الوهابية وبقدرة المال السعودي ، تمكنت أن تزرع في العالم العربي آلالاف من رموز التخلف والانحطاط والعنف والتطور ، ورسمت حولهم هالة اعلامية والصقت بهم عناوين علمية كالداعية والدكتور
لم تواجه الأمة الإسلامية على مدى تاريخها الطويل خطرا أنهك قواها، وفتت عضدها وشتت جمعها ، وشوه صورتها ، وأضحك الشعوب عليها ، كخطر الوهابية التي خرجت من رحم الجهل والتخلف والحقد والتطرف ، فكانت سلاحا فتاكا بيد الاستعمار البريطاني ومن ثم الاميركي ، استخدمه وبشكل بشع ضد كل حركات التحرر العربي والاسلامي على مدى قرن من الزمن ، فكان أحد اسباب استمرار وديمومة حياة الكيان الصهيوني وتغوله.
الكوارث التي ألحقتها الوهابية بالامة الاسلامية ، باتت تهدد هذه الامة كوجود ، وما يجري اليوم في العديد من الدول العربية والاسلامية على يد المجموعات التكفيرية الوهابية امثال القاعدة و"داعش" و "النصرة" و "بوكو حرام" و "انصار الشريعة" و "انصار بيت المقدس" و "جند الله " و "جند العدل" و .. تؤكد هذه الحقيقة ، بعد أن كشفت تطورات الاوضاع في سوريا والمنطقة ، عمق العلاقة التي تربط هذه الزمر الوهابية التكفيرية بالصهيونية العالمية ، وهي علاقة كانت الوهابية ترفض الاعتراف بها حتى الامس القريب.
القاسم المشترك بين جميع هذه المجموعات الوهابية ، هو كرهها وحقدها على الحضارة وعلى كل شيء يرمز اليها ، وهي صفة تشترك بها مع الصهيونية وحقدها على التاريخ الاسلامي وتاريخ شعوب المنطقة برمتها ، فالجرائم التي ترتكبها "داعش" في العراق ، كما حصل في متحف الموصل ومدينة الحضر ومدينة النمرود ووخورسباد ، ضد أقدم آثار عرفتها الانسانية على وجه البسيطة ، تحت ذرائع تضحك الثكلى ، تؤكد أن الوهابية لا تحارب حاضر المسلمين فقط، بل تعمل على محو الذاكرة الجمعية للمسلمين ، وتحويلهم إلى شعوب بدون ذاكرة ولا جذور ، ومثل هذه الفظاعات ارتكبتها الوهابية من قبل وبشكل أبشع واشرس عندما ساهمت في تأسيس المملكة العربية السعودية.
من حق الانسان العربي والمسلم أن يتساءل عن أسباب انتشار الفكر الوهابي ، رغم تناقضه مع الفطرة الإنسانية والحياة والثقافة والعلم والتطور، في المجتمعات الإسلامية، لاسيما العربية ، فمن غير المعقول أن تنطلق شعوب العالم إلى الأمام تسابق ركب الحضارة ، وهي تكتشف كل يوم عقارا يمكن أن يعالج مرضا مستعصيا ، وجهازا يمكن أن يسهل على الانسان الحياة ، وكوكبا ومجرة تكشف للانسان اسرار الكون والحياة ، بينما العرب والمسلمون يتقاتلون ويذبح بعضهم بعضا ، بدفع من الوهابية ، لمجرد أن اختلافهم على تفسير أو فهم آية او حديث ، او اختلاف نظرتهم الى شخصية ما او حدث تاريخي ، بل يقتلون بعضهم بعضا لاسباب ابسط من هذه بكثير ، بينما الجميع يدعي انه جاء لنصرة الاسلام؟.
الكثيرون ردوا على هذا التساؤل الخطير، ورغم أن الاجابات طويلة ومتشعبة إلا أن بالامكان اختصارها بالشكل التالي : أن أهم أسباب الوضع المزري الذي تعيشه الشعوب العربية هي انتشار الجهل والفقر، فالجهل والفقر يوفران بيئة مثالية جدا لانتشار الوهابية ، فهذا الفكر المتخلف الكارثي لا يمكن أن يعيش خارج الجهل والفقر، فهو يتنفس بهما ، وقد نجحت السعودية في نشر هذا الفكر الظلامي بما تملكه من امكانيات مالية ضخمة ، لذلك يعتبر المال الذي تقدمه السعودية لبعض الدول الفقيرة بوابة لتسلل الوهابية الى تلك البلدان.
الوهابية وبقدرة المال السعودي ، تمكنت أن تزرع في العالم العربي آلالاف من رموز التخلف والانحطاط والعنف والتطور ، ورسمت حولهم هالة اعلامية والصقت بهم عناوين علمية كالداعية والدكتور، بينما هم أبعد من هذه العناوين سنين ضوئية ، لا هم لهم سوى نشر الجهل والتخلف والتعصب والحقد والعنف والكراهية ، ويمكن أن نشير في مقالنا هذا الى نموذج من هذه النماذج التي تثير الغثيان لشدة جهلها وتخلفها.
في الوقت الذي صُدم العالم للجريمة البشعة التي ارتكبتها "داعش" في العراق ضد تراث الانسانية جمعاء ، يخرج علينا داعية ودكتور واستاذ !! من الذين زرعتهم الوهابية بيننا ، لا يستنكر جرائم "داعش" ولا حتى كرمنا بسكوته ، نراه يدعو الى هدم ابو الهول والاهرامات في مصر!! لانه يعتقد أن إزالة الأصنام والأوثان ضرورة شرعية.
فقد نقلت صحيفة الوطن الكويتية في عددها الصادر الاثنين 9 اذار / مارس عن هذا الداعية الدكتور واسمه ابراهيم الكندري قوله "التعلل بأن الصحابة دخلوا مصر ولم يحطموا الأهرامات وأبا الهول لا يجوز لأن التماثيل الفرعونية كانت مدفونة تحت الأرض ولم تخرج وتظهر الا في القرون المتأخرة ومن المعلوم أنه كان في مصر وفي غيرها معابد كثيرة هدمها المسلمون وحطموا الصور وكسروا الأخشاب والأحجار التي تحمل هيئة الأصنام".
وتابع الكندري أنه "حتى وأن ثبت أن الصحابة وعلى رأسهم سيدنا عمرو بن العاص لم يحطموا الآثار عند دخولهم مصر فهذا لا يغير من الأمر شرعا لأن النبي صلى الله عليه وسلم قام بتحطيم الأصنام التي كانت في مكة".
وأردف الكندري قائلا إن "أعظم المصالح على الاطلاق اقامة التوحيد وتشييد أركانه، وهدم الشرك وآثاره، ولا مفسدة أعظم من ترك صروح الشرك والوثنية عند القدرة عليها، وقصة سيدنا ابراهيم عليه السلام المذكورة في القرآن خير دليل على ذلك اذ تبين كيف حطم الأصنام ولم ينظر للمصالح المزعومة على الرغم من كونه كان مستضعفا، وبالتالي فالعبرة بإزالة الأوثان حتى وان لم تكن تعبد".
لسنا هنا في وارد الرد على هذا الكلام التافه ، الا اننا سنطرح بعض الاسئلة على هذا الداعية وباقي دعاة الوهابية الذين ينتشرون كالسرطان في مجتمعاتنا ونقول :
-هل كانت الاهرامات وتماثيل الفراعنة مدفونة تحت الارض عندما دخل المسلمون مصر؟.
-ماذا يعني بقوله:" حتى وإن ثبت أن الصحابة وعلى رأسهم سيدنا عمرو بن العاص لم يحطموا الآثار عند دخولهم مصر فهذا لا يغير من الأمر شرعا؟، هل هذا يعني ان الكندري افهم من الصحابة بالاسلام؟.
-هل كانت الاهرام تعتبد كما كانت تعبد الاصنام في مكة التي حطمها النبي(ص)؟.
-لنفرض أن المصريين والعراقيين كانوا في السابق يعبدون ما حطمته "داعش" اليوم ، فما ذنب الانسانية لحرمانها من هذه التماثيل، التي لا اعتقد ان هناك في مصر والعراق من يعبدها اليوم؟.-اذا كان من الواجب شرعا هدم وازالة كل شيء عبده الانسان يوما ، على "داعش" والوهابية الا يقتربوا من النار وان يهربوا من الشمس والقمر ، بل عليهم ان يقتلوا امهاتهم وان يذبحوا كل الابقار وان يقلعوا الاشجار لانها عبدت يوما من قبل الانسان وان بعضها مازال يعبد؟.
-اليس الابقاء على هذه الاثار هو تجسيد للاية الكريمة : "قل سيروا في الأرض ثم انظروا كيف كان عاقبة المكذبين"؟، الا تؤكد هذه الاثار على عظمة الاسلام الذي نزل ليبقى بينما اندثرت كل تلك الامم بسبب خوائها العقيدي والفكري ، رغم كل ما كانت تملكه من قوة وسلطان ، كما تدل على ذلك آثار الفراعنة والاشوريين وباقي الامم الاخرى؟.
-هل يعقل ان يفكر العراقيون والمصريون والسوريون ، بعبادة التماثيل الاثرية، لمجرد انها موجودة بينهم؟.
-لماذا لم تسجل حالة واحدة في العراق ومصر وسوريا ، لعبدة الاوثان؟
-ألا تعكس هذه الحالة ، الخوف من عبادة التماثيل الاثرية ، حالة مرضية لدى اصحابها ؟ ، الا تكشف عن ضعف ايمانهم وميلهم الباطني لعبادة التماثيل؟.
-الا تشير نزعة تدمير الحضارة الانسانية ، ، لدى الوهابية ، الى نشأتها الصحراوية ، التي لاتمت الى الحضارة بأي صلة ، فلا تقيم اي وزن للجذور الحضارية للشعوب ، لانها لا تدرك معنى الحضارة اساسا.
-الا تنتقم الوهابية الصحراوية والمتخلفة من الشعوب والامم عندما تقوم بتدمير تراثها وحضارتها؟.
إن النظرة السخيفة للوهابية إلى التراث الإنساني ، والأسباب التي تسوقها لإمحاء تاريخ أامجاد الشعوب ، لا تقنع الانسان السوي ، فهي سموم تترشح من عقول مريضة من امثال الكندري ودعاة الوهابية ، ليشلوا بها مجتمعاتنا ، لذلك اذا ما ارادت شعوبنا ان تنطلق الى الامام ، كما انطلقت الشعوب الأخرى ، لتلحق بركب الحضارة ، عليها أن تبقى على تراثها ، فهو جزء من هويتها ، وان تهدم الوهابية ، فهي فكر ظلامي لا يمت للاسلام بأي صلة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص ومضمونه، وهو لا يعبّر إلا عن وجهة نظر كاتبه