حاول الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي دخول عدن كالبطل العائد من ساحة القتال والطالب للزاد من عدة وعتاد.
عبد الله زغيب
حاول الرئيس المستقيل عبدربه منصور هادي دخول عدن كالبطل العائد من ساحة القتال والطالب للزاد من عدة وعتاد. الاستخدام المباشر كان لورقة الجنوب اليمني لما في الأمر من حساسية مفرطة غذّتها «تجاوزات» النظام السابق، الذي كان منصور هادي من أركانه. هذه الحساسية عالجتها في وقت قصير سياسة هادي التي لم تخرج عن المنظور الخليجي للأزمة اليمنية. وبالتالي لم يتمكّن الرئيس، حليف حزب «التجمّع اليمني للإصلاح» وآل الأحمر، من استمالة الجنوبيين اعتماداً على ورقة «الانفصال»، خصوصاً بعد إعلانه عدن عاصمة «مؤقتة».
تثبت وقائع عدن أن الرئيس العائد عن الاستقالة ما زال ضعيفاً، وأن وزنه في «عاصمة الجنوب» يماثل وزنه في الشمال. فالجاذبية لم تختلف، برغم تباعد المسافات، وعناصر قوته التي هاجرت معه في الرحلة الجنوبية، تصول وتجول في فنادق عدن وصالوناتها بحثاً عن صيغة ائتلافية تناسب المرحلة، فيما الإبقاء عليه لا يتعدّى كونه استثماراً لـ «شرعية» الرجل الدولية والخليجية. هذا الواقع يعيه عبد ربه بشكل كامل، وهو يعلم أن «صنبورة» الدعم المفتوحة والقادمة من خلف الحدود ما زالت حتى الآن عشوائية، بانتظار تشكل كيانات قوية يمكن الركون اليها في خيارات المرحلة المقبلة. لهذا، فهو يعمل بالتعاون مع شقيقه اللواء ناصر منصور على إعداد قواعد شعبية وعسكرية تعكس الصورة الخارجية التي يجهد الإعلام الخليجي والغربي على تسويقها للرجل. فهو «رئيس الشرعية» اليمنية المعترَف بها.
اكتشف منصور هادي مبكراً مدى ضعف سطوته الرئاسية منذ 21/9/2014، مع سيطرة الحوثيين من دون قتال حقيقي على العاصمة صنعاء، وتحوّله مع الوقت إلى «سجين منزل» أو ما سمّاه الخليجيون إقامة جبرية. فيما أثبتت عملية خروجه «البسيطة» من صنعاء، أن الرجل كان يعيش عزلة عن الخارج بسبب فقدانه لكل مقاليد الحكم بفعل الواقع المستجدّ، اضافة الى انسلاخه عن فصيل الرئيس السابق علي عبدالله صالح في المؤتمر الشعبي، ما أفقده الوزن والتوازن.
أجرى الرئيس المستقيل مناورة سياسية حية بداية الشهر الجاري لاستطلاع قدرات عضلاته السياسية والعسكرية في مركزه العدني الجديد، حيث أصدر قراراً قضى بتعيين العميد ثابت جواس قائداً لقوات الأمن الخاص (الأمن المركزي سابقاً) خلفاً للعميد عبدالحافظ السقاف، طالباً من الأخير تولي مصلحة الأحوال المدنية والسجل المدني. أرسل السقاف بحسب أوساطه المقربة بعد هذه الخطوة رسالة الى هادي تقول باختصار، «لا بدّ أنك تمزح». الرسالة حملها الى هادي أحد مشرفي اللجان الشعبية واسمه أحمد الميسري بعدما التقى بالسقاف في مقرّ قوات الأمن الخاصة في مديرية خور مكسر.
هذه الحادثة التي سبقت اشتباكات مطار عدن سلطت الضوء على معضلة رئيسة تواجه هادي كما «الإصلاح» في الجنوب. فبمعزل عن مخرجات وسائل الدعاية السياسية العربية وما تروّج له عن الوضع العسكري في عدن وجوارها، فإن الواقع هناك يثبت أن القوة العسكرية الأساسية، نظامية كانت أم «ميليشياوية»، ما زالت متمثلة بالأمن الخاص بقيادة السقاف الذي يوالي الحوثيين في صنعاء بشكل كامل، يليه اللواء 39 مدرّع الموالي لعلي عبدالله صالح، والذي يتمركز قرب مطار عدن الدولي وينتشر في أبين ومناطق أخرى، وهو أكثر ألوية الجيش قتالاً لـ «القاعدة» حالياً، خصوصاً في منطقة المحفد، إضافة لكتيبة دفاع جوي تتواجد داخل مطار عدن.
وقد أرست واقعة إقالة السقاف طبيعة جديدة لوجهة منصور هادي في «إدارة الأزمة». فهو بات يعلم قبل حزب «الإصلاح» ومشايخ حاشد و «أنصار الشريعة»، أن الإعداد لصراع مع «أنصار الله» يُعدّ ضرباً من ضروب الانتحار العسكري والسياسي في المرحلة الحالية، وأن لدى الحوثيين وإلى جانبهم علي عبدالله صالح ما يكفي من القوة في الجنوب للقضاء على لجان هادي «الشعبية» المدعومة بعناصر «إصلاحية»، وخلال أيام قليلة، إذا ما وجهت الأوامر بذلك للقطاعات العسكرية المتواجدة في عدن. ولأن هادي يدرك صعوبة اتخاذ مثل هذا القرار في صنعاء نظراً لتبعاته الكارثية على الواقع اليمني وتأسيسه لصراع شمالي جنوبي، يسعى الحوثيون لتلافيه، «أو هكذا يقولون»، بادر هو إلى إعداد العدة اما لقلب الموازين بالقوة أو لفرض تسوية داخل عدن، تدفع بقوته العسكرية الى واجهة التراصف الجاري في الجنوب اليمني حالياً.
يجوب اللواء ناصر منصور ابين ولحج وشبوة وحضرموت لتجنيد مدنيين في اللجان الشعبية التابعة لأخيه عبدربه. المسألة لا تجري تحت الرماد أو في الظل، بل بشكل علني وتحت عنوان دعم «الشرعية» واستعداداً لمواجهة «المد الحوثي». لكن الأمر لا يعدو كونه استعداداً لقتال أو محاصرة أو اسقاط الجيش اليمني في المحافظات الجنوبية بفعل اختلاف الأوزان، وإن كانت العملية بحاجة لشهور عدة، علماً أن من بين خيارات هادي استثمار بعض الموالين له من اللواء 19 بقيادة العميد فيصل رجب، عبر إدخال المجنّدين في صفوفهم تحت مسميات مختلفة، خصوصاً أن رجب الذي انتقل الى عدن قادماً من أبين معقل الرئيس «المستقيل»، يُعدّ من أبرز مناصري المواجهة داخل عدن.
يعيش هادي على جرعات الدعم الخارجي في مواجهة رفاق صفّه المعارضين لـ «أنصار الله» والرئيس السابق علي عبدالله صالح، في شبه سباق داخلي لتعزيز المراكز، بانتظار اتضاح الرؤية في الصراع المقبل مع صنعاء. فالرجل تلقى هدية جديدة من حلفائه الخليجيين بعد منحه قرار تحديد موعد إقامة «الحوار اليمني» في ظل عدم اعتراف «مجلس التعاون» بالإعلان الدستوري في العاصمة اليمنية، وفي ظل مواصلة المبعوث الأممي جمال بنعمر مهامه بين عدن والعواصم الخليجية، في سيناريو واضح لتعويم موقف منصور هادي وموقعيته، برغم إدراكه أن لا حوار في المدى القريب، وان المهمة الآن في عدن استكمال البنية التحتية لمشروع سياسي وعسكري متكامل، يمكن من خلاله الركون الى خيارات الحرب او السلم مع هامش مغامرة بالنتائج اضيق بكثير من الفشل المحتوم حالياً.
على الجانب الآخر، وبرغم المأزق الشديد الذي يعيشه الحوثيون منذ خروج الرئيس المستقيل من صنعاء، وتعرضهم لحرب علاقات عامة ثقيلة من الخارج والداخل، يحرص «انصار الله» على بعث رسائل في مختلف الاتجاهات لا تقل قوة عن معركة «الشرعية» التي يشنها منصور هادي وحلفاؤه. فمناورات «انصار الله» المشتركة مع قوات عسكرية تابعة للجيش في محافظة صعدة بالقرب من الحدود مع السعودية، يُضاف إليها إرسال علي عبدالله صالح تعزيزات عسكرية من القوات الخاصة إلى مطار تعز في طريقها إلى عدن لمساندة السقاف أو اي قطعة عسكرية توالي صنعاء، كلها مؤشرات على أن اللعبة وإن اشتدت حماوتها، الا انها لن تتخطى مرحلة «تسخين العضلات» في المدى القريب. انما تحاول اطراف الائتلاف الحالي في صنعاء إظهار عبدربه منصور هادي على شاكلة الزعيم الضعيف، لما في الأمر أهمية بعملية «تسطيح» الخصوم الظاهرين او المتوارين في عدن وعواصم الخليج.
هكذا يسعى الحوثي وحليفه الرئيس السابق علي عبدالله صالح لجرّ الجار الخليجي الى واجهة المعركة «الباردة» أكثر فأكثر، وفي ذلك تمييع واضح لفسيفساء السياسة في عدن. وفي ظل الخطوط العريضة هذه، ينشط عبدربه منصور هادي. فبعد الانكفاء المرير في مسيرته السياسية بعد استقالته الشهيرة من الرئاسة، لن يقبل الرجل خروجاً «مهيناً» آخر يضاف الى سجله السياسي. فالرجل عمل طوال عقدين من الزمن لتلميع الصورة «الملتبسة» التي اشتهر فيها خلال الحرب اليمنية العام 1994، عندما بذل الغالي والنفيس كي يكون بدلاً من فاقد، بعد مغادرة الزعيم الجنوبي علي سالم البيض البلاد، برغم أن منصور هادي كان فاعلاً مهماً الى جانب الرئيس السابق على عبدالله صالح في حربه على عدن.
http://assafir.com/Article/1/408618
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه