في خضم احتدام الاحداث السورية وما يجري على الحدود مع لبنان، تتكرر الدعوات يوميا تقريبا لحث الدولة اللبنانية على التنسيق مع جارتها السورية.
في خضم احتدام الاحداث السورية وما يجري على الحدود مع لبنان، تتكرر الدعوات يوميا تقريبا لحث الدولة اللبنانية على التنسيق مع جارتها السورية، التي للبنان معها حدود طويلة مع ما يعنيه ذلك من مخاطر واحتمالات كبيرة لتسرب للمسلحين والسلاح بالاتجاهين.
وبمقدار ما يوجد إلحاح من قبل فريق مؤيد للتنسيق اللبناني السوري، يوجد فريق آخر يرفض بشدة هذا التعاون، تحت مسميات متنوعة لا تبدأ بالخلفيات السياسية ولا تنتهي بالارتباط بأجندات خارجية مع من يعادي الدولة في سوريا ويدعم الجماعات الارهابية، وأيا كانت المسميات والتبريرات التي يسوقها البعض في هذا الاطار وبغض النظر عن المسوغات السياسية التي تقال، لا بدَّ لمن يدعو او يرفض التنسيق والتعاون مع سوريا في مكافحة الارهاب، أن يطرح هذا الامر من باب المصلحة اللبنانية اولا وأخيرا.
ويلفت في هذا الاطار ما نقل مؤخرا عن رئيس الحكومة اللبنانية (حكومة المصلحة الوطنية) تمام سلام قوله إنه "في ظل سياسة النأي بالنفس لا إمكان لمثل هذا التنسيق الامني بين لبنان وسوريا"، معتبرا ان "الاجراءات الامنية المتخذة على مستوى الجيش وقوى الامن الداخلي والامن العام كفيلة بأن تساعد في مواجهة الارهاب".
هل مصلحة لبنان توجب التعاون مع سوريا لمكافحة الارهاب؟
ويجب هنا ان يكون السؤال المطروح هو التالي: هل من مصلحة لبنان التنسيق مع سوريا ام عدم التنسيق؟ هل ان مصلحة لبنان توجب التعاون مع سوريا لمكافحة الارهاب ام لا توجب ذلك؟ وبعد الاجابة عن هذا السؤال يؤسس للتنسيق إن كان من مصلحة لبنان او يترك الامر من دون معالجة حتى نواجه الارهاب منفردين دون اي تعاون مع من يقاتل الارهاب بشكل مباشر.
فهل ان التعاون مع سوريا في هذا الاطار امر ضروري وملحّ وينفع لبنان؟ ام ان الامر مجرد طرح سياسي؟ أليس التعاون مع الجيش والاجهزة الامنية السورية يساعد لبنان على ضبط حدوده ومكافحة الارهاب المتسلل اليه من سوريا بشكل أفضل مما لو قاتلنا عدوا مجهولا لا نملك معلومات عنه؟ وأليس التعاون الامني بين الدول امرا مباحا ومتاحا بل وواجبا ويحقق المصلحة الاقليمية والدولية في بعض الاحيان؟ لماذا التعاون والتنسيق مع كثير من الاجهزة الامنية العالمية والدول المختلفة امر جائز بينما هو محرم على سوريا وأجهزتها؟ ومن يعرقل ويقف خلف منع الدولة اللبنانية من التنسيق مع سوريا؟ وهل الدولة اللبنانية حاولت او تحاول التعاون في هذا الاطار؟
حول كل ذلك يقول الخبير الاستراتيجي العميد محمود مطر "في الواقع المعاش حاليا إن التنسيق الامني اللبناني السوري هو ضرورة وطنية مطلقة ولا يجوز ان نبقى نرفض هذا التنسيق المشترك بين البلدين لاي سبب كان"، ويلفت الى ان "العدو الارهابي مشترك بين لبنان وسوريا لذلك لا يمكن لكل فريق التعاطي معه بشكل مجزأ ومن زاويته الخاصة بل يجب المباشرة بالتنسيق ليس فقط من الناحية الامنية فقط بل ايضا من الناحية العسكرية".
ويدعو العميد مطر في حديث لموقع "قناة المنار" الى "إقامة غرفة عمليات مشتركة لبنانية سورية أمنية عسكرية لادارة المعركة ضد الجماعات الارهابية على الحدود اللبنانية السورية"، ويوضح ان "هذه الغرفة يجب ان تضم كل الاجهزة الامنية في البلدين"، ويضيف "هذه الغرفة يجب ان تتلقى كل المعلومات الامنية والعسكرية التي تهمها وتعمل على تحليلها ودراستها والتشاور حولها واتخاذ القرارات اللازمة استنادا للمصلحة المشتركة للبلدين ووضع الخطة العسكرية المناسبة لذلك يجب ان يكون هناك تنسيقا امنيا وعسكريا في آن".
هدف التنسيق هو التكامل بين لبنان وسوريا لمواجهة الارهاب
وإذ يؤكد مطر ان "طبيعة المعركة قد تفرض تكاملا معينا بين الطرفين في كثير من الاحيان لمواجهة هذا العدو الواحد في المعركة"، يشير الى ان "العلاقة في هذا الاطار تكون تكاملية لتحقيق هدف مشترك للدولتين ألا وهو مكافحة الارهاب"، ويضيف "على سبيل المثال اذا ما رصد الجيش اللبناني مجموعة مسلحة في الجانب السوري او حتى في الجانب اللبناني ويحتاج الواقع الميداني الى قصف هذه المجموعة بالطيران الحربي فهنا يمكن الاستعانة بالطيران الحربي السوري لقصفها هذه المجموعة".
ويلفت مطر الى ان "الاتفاقيات المشتركة بين البلدين تبيح مثل هذا التعاون والتنسيق لتحقيق المصلحة المشتركة"، ويرى انه "حتى لو لم تكن هذه الاتفاقيات موجودة يجب تأمين الغطاء السياسي اللازم لهذا التنسيق"، ويطالب "كل الافرقاء في لبنان بوضع تحالفاتهم الخارجية وخياراتهم السياسية جانبا والبحث فقط عن مصلحة لبنان في معركته ومكافحته للارهاب"، ويشير الى ان "ذلك سيؤدي بشكل أكيد الى التنسيق المباشر والقوي مع سوريا لمحاربة الارهاب"، ويعتبر ان "حزب الله يجب ان يلعب دورا في هذا التنسيق لانه يواجه الارهاب على الحدود ايضا".
وحول ما يسمى "سياسة النأي بالنفس"، يرى الخبير الاستراتيجي ان "سياسية النأي بالنفس غير قابلة للتطبيق في لبنان لان كل طرف لبناني له ارتباطاته وتحالفاته الخارجية وله برنامج عمل خاص به فكيف سنتحدث عن نأي بالنفس؟"، ويلفت الى انه "بوجود عدو مشترك لكل اللبنانيين لا يمكن الحديث عن النأي بالنفس لان هذا العدو يهاجمك فكيف تنأى بنفسك عن مواجهته؟"، ويوضح ان "المفهوم الحقيقي لسياسة النأي بالنفس لا يلغي التنسيق مع سوريا بل يعني الحياد الايجابي اتجاه الآخرين لتحقيق مصلحتك"، ويؤكد ان "لبنان لا يمكنه ان يكون محايدا بالمطلق عن محيطه العربي والاقليمي بل هو يجب ان يكون متفاعلا مع هذا المحيط بشكل يحقق مصلحته ومصلحة الدول الشقيقة المحيطة به".
وفيما يشدد العميد مطر على ان "الدور الذي يقوم به الجيش والاجهزة الامنية اللبنانية كبير جدا في مجال مواجهة الارهاب والجهوزية ايضا عالية ولكن الامكانات غير كافية لمكافحة الارهاب"، ويشير الى ان "النقص في الامكانات نعوضه في هذه الفترة بمعزل عن التعاون مع الآخرين وفي طليعتهم سوريا لانها دولة تقاتل الارهاب منذ عدة سنوات ولديها الخبرة والقدرات والجهوزية العالية لذلك"، ويلفت الى ان "حسن سير المعارك وتحصين الامن الوطني يتطلب التعاون مع الدول الشقيقة المحيطة بك حتى وإن كانت قدراتك اللوجستية والعسكرية عالية وهذا ما هو موجود في كل دول العالم".
ويبقى ان المصلحة اللبنانية التي يجب ان تكون فوق كل اعتبار يضعها البعض كوجهة نظر كما كل شي في هذا البلد، فإلى متى ستبقى المصلحة العليا للدولة اللبنانية محل بحث تخضع لاهواء بعض اهل السياسة ومصالحهم؟؟