صار عمر الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، برعاية الرئيس نبيه بري، سبع جلسات حتى الآن. وإذا كانت الأعمار بيد الله أولاً وأخيراً، فإن «النشرة الطبية» للحوار توحي بأنه قابل للحياة، حتى إشعار آخر، ما لم تباغته «أزمة قلبي
عماد مرمل - السفير
صار عمر الحوار بين «حزب الله» و«تيار المستقبل»، برعاية الرئيس نبيه بري، سبع جلسات حتى الآن. وإذا كانت الأعمار بيد الله أولاً وأخيراً، فإن «النشرة الطبية» للحوار توحي بأنه قابل للحياة، حتى إشعار آخر، ما لم تباغته «أزمة قلبية» مفاجئة.
ويمكن القول إن الحوار تجاوز منذ التحضير له، وحتى اليوم، امتحانين صعبين: الاول، واجهه في المرحلة التأسيسية، ما قبل الانطلاقة الرسمية. يومها صدر موقف سعودي شهير يدعو الى إدراج «حزب الله» على لائحة الارهاب. أحس بري حينها بالخطر، وتخوّف من ان يؤدي «عصفُ» هذا الموقف الى إجهاض مشروع الحوار الذي لم يكن قد خرج الى النور بعد.
وصل قلق بري الى السفير السعودي في بيروت علي عواض عسيري الذي سارع الى طلب موعد للقاء رئيس المجلس. خلال اللقاء، توجّه عسيري الى بري بالقول: «دولة الرئيس.. ما يجري أو يصدر خارج لبنان، يبقى خارجه ولا ينعكس على داخله»، مؤكداً دعم جهود رئيس المجلس لإطلاق الحوار بين «الحزب» و «المستقبل».
القطوع الآخر الذي مرّ به الحوار، لكن هذه المرة بعد انطلاقته، تمثل في الخطاب الناري الذي ألقاه الرئيس سعد الحريري في «البيال»، لمناسبة الذكرى العاشرة لاغتيال الرئيس رفيق الحريري. ترك هذا الخطاب أصداء سلبية في عين التينة، ولم يتردد بري في التعبير أمام المقربين عن استيائه منه، مبدياً قلقه من أن يترك تأثيرات سلبية على مسار الحوار الذي لا يزال «طري العود».
وفي إطار محاولة احتواء ارتدادات هزة «البيال»، بعث بري رسالة الى قيادة «حزب الله»، عبر الوزير علي حسن خليل، تمنّى فيها على الحزب القفز فوق كلمة الحريري وعدم الرد مباشرة عليه، لاسيما ان السيد حسن نصرالله كان بصدد إلقاء خطاب بعد يومين لمناسبة ذكرى القادة الشهداء للمقاومة.
لاحقاً، وعندما زار الحريري عين التينة، قال له بري صراحة إن العديد من جوانب خطابه لم تكن منسجمة مع مناخ الحوار..
ويؤكد بري لـ «السفير» أن هذا الحوار بين «حزب الله» و «المستقبل» و «أمل» يكاد يكون الشمعة الوحيدة في عتمة المنطقة الغارقة في الصراعات والتفتيت المذهبي، كاشفاً عن أنه توجه الى المتحاورين في الجلسة الاولى التي شارك فيها بالقول: ربما لستم قادرين على إنقاذ لبنان، لكنكم بالتأكيد تستطيعون منع تدهوره.
ويشير بري الى ان ميزة الحوار الحالي تكمن في جديته وابتعاده عن المظاهر الاستعراضية، لافتاً الانتباه إلى أنه «في تجارب الحوار السابقة كان يكثر الكلام ويتضاءل الفعل، وكم من مرّة كانت تُعلن تفاهمات لا تنفذ أو تنفذ جزئياً، أما اليوم فإن العكس هو الصحيح، إذ أن جلسات عين التينة تعتمد البيانات المقتضبة ونترك للأرض أن تُعلن عن الاتفاقات بعد دخولها في حيز الترجمة الفعلية».
ويشدّد بري على أن الحوار حقق لغاية الآن إنجازات عملية، من شأنها أن تعزز القناعة بأهميته وجدواه، ومن بينها:
ـ احتواء تداعيات أيّ حدث أمني، كما حصل بعد التفجير الإرهابي في جبل محسن، حيث سارع عدد من صقور «تيار المستقبل» إلى زيارة المكان لتقديم التعزية الى أهالي الجبل الذين استقبلوا بدورهم خصوم الأمس بحرارة، وأنا مقتنع بأنه لولا الحوار ما كانت هذه الإيجابية المتبادلة لتسود إحدى أكثر المناطق حساسية في الشمال.
ـ إزالة الأعلام والشعارات والصور الحزبية، وهذا قرار تدحرج ككرة الثلج، إذ كانت الفكرة تقتصر بداية على بيروت الإدارية، ثم تطورت خلال النقاش لتصل الى طريق المطار، ومنها الى طريق الجنوب وصيدا، ثم حارة صيدا، فطرابلس.. ولا أعتقد أنه كانت هناك إمكانية لإزالة صورة واحدة من دون الحوار.
ـ الخطة الأمنية في البقاع الشمالي والتي تنطوي على أهمية كبرى لأهل المنطقة الذين كانوا يدفعون ثمن تصرفات أفراد لا يمتون بصلة الى شهامة العشائر وأخلاقها.
ـ إعادة بسط هيبة الدولة على سجن رومية.
ـ تخفيف حدة الخطاب الإعلامي المتشنج.
ويؤكد بري أن من مفاعيل الحوار رفع الغطاء عن أي مرتكب او مخالف للقانون، سواء أكان شخصاً عادياً أم منتمياً الى جهة سياسية. ويضيف: «بهذا المعنى، لا خصوصية لسرايا المقاومة او غير المقاومة، ولا لحركة أمل وحزب الله وتيار المستقبل، بل هناك قاعدة واحدة تسري على الجميع وفحواها أن أي انتهاك للأمن الداخلي يستوجب الملاحقة مهما كانت هوية الجاني، وهناك قرار لدى أطراف الحوار برفع الغطاء عن كل مرتكب حزبي».
وفي حين يلفت رئيس المجلس الانتباه الى ان سلاح المقاومة والمحكمة الدولية هما خارج البحث، يؤكد في الوقت ذاته أن دينامية الحوار قد تدفع في اتجاه تطوير جدول الأعمال وتوسيع آفاقه، «وأنا لا أعلم إلى أي مدى يمكن أن يصل هذا الحوار الذي أصبح حاجة وطنية.. وربما إقليمية ايضاً».
ويتابع: «لو افترضنا أن رئيس الجمهورية أنتخب غداً، فأنا أظن ان الحوار سيسهّل التفاهم على الشخصية التي ستُكلف برئاسة الحكومة وحتى على تركيبتها. أكثر من ذلك، يمكن القول إن المناخات الإيجابية التي ولّدها الحوار جعلت عودة سعد الحريري إلى رئاسة الحكومة ممكنة، إذا أراد هو أن يتصدى لهذه المسؤولية في المرحلة المقبلة».
ويعتبر رئيس المجلس أن عودة الحريري إلى السلطة تفيد في تحصين الساحتين الوطنية والإسلامية ضد رياح الفتنة المذهبية التي تعصف بالمنطقة، وفي تحسين شروط المواجهة ضد الإرهاب والتطرف.
وبالنسبة الى الاستحقاق الرئاسي، يُعرب بري عن اعتقاده بأن لبننة هذا الاستحقاق أصبحت متعذرة، بعدما فضّلنا «الاستيراد» على «الصناعة الوطنية»، ويبدو أنه صار لزاماً علينا انتظار الاتفاق النووي بين إيران والولايات المتحدة، والذي أرى أن إنجازه أصبح حتمياً.
ويتوقع بري أن يكون لبنان هو المكان الأكثر قابلية لتلقف نتائج هذا الاتفاق، على مستوى الدفع نحو انتخاب رئيس الجمهورية، «لأن الاوضاع في سوريا والعراق والبحرين واليمن هي أشد تعقيداً، وبالتالي فإن سريان مفعول التفاهم النووي على الساحة اللبنانية هو أسهل، في ظل الحوار الحاصل بين حزب الله والمستقبل بمشاركة أمل، والذي من شأنه ان يمهد الارض للتفاعل مع أي تطور خارجي إيجابي».
ويضيف بري: «إن الحوار يحرث الأرض لتكون جاهزة لاستقبال بذار الاتفاق الاميركي ـ الايراني او السعودي ـ الايراني إذا تهيأت ظروفه».
ويلفت الانتباه الى ان التعطيل لا يقتصر على رئاسة الجمهورية، إذ ان رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة شبه معطلين أيضاً، «وأنا أشعر أحياناً بأنني مطران على مكة».
ويلاحظ رئيس المجلس أنه «وبعدما تفاهمنا بصعوبة على مبدأ تشريع الضرورة، علماً أن قناعتي هي ان التشريع كلٌ لا يتجزأ، إذ باعتراض قلة من الوزراء على فتح دورة استثنائية، يعطل مجلس النواب طيلة الفترة الماضية». ويتابع: «تصوروا أن وزيراً واحداً بات يستطيع تعطيل مجلس النواب أو الحكومة.. أي دولة هي هذه؟».
وفي إطلالة على واقع المنطقة، يشير بري إلى أن شرق أوسط جديداً هو قيد التكوّن، على قاعدة إعادة صياغة الحدود وتأسيس دول دينية ـ مذهبية صافية، بدأت معالمها تظهر تباعاً على الأرض، إلا أنه لفت الانتباه إلى أن لبنان غير قابل للتقسيم والتجزئة.
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه