24-11-2024 08:08 AM بتوقيت القدس المحتلة

الصين وأفغانستان: هل تنجح بكين حيث فشل الآخرون؟

الصين وأفغانستان: هل تنجح بكين حيث فشل الآخرون؟

هل صحيح ان المواقف العالمية بدأت تتغير تجاه حركة «طالبان» الأفغانية، مع تزايد نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية»؟

 

 

عفيف رزق


هل صحيح ان المواقف العالمية بدأت تتغير تجاه حركة «طالبان» الأفغانية، مع تزايد نفوذ تنظيم «الدولة الإسلامية»؟ وهل صحيح أن الولايات المتحدة كانت قد رفضت، في نهاية كانون الثاني الماضي، اعتبار الحركة إرهابية؟ وهل صحيح ايضاً ان امبراطورية «الوسط» الصينية ترى أن لديها اوراقاً رابحة، فتجيب على تساؤلات كهذه وتنجح في ترسيخ الاستقرار في أفغانستان؟ علماً أن الأخيرة كانت قد أرغمت الامبراطورية البريطانية على دفن طموحاتها في القرن التاسع عشر، وأرغمت أيضاً الامبراطورية السوفياتية أن تسحب قواتها في ثمانينيات القرن الماضي بعد هزيمة مذلّة، في حين أن الامبراطورية الاميركية لم تحصد الا الخيبة بعد حرب دامت 13 عاماً قضتها في آتون حروب عرفت كيف تبدأها، لكنها ما زالت، حتى الآن تفتش عمن يُساعدها لإنهائها، فهي أعلنت أنها ستسحب قواتها في نهاية العام 2014، إلا أن وزير دفاعها الجديد اشتون كارتر، وخلال زيارة مفاجئة لكابول، العاصمة الافغانية، في 21 شباط 2015، اعلن أن الولايات المتحدة تفكر جدياً في إبطاء وتيرة سحب قواتها من أفغانستان.

في هذه الأثناء، كانت الصين تُسجل خطوة اعتبرها المراقبون نادرة، تمثلت بقيام عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني تشويونغ كانغ، والمسؤول الاول عن الامن الداخلي الصيني والمكلف بقمع بعض الحركات الدينية و «الارهاب» والنزاعات الانفصالية، بزيارة في اواخر ايلول الماضي، الى العاصمة الافغانية للتوقيع على عدد من الاتفاقيات الاقتصادية والأمنية، بما في ذلك اتفاق للمساعدة على تدريب وتمويل وتجهيز الشرطة الافغانية التي يفوق عدد أفرادها 194 الف عنصر.

يرى المهتمون بالعلاقات الافغانية ـ الصينية منذ تدشين التبادل الدبلوماسي بين البلدين في العام 1955، أن هذه العلاقات تعرّضت لحقب من الوفاق وأخرى من التوتر، وذلك بحسب من كان يسيطر على السلطة في كابول. ففي خمسينيات وستينيات القرن الماضي، سادت هذه العلاقات أجواء تعاون وثقة متبادلة في ظل حكم محمد ظاهر شاه، برغم الخطاب الراديكالي لنظام ماوتسي تونغ في بكين، إلا ان هذه الحقبة بدأت بالانتكاس والتراجع مع حدوث الغزو السوفياتي لأفغانستان العام 1979. ثم ازدادت انهياراً في ظل حكم المجاهدين وحركة «طالبان». وتجدر الإشارة الى ان قادة البلدين كانوا قد تبادلوا الزيارات، بُعيد التبادل الدبلوماسي لدى قيام رئيس الوزراء الصيني العام 1957 في تلك الفترة، تشو اين لاي، بزيارة كابول، والتقى الملك ظاهر شاه وبعض المسؤولين الافغان الآخرين. وبعد بضعة أشهر كان محمد داوود خان رئيس الوزراء الافغاني يزور بكين للتوقيع على اتفاقيات تستهدف تعزيز العلاقات البينية وتوطيد اركانه،. إلا أن اللافت خلال هذه العلاقات الجيدة، ان عملية ترسيم الحدود المشتركة، وهي غير طويلة اذ لا يتجاوز طولها الـ 76 كيلومتراً، لم تتم. وتسوية النزاع حول ممر داخان الخاضع للسيطرة الافغانية ويقع بين ولاية باداخشان وإقليم شينغيانغ الصيني لم يُحسَم إلا العام 1963. وتوجت هذه العلاقات الجيدة اول زيارة ملكية افغانية للصين العام 1964، تم التوقيع على أثرها على اول اتفاقية للتعاون الاقتصادي والتكنولوجي والثقافي بين البلدين.

لم تتأثر العلاقات الصينية ـ الأفغانية بالتطورات التي شهدتها الساحة الأفغانية، حيث وقع الانقلاب العام 1973 بقيادة محمد داوود، وأدى الى تحويل افغانستان الى جمهورية فاعترفت بكين بالوضع الجديد، إلا أن الانقلاب الشيوعي العام 1978 بقيادة قائد سلاح الجو العميد عبد القادر، الذي حوّل افغانستان الى جمهورية شعبية ديموقراطية، لم تعترف به بكين. وأُعتبر غلطة ارتكبتها القيادة الصينية، أدّت الى ارتماء القادة الافغان الجدد في حضن موسكو. وبدأ التدهور في العلاقات بين البلدين. اما الضربة القاصمة التي دمرت جسور الثقة والتعاون والتفاهم بين الصين وأفغانستان، فقد جاءت في كانون الاول 1979، الذي شهد غزو الاتحاد السوفياتي لأفغانستان. تلا ذلك ظهور الفصائل الجهادية المقاومة للسوفيات انطلاقاً من الاراضي الباكستانية وبدعم أميركي وغربي وإسلامي. وكان من نتائج هذه التطورات تقليص مستوى العلاقات الصينية ـ الافغانية الى مستوى قائم بالأعمال ثم إغلاق السفارة. وحين شهدت افغانستان حرباً أهلية بين فصائل المجاهدين، وتسلمت بعدها السلطة حركة «طالبان» في العام 1996، اتهمت بكين طالبان بدعم المتمردين والانفصالين الاسلاميين في إقليم شينغيانغ الصيني، فتوترت العلاقات. ولم يعد الدفء اليها الا بعد طرد حركة «طالبان» من السلطة في مطلع هذا القرن. ورأت بكين، استناداً الى التجارب السابقة والاوضاع الجديدة، ان من واجبها ومقتضيات مصالحها الاستراتيجية ان تدعم حكومة الرئيس حامد كرزاي، فتسارعت وتيرة زيارات المسؤولين الافغان الى العاصمة الصينية التي شملت زيارة كرزاي الى بكين العام 2002، ولقاءه نظيره الصيني جيانغ زيمين، وزيارة نائب الرئيس في العام التالي. كما قام وزير الخارجية عبدالله عبد الله بالعديد من الزيارات ما دفع بكين إلى إعادة فتح سفارتها في كابول، وإلى التزامها باحترام حدود الاراضي الافغانية وسيادتها ووحدتها.

هكذا، ومع اقتراب انسحاب القوات القتالية التابعة لـ«حلف شمال الأطلسي» من أفغاتستان التي تُعتبر من الدول الحبيسة، أي تلك التي تفتقد منفذاً بحرياً ما يُحتم عليها أن تقيم علاقات مميزة مع جيرانها وأن تصبح مسرحاً متوقعاً لصراع نفوذهم، جرت في حزيران 2014 انتخابات رئاسية فاز بها محمد أشرف غني احمد زاي، الذي ينتمي الى قبيلة «احمد زاي» كبرى قبائل البشتون الذين يشكلون غالبية سكان أفغانستان، علماً أن انتقال السلطة في افغانستان جرى بهذه الطريقة السلمية والديموقراطية لأول مرة، وقد أدى الرئيس الجديد اليمين الدستورية في 29 ايلول الماضي.

بعد هذا العرض، لا بد من السؤال التالي: هل تستطيع الصين النجاح حيث فشل الآخرون؟

للإجابة عن هذا السؤال، لا بد من استعراض مواقف القوى الفاعلة على الساحة الأفغانية، وتأتي في طليعة هذه القوى أولاً الصين. بداية، لم يتغير موقف القيادة الصينية من حكام افغانستان الجدد. وبرغم الاضطرابات الامنية المحدودة، فإن الفرق الصينية العاملة ما زالت تنفذ التزاماتها. فالمجموعة الصينية للتعدين التي تملكها الدولة، تدير عملية بحجم ثلاثة مليارات دولار في منجم «إيناك» للنحاس، في اقليم لوجار الشرقي. ويُعد هذا المنجم، الذي يبعد 35 كيلومتراً عن العاصمة، أحد أكبر مصادر النحاس في العالم. اذ يقدر حجم المعدن فيه بنحو 11 مليون طن، علماً أن هذه المجموعة تعرّضت لهجوم بالصواريخ ولم توقف العمل. كما ان هناك فرق عمل أخرى تعمل في حقول النفط الخام والحديد واليورانيوم ومعادن أخرى تقدر بمليارات الدولارات. وبموجب الاتفاقات المعقودة بين البلدين، فإن بكين رصدت مليارات الدولارات كمساعدات للحكومة ولتدريب آلاف الأفغان خلال السنوات الخمس المقبلة، وايضاً لبناء طرق سريعة في مختلف انحاء البلد ومحطات للطاقة الكهرومائية لتصدير الكهرباء الى باكستان، وتمويل سكة حديد تصل شامان الواقعة في جنوب شرق افغانستان بقندهار. في آخر زيارة له لأفغانستان في 28 تشرين الاول الماضي واجتماعه بالرئيس الافغاني الجديد، قال الرئيس الصيني شي جينبينغ: إن بلاده «تدعم سعي افغانستان للاستقلال الوطني والسيادة وسلامة الاراضي»، مضيفاً أن كابول تدعم بقوة تصدي الصين للإرهاب، ولن تسمح بأن تُستخدم أراضيها لأي أنشطة إرهابية تستهدف الصين. وهذا يعني أن افغانستان لن تسمح بتنقل المتمردين والانفصاليين الإيغور في إقليم شينغيانغ، من هذا الاقليم الى افغانستان، ولن تسمح بمرور المساعدات الى هؤلاء الثوار عبر أراضيها.

الطرف الثاني الفاعل على الساحة الأفغانية هو «حركة طالبان». لقد حاولت القوى العالمية بث الحياة في محادثات السلام على مدى سنوات، لكن جهود ضم «طالبان» إليها فشلت مراراً، لكن بعد تحسين العلاقات بين افغانستان وباكستان، تغيّر وضع «طالبان» من التفاوض، فقائد الجيش الباكستاني راحيل شريف قام بزيارة مهمة الى كابول في اواخر شباط 2015، حاملاً رسالة مفادها أن «طالبان» مستعدة للتفاوض مع افغانستان مباشرة، الأمر الذي لطالما أمله الشعب الافغاني وتعتبره الحكومة الأفغانية حلاً وحيداً للمعضلة الامنية الافغانية. ومن جهة أخرى، فان حركة «طالبان» شددت على انها لن تتفاوض مع الولايات المتحدة، في حين انها رحبت بالوساطة الصينية باعتبار ان سياسة بكين لا تدخلية. وبحسب هوشيشانغ، وهو خبير في المعهد الصيني للعلاقات الدولية، ومقرب من الحكومة الصينية، فعلى «عكس المبادرات السابقة، ليست حركة «طالبان» ضد التوسط الصيني»، بل تتمنى الحركة على الصين ان تلعب دوراً فعالاً لإعادة السلام الى افغانستان.

يبقى ان نشير الى الولايات المتحدة التي كانت ترغب في سحب قواتها من افغانستان، عادت عن هذا الموقف، كما أشرنا سابقاً، وفضلت في الوقت الراهن انتظار التطورات على الساحة الأفغانية. واخيراً، هناك فاعلون آخرون كالهند وروسيا وغيرهما من بلدان المنطقة، لكنهم لا يستطيعون عرقلة أي حل يتفق عليه الآخرون. هكذا يبدو الناشط الأقوى والمقبول من دول المنطقة هو الفاعل الصيني، الذي يتجنب في العادة التدخل في الشؤون المحلية، ويعمل جاهداً لاستغلال الثروات الطبيعية في حقول التنمية، وهذا ما تزخر به افغانستان وجيرانها.


http://assafir.com/Article/18/406079

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه