24-11-2024 03:19 AM بتوقيت القدس المحتلة

المخابرات الأميركية تتراجع أمام صمود سورية

المخابرات الأميركية تتراجع أمام صمود سورية

لم يعد ضبط الاتجاهات الحقيقية للسياسة الأميركية من الأمور اليسيرة على الباحثين، لشدّة تقلباتها، لكنّ ما يبدو في الظاهر تبدلاً ليس إلا حركة استيعاب من أصحاب الخبرة الأميركيين

 

 

د. وفيق ابراهيم

 

لم يعد ضبط الاتجاهات الحقيقية للسياسة الأميركية من الأمور اليسيرة على الباحثين، لشدّة تقلباتها، لكنّ ما يبدو في الظاهر تبدلاً ليس إلا حركة استيعاب من أصحاب الخبرة الأميركيين، لتغيير استجدّ على الموازين القديمة. فهكذا يتصرف «البراغماتيون» من أصحاب المصالح لضمان نفوذ بلادهم، فلا يحردون ويعاندون كالمتخلفين في ابتكار السياسات.

رئيس الاستخبارات الأميركية جون برينان واحد من أهم أصحاب النفوذ في بلاده، يعكس سياسات الاستيعاب الخاصة بالبيت الأبيض، منذ كان يزاول وظيفة كبير مستشاري مكافحة الإرهاب عند الرئيس أوباما الذي رقّاه لرئاسة CIA .

حاول برينان، مئات المرات، تنظيم معارضات مسلحة لإسقاط النظام السوري، مستعملاً سلاح الإرهاب والإعلام والفتن المذهبية والعرقية ومستنفذاً إمكانات الأردن والخليج وتركيا و«إسرائيل» في السلاح والتدريب والإعلام والحدود المفتوحة والتجسّس، ونظم مرّة تفجير «خلية الأزمة» في سورية التي أدت إلى استشهاد كبار القادة الأمنيين، بالتزامن مع إعداد حملة للإرهابيين لإسقاط دمشق 18 تموز 2012. هذا ما كشفته دوائر استخبارية في الخليج وفرنسا، والتي أكدت أنّ برينان كان وراء هذا العمل الإرهابي، شخصياً.

فما الذي لم تفعله واشنطن لإسقاط الرئيس الأسد؟ استجلبت تأييد أكثر من مئة دولة لتأييد معارضات تافهة، ونظمت خطة تطويق شارك فيها أولاً حزب «المستقبل» المقرّب من السعودية الذي أرسل السلاح والمال والرجال إلى الإرهابيين، من خلال الحدود السورية. وشارك الأردن، بدوره، في إرسال السلاح والرجال والمدربين لتشكيل شلل وعصابات في منطقة حوران. وسمح رئيس CIA لـ«إسرائيل» بدعم «جبهة النصرة» الإرهابية تسليحاً وتدريباً واستشفاء. أما تركيا فأتاح لها فرصة تنظيم أكبر عمل إرهابي، منذ الحرب العالمية الثانية، بفتح حدودها مع سورية على طول ألف كيلومتر، مشجعة الإرهابيين على احتلال المناطق السورية الموازية لها، كما فتحت مطاراتها وموانئها لانتقال عشرات الآلاف من ما أسمتهم زوراً «المجاهدين».

لم تترك «دولة برينان» وسيلة إلا ونفذتها، ففرضت مقاطعة على سورية وحاصرتها، فأصابت الشعب السوري في معاشه ومأكله ودوائه، وتلاعبت بالنازحين ومنعت تزويدهم بالغذاء الكافي والرعاية لتسهيل انضمامهم إلى التنظيمات الإرهابية بأسعار زهيدة.

ما هي الوسائل التي لم تستعملها أميركا لإسقاط النظام السوري؟ بقي التدخل العسكري المباشر، وهو ما لم ينصح به رئيس «سي آي إيه» حكومة بلاده. لا بدّ أنه حذّرها من حرب عصابات قد يخوضها الجيش السوري ضدّ قواتها، بالاشتراك مع حلفائه المتخصِّصين في هذا المضمار، ويُرجّح أنه حذرها من تأليب الإقليم العربي والإسلامي عليها لأنّ هكذا معارضات تزعم أنها أقوى من نظام الرئيس الأسد وتحتاج إلى دعم تركي ـ خليجي ـ أردني ـ «إسرائيلي» ـ أميركي وأوروبي، وتحتاج إلى كلّ هؤلاء مع تدخل عسكري أميركي مباشر لإسقاط النظام، لا تكون معارضات حقيقية، بل طليعة لقوات أميركية محتلة مدعومة من «إسرائيل».

وبالعودة إلى السؤال الأساسي: ماذا بقي لبرينان من وسائل لم يستعملها، بعد أن تأكد أنّ نظام الرئيس الأسد محمي من شعبه وجيشه وتحالفاته.

لا بد أنه أسرّ في أذن صديقه أوباما أنّ روسيا لن تقف مكتوفة الأيدي أمام إسقاط حلفائها، والشعب الأميركي نفسه أصبح معادياً لحروب بلاده، بسبب تداعياتها على الوضع الاقتصادي وانحسار الطبقة الوسطى الأميركية التي يعتمد على أصواتها حزب أوباما الديمقراطي.

وبالاستنتاج يتضح أنّ صمود سورية أمام كلّ استنباطات العقل الأميركي في معادلات التخريب والتدمير، هو السبب الأساسي في الاتجاه البراغماتي الجديد لسياسات البيت الأبيض، فالعودة إلى الممكن من أبواب السياسة الواقعية في الغرب، لكنّ الركون إليها، من جانبنا في شكل دائم، هو عمل غير مأمون العواقب. أما حكاية المحافظة على الدولة، فهي كما قال برينان «شأن مضحك». فمتى حافظت أميركا على دولة استهدفتها بحملة كونية؟ الإرهاب لا يزال يسرح في أفغانستان المدمَّرة بعد 14 سنة على غزوها من قبل الأميركيين، والاستقرار مفقود في العراق بعد 12 سنة على غزوه من قِبل الأميركيين أيضاً. لذلك فإنّ نظام الأسد إنما هو قدوة يحتذى بها، في تعاملاته الداخلية والخارجية، فهو الذي يحافظ على الدولة راعياً مؤسساتها ومدافعاً عن شعبها ومستعداً لأي تغيير مفيد يخفّف من المحنة.

أما حكومة سورية، بما هي مؤسسة أساسية من مؤسسات الدولة، فتبذل جهودها لتخفيف آثار الوباء الإرهابي وتبقى المؤسسات الأمنية والعسكرية وهي بمثابة خلايا نحل وعرائن أسود، لا تغفل عيون أفرادها عن رعاية سورية بالدماء وعرق الأبطال.

ويعرف الجيش السوري أنه مؤتمن على شعبه وعلى الاستقرار في المشرق، لذلك لن يدخر وسيلة للذود عن الحياض في وجه المتآمرين من الداخل والخارج.

برينان تراجع… بقي على الأعاريب والأتراك أن يفعلوا مثله!


http://www.al-binaa.com/?article=32383

 

موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه