أزعج التقدم الذي حققه الجيش العراقي وكتائب الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين، المنظومة السعودية ـ التركية وأحلافها المحليين والدوليين، قالباً توقعاتها جرّاء الانهيارات المتتالية التي أصيب بها «داعش» في غير جبهة
د. وفيق ابراهيم
أزعج التقدم الذي حققه الجيش العراقي وكتائب الحشد الشعبي في محافظة صلاح الدين، المنظومة السعودية ـ التركية وأحلافها المحليين والدوليين، قالباً توقعاتها جرّاء الانهيارات المتتالية التي أصيب بها «داعش» في غير جبهة.
وما أثار قلق هذه المنظومة، إلى حدود الامتعاض، المشاركة «المقبولة» للعشائر العربية السنية في المعارك ضدّ الإرهاب التكفيري، في شكل لفت الأنظار إليها، مثيراً ريبة المراهنين على خلافات مذهبية عميقة كان يفترض أن تفتت العراق إلى أقاليم متناحرة.
بنى آل سعود وحكام تركيا نظرياتهم على أساس التفتيت المذهبي والعرقي، فنظموا أعنف إعلام مذهبي لا نظير له في سوئه وخبثه منذ الحرب العالمية الثانية، فبدت الخلافات في القراءات السنية والشيعية للإسلام وكأنها سبب الفقر والجهل والتخلّف والأمية والأنظمة الاقتصادية الريعية الفاسدة التي تدكّ معظم العالم الإسلامي وكامل العالم العربي، فيما يقول الخبراء إنّ سبب هذا «البلاء» هو الأنظمة السياسية بحركتها الديكتاتورية الداخلية من جهة، وارتهانها للغرب من جهة ثانية.
لذلك نجح هذا الإعلام المشبوه في تحريك الغرائز، مستعيداً أزمات تاريخية مضى عليها ألف عام، وكان العراق واحداً من أبرز المستهدفين، إلى جانب اليمن وسورية ولبنان، وأصيب بأضرار كبيرة في انتماءاته الوطنية والقومية بسبب حركة تمويل ضخمة من السعودية وقطر وتسليح من تركيا برعاية مرجعيات دينية في العراق وتركيا والسعودية ومصر.
وبتحريض مهلّل للفتنة الداخلية، لم تَنْطق أميركا ببنت شفة وهي تشاهد قتل «داعش» للمسيحيين والأيزيديين والصابئة والشبك والأشوريين والكلدان والشيعة والسنّة، بل كان جنرالاتها يقولون إنّ تحرير العراق قد يتطلب سنيناً طويلة، لكنهم حين أرادوا منع التنظيم الإرهابي من اختراق حدود الإقليم الكردي تمكنوا من ذلك بآلاف الصواريخ، لذلك باغت العراقيون، بمساعدة إيرانية مشكورة، الإرهاب التكفيري في محافظة صلاح الدين، وتمكنوا في زمن محدّد من دحره في أكثر من موقع، مشرفين بين يوم وآخر على استعادة مدينة تكريت التي يعتبر المراقبون أنّ عملية تحريرها الجارية على قدم وساق، نهاية وشيكة لـ«داعش».
ماذا تعني حرب محافظة صلاح الدين؟
أولاً: تدمير ما بناه الإعلام الفتنوي الخليجي والغربي في العقد الأخير.
ثانياً: بداية تهشيم آثار الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003 الذي افتعل فتنتين: مذهبية بين السنّة والشيعة وقومية مع الأكراد، لأنّ العشائر السنية انتظمت في أرتال موحّدة مع الشيعة تحت العلم العراقي، وهكذا بدأ العراق يصحو تدريجياً من الغفلة المذهبية، الأمر الذي أصاب المخططين الأميركيين والترك والأعراب بذهول. وبدت ردّة الفعل الأولى بزيارة خاطفة لأمير قطر تميم بن حمد منذ يومين انكشف فحواها عندما أطلق أردوغان، عقب الزيارة مباشرة، جملة شروط على الزاحفين باتجاه الموصل، وهي الإصرار على تحرير الموصل على يد عشائرها السنية العربية وتركمانها، من دون مشاركة من أبناء الأقاليم الأخرى.
والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: هل أردوغان هو رئيس العراق، وهل يعرف مصلحة العراقيين أكثر من حكومتهم المركزية؟
أما التذرع بالتدخل الإيراني فمرفوض من أساسه، لأنّ المشاركة الإيرانية النسبية تمّت بطلب من حكومة بغداد، تماماً كطلبها من القوات الأميركية بالتدخل، لكنّ هذه الأخيرة ماطلت واكتفت بقصف جوي أصاب في معظم المرات القوات الحكومية والحشد الشعبي.
لذلك تعتبر شروط أردوغان تدخلاً سافراً في شؤون العراق، وربما أكثر، فقد أتت بعد زيارة تميم مباشرة وقبل زيارة سيقوم بها، مطلع الأسبوع المقبل، وزير الدفاع السعودي محمد بن سلمان للغاية عينها.
وتتوازى الحركة السعودية ـ القطرية والتركية مع عدة مؤشرات:
ـ مؤتمر اقتصادي مانحون لمساعدة مصر برعاية خليجية ـ أميركية ـ تركية، وذلك بهدف تحويل مصر إلى بندقية لتدمير وحدة العالم العربي، وما التصريح الأخير الذي صدر عن الأزهر حول اجتياح مناطق السنّة في العراق إلا صدى للضغط السعودي على السيسي.
ـ طلب كيري تفويضاً من الكونغرس لمحاربة الإرهاب في العالم لثلاث سنوات… وهنا نسأل: ماذا يفعل التحالف الجوي الأميركي إذاً؟
ـ عودة المخابرات السعودية إلى تمويل عشائر الموصل تحت عنوان «نحن أدرى بشعابنا» ولن نسمح بدخول قوات الحشد الشعبي والخبراء الإيرانيين.
ـ محاولات سعودية ـ تركية لوقف انهيارات «داعش» وإعادة تجميع الإرهاب عند المثلث التركي ـ الموصل ـ أقاليم سورية المحاذية، والإصرار على عدم تحرير الأنبار بذريعة محاذاتها للسعودية. وبالاستنتاج يتبين أنّ هناك صراعاً حادّاً بين المشروع الطائفي السعودي ـ التركي ـ الأميركي، وبين مشروع عراقي ـ سوري يحاول التأسيس لحركة مدنية ديمقراطية قد تتجسّد بعد الانتصار، في صورة أوضح، وتقضي على مشروع تأسيس قوة إسلامية سعودية ـ تركية ـ مصرية باكستانية تلعب دور الهراوة الأميركية.
وتبقى الآمال معقودة على بلاد الشام والعراق في تحرير كامل المشرق من ظلام التكفير والعثمانيين الجدد والفرنجة.