يهتمّ الإعلام الأميركي بذلك النموذج الساخر الخارج من «ظلام دول العالم الثالث» التي تحكمها الديكتاتوريات. باسم يوسف بنظره جرّاح، أي متعلّم ومثقف، وهو متهمّ بمهاجمة الإسلام، ما يمنحه نقاط إضافية.
عاد باسم يوسف إلى دائرة الضوء أخيراً، من خلال اهتمام الإعلام الأميركي المتزايد، بوثائقي «دغدغة العمالقة» من إخراج سارة تكسلر، إحدى منتجات برنامج «ذا دايلي شو» مع جون ستيوارت. العمل قيد الإعداد حالياً، ويتابع تجربة المذيع المصري، طوال عامين ونصف. يقيم يوسف حالياً في الولايات المتحدة، حيث يقود مجموعات دراسيّة في جامعة هارفرد، ويحلّ ضيفاً على وسائل إعلام أميركيّة وغربيّة عديدة.
يعالج «دغدغة العمالقة» بحسب رؤية القائمين عليه، قضيّة حرية التعبير والبرامج الساخرة في العالم العربي، وقد انطلقت حملة دعائيّة لجمع التبرّعات لإنتاجه. وضمن هذا السياق، حلّ مقدم «البرنامج؟» ضيفاً على «سي أن أن»، ضمن برنامج كريستيان أمانبور (9/3). بدا يوسف مرتاحاً، يطلق النكات، ويحاول جعل الخدعة تنطلي على أمانبور، حين أكّد لها أنّ بلاده ديموقراطيّة، السخرية فيها متاحة من الجميع.
قال يوسف لمحاورته إنّ السخرية لم تبدأ مع برنامجه، ولن تنتهي به حتماً. يختلف يوسف قليلاً مع أمانبور عند التطرّق لحادثة «شارلي إيبدو»، ويؤكِّد بأنَّه يعارض مهاجمة معتقدات الآخرين، لكنَّه يستدرك مؤكّداً أنّ التغيير يجب أن يأتي بالتدريج، ومن دون عنف، مذكّراً بأنّ «داعش» محطَّ سخرية من العرب أيضاً.
من جهتها، تسأل القناة الألمانيّة «دوتشيه فيليه» في تقرير إذاعيّ (10:06 د.) «من هو هذا الباسم يوسف؟ ولماذا هو مهمّ؟» (10/3). وبحثاً عن إجاباتٍ، تستضيف القناة سارة تكسلر التي تختصر حكاية يوسف بكونه «الجرّاح الذي فعل ما قد يفعله أي أحد بعد انطلاق الثورة المصرية: أن يبدأ برنامجاً كوميدياً!». تنتهي الحكاية كما تريد أن ترويها تكسلر، بأنّ «مصر لم تكن مستعدة بعد لذلك النوع من السخرية».
حلّ يوسف ضيفاً على صحيفة "وول ستريت جورنال" (13/3) أيضاً، في حوار مطوّل يقول فيه مازحاً إنّ «الشيء الوحيد الذي يشتاق إليه حقاً في مصر، هو المانغا». لم يشذّ اللقاء عن القائمة المعتمدة في الإعلام الغربي في سرد قصّة يوسف، وتسأله إن كان شعر بالخوف خلال عرض «البرنامج؟». يقول يوسف أيضاً بأنّه مستعدّ للبقاء لوقت أطول في الولايات المتحدة، إذ إنّ «هوليوود تحتاج إلى المزيد من الممثّلين الإيكزوتيك».
توظّف معظم وسائل الإعلام الغربيّة تجربة باسم يوسف، بوصفها «قصّة نجاح على الطريقة الأميركيّة». قصّة يتحوّل فيها يوسف إلى نجمٍ هوليوودي، يتخذ قرارات مصيرية بترك عمله كجّراح، استجابة للثورة في بلاده، يحاول تجاوز الصعاب من أجل الدفاع عن حرية التعبير، يعتمد الضحك أسلوباً للمواجهة. هنا، تتحوّل مصر إلى مجرّد خلفية أو موقع تصوير لأحداث الفيلم.
يهتمّ الإعلام الأميركي بذلك النموذج الساخر الخارج من «ظلام دول العالم الثالث» التي تحكمها الديكتاتوريات. باسم يوسف بنظره جرّاح، أي متعلّم ومثقف، وهو متهمّ بمهاجمة الإسلام، ما يمنحه نقاط إضافية. يصرّ ذلك الإعلام على البحث عن نقاط التشابه بين جون ستيوارت وباسم يوسف، باعتبار الأخير متأثراً بالمذيع الأميركي.
وبالرغم من أن ستيوارت نفسه، حاول قلب الآية من خلال تسمية نفسه «باسم يوسف الولايات المتحدة، لكن يبدو أن رسالته لم تصل. وما زال باسم، في نظر معظم وسائل الإعلام الغربية، رسولاً للديموقراطية الغربية وبرامجها الاستعراضيّة في «الشرق المتخلّف».
خصوصيّة باسم يوسف، تنبع من مكان مختلف تماماً، في نظر الجمهور العربي، الشاب على وجه التحديد. فذلك الجمهور أحبّ في باسم مصريّته، وخفّة دمّه، وسخريته اللاذعة، وسرعة بديهته... أعجب بالطريقة التي يعالج فيها المستجدّات، سواء اختلف أو اتفق معه، وبغضّ النظر عن مدى تأثّر باسم (أو عدم تأثّره) ببرامج السخرية الأميركيّة. والسؤال هنا، هل كان المذيع المتهكّم سيفشل لو لم يتقاطع في أسلوبه مع أسلوب ستيوارت؟ وأين نذهب بخصوصيته كـ «ابن البلد» التي جاء منها، هو الذي نجح، بنظر كثيرين، لأنّه «باسم يوسف مصر».