إشارات واشنطن الإيجابية باتجاه طهران وحلفائها ليست منفصلة عن التحضير الأميركي لمرحلة ما بعد التفاهم النووي بين إيران والغرب. فليس بعيدا عن المفاوضات النووية القريبة من نهاياتها الآيلة الى التفاهم
حبيب فياض
إشارات واشنطن الإيجابية باتجاه طهران وحلفائها ليست منفصلة عن التحضير الأميركي لمرحلة ما بعد التفاهم النووي بين إيران والغرب. فليس بعيدا عن المفاوضات النووية القريبة من نهاياتها الآيلة الى التفاهم، تحاول الولايات المتحدة خلق مناخات مؤاتية تدفع الى تعميم تجربة التفاوض مع إيران نحو ملفات اخرى (العراق، اليمن، سوريا، لبنان، البحرين). في الواقع، التفاوض حول هذه الملفات مطلوب أميركيا، ليس لما تمثله من أهمية قائمة بذاتها، بل لما تمثله من مرحلة انتقالية وخريطة طريق، قد تؤدي الى ترتيب العلاقات الإيرانية ـ الإسرائيلية بوصفها المحطة النهائية المطلوبة بذاتها، وذلك وفق رؤية يشوبها الكثير من الوهم، وتفتقر الى الحد الادنى من الواقعية.
فليس من قبيل المصادفة أن تنفلت المواقف الأميركية من عقالها، إزاء إيران وحلفائها، على شكل مرونة غير معهودة، ليصبح خروج طهران و «حزب الله» من لوائح الارهاب توصية في التقرير السنوي لمدير وكالة الاستخبارات الاميركية، وليصبح التفاوض مع الرئيس الأسد أمرا لا مفر منه على لسان الوزير جون كيري، هذا فضلا عن الموقف الأميركي الآخذ في التبلور بضرورة حفظ مؤسسات الدولة والجيش في سوريا.
في الأساس، تتعدى الأهداف الأميركية من التفاوض مع طهران المسألة النووية الى الاستدراج نحو قضايا أخرى اكثر الحاحا، في إطار ما يمكن تسميته بسياسة الاحتواء. فنجاح إدارة أوباما في «تدجين» الجمهورية الإسلامية أمر يرتبط في نهاية المطاف بالقدرة على تحييد الخطر الإيراني عن إسرائيل، الحليف الأول لأميركا. بالمقابل لا يريد أصحاب القرار في إيران للمسار التفاوضي مع الأميركيين ان يتعدى المسألة النووية التي تنطبق عليها قاعدة القبول بالمحظورات تحت وطأة الضرورات. فالتقارب مع واشنطن في حسابات الثوريين من الإيرانيين، من شأنه إضعاف ايران التي استطاعت ان تجعل من نفسها قوة اقليمية كبرى على أساس العداء لأميركا وحليفتها اسرائيل.
لا يمكن لشيء أن يتقدم المصلحة الإسرائيلية في حسابات واشنطن الإقليمية برغم تزاحم الملفات وكثرة الأزمات. ويُتوقع أن تتكثف الجهود الأميركية خلال المرحلة المقبلة في محاولة لخفض منسوب عداء ايران وحلفائها لتل ابيب، وخلق ظروف هدنة طويلة بين الجانبين ـ إن لم يكن متاحا ما هو أكثر من الهدنة ـ من هنا، لا يمكن اعتبار الخلاف بين نتنياهو وإدارة أوباما حول التفاوض النووي مع إيران ناشئا من تضارب المصالح بين واشنطن وتل ابيب، بل هو حول كيفية مقاربة العلاقة مع العدو الإيراني المشترك، حيث تريد الأولى التفاوض بهدف الإحتواء والحد من الأخطار، بينما تدفع الثانية باتجاه العزل أو المواجهة العسكرية.
أزمة العقل الأميركي في التعامل مع طهران، هي في إسقاط مقارباته البراغماتية على مبادئ الجمهورية الإسلامية واستراتيجياتها، وبالتالي البناء على ذلك لرسم الأهداف وتحديد مقاربات مسبقة للموقف الإيراني. لكن ما لا يدركه الأميركيون ان المسألة الفلسطينية في حسابات الإيرانيين، خارج موازين الربح والخسارة وهي من الثوابت في السياسات الإيرانية. فالعقل الإيراني يعمل فلسطينيا وفق طرائق تفكير خاصة به بعيدا عن المتداول والمألوف لدى دول المنطقة والعالم. يدل على ذلك إصرار «المرشد» على التذكير بوجودية العداء لإسرائيل، في كل مرة يتقدم فيها التفاوض النووي خطوة من نهاياته التفاهمية.
http://assafir.com/Article/408815
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه