مدة زمنية قصيرة جداً تفصل المواطنين في لبنان، تحديداً المستفيدين من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن دخول تطبيق الوصفة الطبية الموحدة حيز التنفيذ...
مدة زمنية قصيرة جداً تفصل المواطنين في لبنان، تحديداً المستفيدين من خدمات الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، عن دخول تطبيق الوصفة الطبية الموحدة حيز التنفيذ. قبل بلوغ هذه المرحلة، خضع اقرار هذه الوصفة للعديد من التجاذبات بين أطراف عديدة أهمها: نقابة الأطباء، نقابة الصيادلة، والصندوق الوطني للضمان الإجتماعي. لكل طرف منهم اسئلته وهواجسه ورؤيته الخاصة لسلبيات وايجابيات تطبيق هذه الوصفة، لكن من الممكن القول إن الصورة العامة لهذا القانون الجديد، الذي كان عرابه الأساسي وزير الصحة وائل ابو فاعور بالتعاون مع وزير العمل سجعان قزي، ايجابية الطابع اذا ما تم تطبيقه بطريقة صحيحة، في هذه الحالة فقط يكون المستفيد الأول: المواطن.
خلال سعيه لاقرار قانون الوصفة الطبية الموحدة، أكد وزير الصحة وائل ابو فاعور أن تطبيق الأخيرة سيؤدي إلى خفض فاتورة الدواء بنسبة 50%، مما ينعكس ايجاباً لجهة تخفيف الأعباء الملقاة على عاتق الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي، وعلى عاتق المواطن ايضاً، بما أن هذه الوصفة تمنح الصيدلي، وفقاً لما تنص عليه المادة 47 من قانون تنظيم مهنة الصيدلة، صلاحية استبدال الدواء الأساسي "Original"الذي يصفه الطبيب، بآخر "generique" من المفترض أن تكون له ذات الفعالية ولكنه بسعر أدنى، وذلك في حال ذكر الطبيب في الوصفة امكانية القيام بعملية الاستبدال. اضافة الى ذلك، فإنه من المفترض أن تساهم في الحدّ من الاحتكارات التي تمارسها شركات الأدوية بالاشتراك مع بعض الأطباء على حساب المريض.
لكن هذه الصورة الايجابية التي تعكسها الوصفة الطبية الجديدة دونها اسئلة وهواجس عدة : من هو الضامن لجودة أدوية "generique"؟ خصوصاً أن "الكثير منها غير موثوق طبياً، وهذا الكثير موجود في السوق اللبناني"، بحسب ما أكد الطبيب علي جعفر خلال حديث لموقع المنار. الأخير أوضح أنه بالرغم من أن وزارة الصحة أخذت على عاتقها منفردة مسؤولية ضمان جودة هذه الأدوية، "لكننا نعلم جميعاً أن هذا الأمر صعب التطبيق في لبنان الذي شهد أكثر من مرة فضائح عديدة على مستوى جودة الدواء". هنا لفت د. جعفر إلى أن "الاصلاح يجب أن يبدأ من الوزارة، من طريقة ادخال الدواء الى البلاد بعيداً عن الوساطات والمحسوبيات".
انتقالاً إلى موضوع الحد من الاحتكار القائم في لبنان من قبل بعض شركات الدواء، لا ينكر د. جعفر "وجود صفقة بين شركات الدواء وبعض الأطباء"، لكنه أكد في هذا الاطار أن الطبيب ليس وحده المسؤول عن الاحتكار القائم، وليس الطرف الوحيد في هذه الصفقة، مشيراً الى أن "العلاقة بين شركة الدواء والطبيب تبدأ من مجلس النواب مروراً بالوزارات، وتشمل الصيدلي الذي يحصل على عروضات مقابل اخذ دواء معين، هذا لن يتم معالجته الا بقرار جدي من وزارة الصحة لضبط كل هذه الأمور".
يوافق عضو مجلس نقابة الصيادلة حسن ناصر الدين على انعكاس الوصفة الطبية الجديدة بشكل ايجابي على الوضع الاقتصادي للمواطن، مؤيداً ما سبق أن أشار اليه نقيب الصيادلة في لبنان ربيع حسونة بأن هذا الأمر "يعود بالخسارة على الصيادلة، لكونهم مطالبين بصرف الدواء الأقل سعراً". في حديث لموقع المنار، نسأل ناصر الدين عن الضمانة لعدم عقد صفقات مشبوهة بين شركات الدواء والصيادلة، يجيب "المسؤولية في ذلك ملقاة على وزارة الصحة، عندما يدخل دواء معين بكميات كبيرة الى لبنان، هذا يعني أن هناك توجه من وزارة الصحة لاعتماد هذا الدواء".
كما يرى ناصر الدين أن هناك مسؤولية تقع على عاتق الضمان لجهة "مراقبة موضوع تكرار وصف طبيب لدواء معين دون ذكر عبارة أنه بالإمكان تبديل هذا الدواء، وهنا للوقوف بوجه الصفقات التي تتم بين شركات الأدوية والطبيب نفسه".
سؤال آخر يحضر أثناء الحديث مع ناصر الدين: ما الذي يضمن أن يكون الشخص المتواجد في الصيدلية هو حقاً صيدلي، خصوصاً أن هذه ظاهرة موجودة في لبنان؟ هل سيستطيع هذا الشخص الذي لا يحمل شهادة الصيدلة تشخيص الدواء المناسب للمواطن؟ يقرّ العضو في مجلس نقابة الصيادلة بوجود هذه المشكلة وبخطورتها، مؤكداً أن النقابة تقوم منذ فترة بعملية تفتيش بالتعاون مع وزارة الصحة لضبط هذا الأمر، "لكن هذا ليس سهلاً في ظل كثرة الصيدليات في لبنان، مما يتطلب جهداً أكبر منا ومن الوزارة". ويلفت ناصر الدين إلى أن الوصفة الطبية الموحدة باتت تفرض على الصيدلي التواجد في الصيدلية، لأن أي خطأ يحدث مع أي مريض سيعرض مهنته للخطر.
العبرة في التطبيق، ودون هذا التطبيق مما لا شك فيه صعوبات عديدة، هي نفسها افقدت الكثير من القوانين الجيدة في لبنان فعاليتها وانعكاسها الايجابي على مصلحة المواطن. من الضروري الالتفات إلى هذه العقبات، قبل أن تصبح الوصفة الطبية الجديدة مجرد ورقة، وفي هذا مسؤولية تقع على عاتق الدولة والطبيب والصيدلي.