24-11-2024 05:42 AM بتوقيت القدس المحتلة

مسرحية نتنياهو امام الكونغرس.. هل تمت رغم رفض الإدارة الأمريكية لها

مسرحية نتنياهو امام الكونغرس.. هل تمت رغم رفض الإدارة الأمريكية لها

مع بدء الأزمة السورية في آذار 2011، قام بنيامين نتنياهو بإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأمريكي، بشّر فيها بولادة “الدولة اليهودية” بمباركة من الرئيس الأمريكي بارك أوباما ذاته.

طلال ياسر

مع بدء الأزمة السورية في آذار 2011، قام بنيامين نتنياهو بإلقاء كلمة أمام الكونغرس الأمريكي، بشّر فيها بولادة “الدولة اليهودية” بمباركة من الرئيس الأمريكي بارك أوباما ذاته، حيث سُجّلت مقاطعته بالتصفيق الحار أكثر من 30 مرة من النواب الديمقراطيين والجمهوريين معاً، في مشهد أوحى للكثير من المتابعين بأن نتنياهو يعلن فعلياً قيام “إسرائيل” دولة يهودية، ولم يتبقَّ له سوى انتزاع اعتراف الأنظمة العربية سواء أكانت راغبة بذلك أم مُكرهة عليه.

 والآن في آذار 2015 يعيد نتنياهو العمل ذاته، ويلقي كلمة أمام الكونغرس الأمريكي، ادُّعي أنها جاءت تحدّياً لإرادة باراك أوباما حيث غمز فيها من قناة المفاوضات الغربية مع إيران موحياً بقلقه من إمكانية الوصول إلى اتفاق نووي نهائي مع إيران، وقد تغيّب النواب الديمقراطيون عن حضور هذه الكلمة، وتابعها النواب الجمهوريون، للقول: إن النواب الديمقراطيين مصطفّون إلى جانب زعيمهم أوباما في رفضهم لهذا التدخل، فهل تمّت هذه الكلمة رغم رفض الإدارة الأمريكية لها في التوقيت والمكان؟ ولماذا يُراد الآن الإيحاء بأن هناك خلافاً بين واشنطن وتل أبيب حول الاتفاق النووي؟.

 المتتبّع لما يجري على هذا الصعيد، يلاحظ أنه تم تسويق مجموعة من الخلافات بين “نتنياهو” و”أوباما” منذ نحو أربعة أشهر، بطريقة تغري العديد من المحللين بتبنّي هذه الفرضية والبناء عليها لاحقاً، في الوقت الذي لا يشكّ فيه اثنان بأن كل ما جرى في المنطقة العربية في السنوات الأخيرة من أحداث لا يخدم إلا هدفاً واحداً هو “يهودية إسرائيل”، وأن واشنطن في سعيها لتوقيع اتفاق نووي مع إيران إنما تحاول أن تضمن بالدرجة الأولى “أمن دولة إسرائيل”، فلماذا يلقي نتنياهو كلمة توحي بمعارضة الاتفاق النووي في الوقت الذي تبحث فيه أمريكا و”إسرائيل” معاً عن رضا إيران التي يعلم الجميع أنها إن لم تكن الآن قوّة عالمية فهي على الأقل قوة إقليمية لا يمكن تجاوزها في المنطقة؟.

 لمراقب للخطاب الاستعراضي الذي ألقاه نتنياهو على “خشبة الكونغرس” يقرأ مجموعة من الملاحظات، أوّلها مقاطعته بالتصفيق الحار أكثر من عشرين مرة رغم الإجماع على رفض تحدّيه الصارخ للإدارة الأمريكية حتى لو كان  الحضور جميعاً من الجمهوريين خصوم أوباما في الحكم، وثانيها أن نتنياهو أراد من خلال خطابه إبراز شدّة عدائه لأي اتفاق نووي مع إيران حتى لو كانت الإدارة الأمريكية راضية عنه، وثالثها أن توقيت الخطاب جاء في المرحلة التي أصرّ فيها الإعلام الغربي وتوابعه في المنطقة على أنها الفرصة الذهبية لتحقيق اتفاق، بمعنى أنه لا ينبغي على الإيرانيين تفويت هذه الفرصة حتى لو اضطروا إلى تقديم تنازلات، ورابعها أن “خشبة الكونغرس” هي الفرصة الأخيرة ربما لتعويم نتنياهو في الانتخابات المقبلة، من خلال إظهار مدى حرصه على “مصلحة الشعب اليهودي” الذي يمتطي أغلب الساسة الصهاينة صهوة حرصهم عليه لبلوغ أهدافهم حول العالم، وقد قام بذلك سابقاً عندما ذهب إلى باريس عقب أحداث تشارلي ايبدو المفبركة ربما، ودعا اليهود هناك إلى الهجرة إلى “إسرائيل” وادُّعيَ آنذاك أن الرئيس الفرنسي لم يكن راضياً عن تلك الزيارة.

ممّا تقدّم نستشفّ أن سياسة “حافة الهاوية” تمارس مع إيران بطريقة مقلوبة، بمعنى أن هناك من يحاول الإيحاء لها بأن الإدارة الأمريكية أغضبت في سبيل إرضائها والوصول معها إلى اتفاق، أقرب حلفائها الذين تبالغ في الحرص عليهم وهو “إسرائيل”، وعلى طهران أن تقابل واشنطن في منتصف الطريق بعد كل هذه التضحيات، أي على إيران أن تقبل بما هو مطروح حالياً على الطاولة لأن فرص التوصل إلى اتفاق تتضاءل، وهذا ما أكده تصريح أوباما الأخير الذي تحدّث فيه عن أنه لم يعُد يبالي كثيراً في البحث عن اتفاق مع إيران حول ملفّها النووي، وطبعاً هذه السياسة لا يمارسونها مع إيران لمجرّد الحصول منها على تنازلات فقط، فهم يعلمون جيداً أن المفاوض الإيراني ليس ضعيفاً وأنه يملك من أوراق القوة ما يجعله ينتصر في أي مفاوضات من هذا النوع، وإنما لأنهم يظنون أن اتفاقهم مع إيران الآن سيسحب البساط -ولو جزئياً- من تحت أقدام روسيا التي دفعتها السياسة الأمريكية في العالم والمنطقة الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التكامل مع إيران سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، وبالطريقة ذاتها يمكن أن نفهم توجّه وزير الخارجية الأمريكية جون كيري إلى الخليج لطمأنة حلفائه هناك، وكذلك تهديد الكونغرس الأخير برفض أي اتفاق مع إيران وإسقاطه تحت قبّة الكونغرس، حيث يقوم كل طرف بتأدية دوره على هذا المسرح بالطريقة التي تخدم الهدف الأساسي وهو إجبار إيران على التنازل عن حقوقها النووية من خلال تفريغ الاتفاق من جميع الأمور التي تمنحها حقوقها، والحقيقة أن واشنطن هي التي تسارع الخُطا للوصول إلى اتفاق مع إيران وليس العكس.

فإذا ما تبيّن في النهاية أن ما قام به نتنياهو أمام الكونغرس لا يعدو كونه مشهداً مسرحياً، فإن من الطبيعي الفهم أن النواب الأمريكيين ديمقراطيين وجمهوريين، مهما اختلفوا حول الأداء المسرحي والأسلوب، فهم متفقون على إخراج المشهد بالطريقة التي يتوخاها المخرج في النهاية، وهي الوصول إلى اتفاق يضمن ولو مرحلياً بقاء “إسرائيل” في المشهد العام للمنطقة، لأن الأمريكي يريد الآن التفرّغ لـ“التنين الصيني” الذي يبدو أنه في طريقه إلى الخروج من القمقم في وقت قريب جداً.