فجأة، بعد ثماني سنوات من القطيعة، أرسلت عمّان وزير الخارجية، ناصر جودة، في زيارة وصفها مصدر رسمي بأنها «بروتوكولية وودّية»، إلى طهران، حاملاً عدة رسائل، مضمونها الرئيسي هو الاتجاه إلى «إدارة الاختلافات في الرؤى والمواقف
ناهض حتر
فجأة، بعد ثماني سنوات من القطيعة، أرسلت عمّان وزير الخارجية، ناصر جودة، في زيارة وصفها مصدر رسمي بأنها «بروتوكولية وودّية»، إلى طهران، حاملاً عدة رسائل، مضمونها الرئيسي هو الاتجاه إلى «إدارة الاختلافات في الرؤى والمواقف، بإيجابيّة، وعبر الآليّات التوافقيّة، لضمان أمن واستقرار المنطقة، وحماية مستقبل شعوبها، وتجنيبها المزيد من عوامل الاضطراب وعدم الاستقرار».
الدعوة الإيرانية لوزير الخارجية الأردني، ظلت في أدراجه، منذ أيار 2013، حين بادر الوزير علي أكبر صالحي، إلى زيارة عمّان لافتتاح المبنى الدائم لسفارة الجمهورية الإسلامية. في تلك الزيارة، كان لقاءا صالحي بالملك ورئيس الوزراء، عبدالله النسور، بروتوكوليين حقا، خرج منهما الرجل، الذي يرأس الآن وكالة الطاقة الذرية الإيرانية، بانطباعات إيجابية؛ في حين تم إسناد مهمة «تظهير الخلافات»، إلى جودة الذي بدا، في مؤتمر صحافي مع ضيف رسمي رفيع المستوى، مقاتلاً وهابياً؛ فطرح ملفات «الجزر الإماراتية» و»دور طهران في البحرين» و»اعتراضها عملية السلام مع إسرائيل»، بل وطالب، علناً، بتوضيح «التهديدات التي أطلقها قياديون في الحرس الثوري» إزاء أي تدخّل أردني في سوريا.
الحرس الثوري الآن، يرابط على مسافة بضعة كيلومترات من الحدود السورية ــــ الأردنية. وهو ــــ كما الجيش السوري وحزب الله ــــ مشغول بتصفية الجيب الإرهابي العميل لإسرائيل في الجولان وغربيّ درعا، بينما لم تقترب قوات حلف المقاومة من شرقي المدينة، حيث توجد المجموعات المسلحة المرتبطة بعمّان، كما أن هذه المجموعات بقيت، باستثناءات محدودة، في منأى عن القتال الدائر في المنطقة. أتكون هذه بداية للتفاهم على ترتيبات مصالحة محلية، تسمح بإعادة سيطرة الحكومة السورية على الشريط الحدودي مع الأردن، بما ينسجم مع «روح التوافق» الجديدة لدى السلطات الأردنية؟
الرئيس حسن روحاني، أدلى، لدى استقباله جودة واستلامه رسالة من الملك عبدالله الثاني، بتصريحات غير مسبوقة، إيرانيا، في امتداح المملكة. وفي اللقاء المطوَّل بين وزيريّ خارجية البلدين، استمع محمد جواد ظريف إلى خطاب أردني جديد، مشوب بالتذكير، مراراً، بأن الملك الأردني هو «عميد آل البيت» الملتزم نهج «مكافحة الأفكار المتطرفة، ونبذ التعصّب وإثارة الفرقة بين مكوّنات الأمة الإسلامية، والتنوير والانفتاح واحترام التنوّع والحوار».
من الأدراج أيضاً، أخرج وزير الخارجية الأردنية، وثيقة رسمية هي «رسالة عمّان،» التي سبق إقرارها في اجتماع واسع للعلماء المسلمين من كل المذاهب، في العام 2005، وأقرها شيخ الأزهر وآية الله علي السيستاني معا، وتنص على «أنّ كل من يتّبع أحد المذاهب الأربعة من أهل السنّة والجماعة (الحنفي، والمالكي، والشافعي، والحنبلي) والمذهب الجعفري، والمذهب الزيدي، والمذهب الإباضي، والمذهب الظاهري، فهو مسلم، ولا يجوز تكفيره. ويحرم دمه وعرضه وماله». وينطبق ذلك على «الأشعرية والصوفية والسلفية الصحيحة»، و»كل فئات المسلمين، الملتزمة أركان الإسلام الخمسة وأركان الإيمان».
عمل الملك الأردني على تبني هذه الوثيقة بعد تسعة أشهر من تصريحه الذي لقي أصداء سلبية للغاية، حول «الهلال الشيعي». لكن ما لبثت السياسة الأردنية أن طوت صفحة هذه المبادرة التصالحية، في العام 2006، بعيد صعود نجم حلف المقاومة، إثر انتصار حزب الله على العدوان الإسرائيلي في حرب تموز، والتوتر المذهبي في لبنان، واشتعال الحرب المذهبية في العراق. إلا أن الانزلاق إلى سياسات جيوسياسية مذهبية، تعمق منذ 2011، في مرحلة ما سُمي «الربيع العربي» الذي بدا وكأنه إيذان بهيمنة الخليج الوهابي على العالم العربي.
اليوم، في ربيع 2015، بدأت تتضح ملامح نتيجة الصراع الدائر في المنطقة، لمصلحة حلف المقاومة. وهو ما تنبئ به التطورات في سوريا ولبنان والعراق واليمن والبحرين. وبينما تبتعد السعودية عن مصر، لصالح تركيا وقطر والإخوان، بما مؤداه تراجع الدور الأردني المستند إلى تحالف الرياض والقاهرة، تخشى عمّان من احتمالٍ يؤرّقها؛ وهو أن يضحي الأميركيون بالأردنّ لحساب حل إسرائيلي للقضية الفلسطينية، يكون تعويضا لتل أبيب عن تسوية الملف النووي الإيراني. لذلك، طرقت الدبلوماسية الأردنية ــــ البراغماتية والشديدة الحساسية للتحولات في السياسة الدولية والإقليمية ــــ باب طهران، للحصول على تأييدها في الآتي: (1) الدولة الفلسطينية على أرض فلسطين، (2) والأردن شريك أساسي في كل قضايا الحلّ النهائي، «بما فيها القدس واللاجئون والحدود والمياه والأمن»؛ في مسعى يشير إلى معطيات متوفرة، لدى المسؤولين الأردنيين، حول تبلور مناخ في الولايات المتحدة لعقد تسويات إقليمية كبرى، تبدأ، جميعها، بتفاهمات مأمولة مع إيران؛ فإذا حدثت تلك التفاهمات، ترنو المملكة إلى استرجاع «هوية هاشمية» مضادة للمذهبية والتكفير، ما يؤهّلها للبقاء لاعباً إقليمياً، ووسيطاً للمصالحة السنية ــــ الشيعية.
http://www.al-akhbar.com/node/227837
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه