لنتفاوض! هكذا بكل هدوء قالها. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقول لنا الآن اننا منذ البداية كنا نريد التفاوض وان الرئيس بشار الاسد لم يكن يريد أن يتفاوض معنا.
خليل حرب - السفير
لنتفاوض! هكذا بكل هدوء قالها. وزير الخارجية الأميركي جون كيري يقول لنا الآن اننا منذ البداية كنا نريد التفاوض وان الرئيس بشار الاسد لم يكن يريد أن يتفاوض معنا.
أين يُصرف هذا الكلام، ولماذا الآن؟ ولماذا انتظرت أربعة أعوام لتقولها؟ لماذا انتظرت كل هذا الدم؟
هل يفترض بنا أن نندهش بكلام كيري كما اندهش كثيرون ممن، قبل أربعة أعوام بالتمام، صموا آذانهم عن طناجر هتافات «التابوت.. وبيروت» المذهبية، ثم تفاءلوا خيرا بجمعة «الجيش الحر يحميني»!
ألم يكن الأجدى بالسفير الاميركي السابق روبرت فورد بدل التسلل الى حماه قبل أربعة أعوام للتحريض ضد دمشق، ان ينكبّ مبكرا على استخلاص ما خلص اليه قبل أيام في مقالته في «فورين بوليسي» حول الفشل في سوريا؟
المندهشون الآن بماذا؟ ألم يفاجئهم كل هذا الموت وإنفاق السلاح في حمص مبكرا؟ هل كان يجب أن ننتظر أربعة اعوام لنسمع المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا يقول بحتمية التسوية مع النظام .. اذاً لا خيار عسكريا بعد 200 الف قتيل؟
أنندهش الآن وما من قيادي عسكري كبير في البنتاغون سمح لنفسه بتخطي البيت الابيض أو وزارة الخارجية والتشكيك بحكمة النأي بالنفس عن اللهيب السوري (للمكتب البيضاوي لا بعبدا)! ألم يقل حلف شمال الاطلسي منذ البداية ان سوريا ليست ليبيا ولا يمكن تكرار سيناريو تلك الحرب هنا؟ ألم يتبنى الأميركيون لاحقا الجملة السحرية ذاتها؟
من الذي اختار ألا يسمعها؟ ولماذا نندهش الآن ما لم نكن ممن تفاءل بانشقاق أناس مثل عبد الرزاق طلاس، ولم نفاجأ بفضائحه لاحقا؟ ولماذا نصاب بالذهول الآن، اللهم إلا اذا كنا ممن رمى رهاناته على حسين هرموش قبل أن يباغت مريديه بهروبه السريع الى تركيا وهو لم يكد يشكل «ضباطه الأحرار»؟
هل كنت من مدمني «الجزيرة» و «العربية»؟ اندهش الآن اذا شئت. لكن الثابت أن واشنطن تدرك منذ عامين، وربما منذ القصير، أن المعركة صارت لها حساباتها الإقليمية ـ والدولية التي لا يمكنها الإخلال بها، من دون أن تتمدد النيران السورية الى كل الجوار، وبما لا يمكن احتماله في ديبلوماسيات إدارة الصراعات.
ليس حباً بحفظ دماء السوريين ولا العراقيين ولا اللبنانيين.... وهي التي تُلطخ دماؤهم وجهها. وإنما باسم ضبط اللعبة وقواعدها. ولهذا تمهلت طويلا، وبدلت أساليبها ثم غيّرت لهجتها الآن، ولو بدت فظة وصادمة بالنسبة للكثير من الرؤوس الحامية في سوريا ولبنان وتركيا وبعض العرب.
كن كيفما شئت، أقل لك من أنت، في اندهاشك أو عدمه، بشأن كلام كيري، ووفر قليلا من انفعالاتك من أجل مشهد الخراب الممتد من البصرة الى حلب، لا من أجل إقرار أميركي متأخر.. على إيقاع الموسيقى النووية.
http://assafir.com/Article/5/407864
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه