رأي «وكالة الأمن القومي» في جهاز «طاقيّة الإخفاء» الشبكيّة التي تبدو متعارضة كليّاً مع ما تمارسه تلك الوكالة من تجسّس إلكتروني شامل على الانترنت والاتصالات والشبكات. ماذا يكون رأي الحكومات في ابتكار «آنونا بوكس»، خصوصاً حكومات الشرق الأوسط التي لا تملك مؤسّسات متمرسّة في التعامل مع الانترنت والاتصالات المعاصرة، على شاكلة «وكالة الأمن القومي» الأميركية، ولا تحوز مجموعات متخصّصة في اختراق الشبكات على غرار ما تفعله حكومات الصين وروسيا؟ مجرد سؤال، ربما يظهر بعض ملامح إجابته في سياق الحرب على «داعش».