مع بدء عملية «عاصفة الحزم» السعودية في اليمن، ارتفع منسوب القلق اللبناني من ارتدادات المواجهة بين المحورين السعودي والايراني من اليمن الى لبنان
هيام القصيفي
مع بدء عملية «عاصفة الحزم» السعودية في اليمن، ارتفع منسوب القلق اللبناني من ارتدادات المواجهة بين المحورين السعودي والايراني من اليمن الى لبنان.
اذا كان مجلس الوزراء قد تحاشى، أمس، الحديث ولو تلميحاً عن «عاصفة الحزم» التي بدأتها السعودية ضد الحوثيين في اليمن، ووضع رأسه كالنعامة في الرمل، فلا يعني ذلك ان لبنان سيكون في منأى تماماً عن هذه العاصفة.
أن يتفادى الوزراء المنتمون الى معسكرين مختلفين مقاربة العملية السعودية التي حصدت تأييداً عربياً ورضى أميركياً وأوروبياً وتركياً، حتى من باب السؤال عما سيكون عليه موقف لبنان الرسمي في القمة العربية، فهذا يعني ان الطرفين يرغبان في ألا تصل شظايا اليمن الى لبنان على الأقل في المدى المنظور، برغم ان مجلس الوزراء عُقد في ظل شهادة الرئيس فؤاد السنيورة من لاهاي، وكلام وزير العدل أشرف ريفي المتكرر ضد حزب الله وسجاله الاخير مع وزراء حزب الله، وكان يمكن لكلمة واحدة ان تشعل فتيل الاحتقان النائم تحت سقف الحوار.
في المحصّلة الاولى، أن الحزب والمستقبل بـ «صقوره» تحديداً يريدان ابقاء التطور الاقليمي خارج الحدود اللبنانية واستمرار الحوار بينهما، كي لا ينعكس التطور الاقليمي الكبير على الشارع السني ــــ الشيعي، وكي لا تطيح مجريات اليمن الاستقرار والحكومة. وفي المحصّلة الثانية ان رئيس الحكومة في موقف حرج من قضية تعني هذه المرة السعودية نفسها، التي «تتفهم موقف لبنان والحساسيات الداخلية، لكنها ايضا تريد منه ألا يخرج عن الاجماع العربي»، بحسب مطلعين على موقفها. الامر الذي سيضع لبنان الرسمي والحكومي امام تحدٍّ هو الأول من نوعه في حكومة الرئيس تمام سلام. وبحسب مصادر وزارية، فان سلام «لن يذهب بعيداً في موقفه في القمة العربية، كما ان حزب الله قد يغضّ النظر عن موقفه اذا لم يجنح كثيراً، لأن الحزب متمسك بابقاء الحكومة واستمرار الحوار، ولا يريد استباق التطور الاقليمي بهز الوضع اللبناني»، الا اذا كان الامين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله سيرسم اليوم خريطة طريق لبنان الرسمي في تعاطيه مع التطور اليمني.
لكن ابعد من الترجمة العملية لموقف لبنان الرسمي في القمة العربية، شكّل القرار السعودي، بالنسبة الى المطلعين اللبنانيين، بداية مرحلة جديدة تترجم ما سبق الكلام عنه منذ اسابيع عن تجميع السعودية وايران اوراقهما في منطقة الشرق الاوسط في اطار سعيهما الى تحقيق توازن استراتيجي. فبعد عملية تكريت والتطورات السورية واليمنية، والكلام الايراني المتكرر عن ساحات الحرب الاربع التي لايران يد فيها، بدا ان السعودية تعد لمواجهة في الساحة التي تعدها امتداداً جغرافياً ومدى حيوياً لها. وعلى وقع المفاوضات الايرانية ــــ الاميركية، ومع اقتراب موعد توقيع الاتفاق الاولي بين البلدين، جاءت الضربة السعودية من خلال عملية حظيت فوراً بتأييد اميركي وتغطية لها.
يقول مصدر لبناني مطلع: «بعد وفاة الملك عبد الله، رسمت الادارة السعودية الجديدة استراتيجيتها، والان بدأت تنفيذها على الارض، في ساحات المواجهة الاربع + البحرين. ومن الطبيعي ان تنال العملية السعودية تغطية اميركية، لأن واشنطن تريد اليوم تحقيق هذا التوازن الاستراتيجي بين المحورين السعودي والايراني عملياً». من هنا، تمثل اليمن اول احجار «الدومينو»، وقد لا تبقى العملية السعودية الميدانية في مواجهة ايران محصورة فيها، لأن ما حصل في تكريت العراقية وتعثّر العملية «الايرانية» فيها، والحديث عن مساعدة اميركية لايران فيها، واحتمال ذهاب الوضع السوري الى انفجار اكبر، يدل تماماً على ان السعودية تريد تعويم ادواتها في المنطقة.
وإذا كان من المبكّر لاوانه الاستعجال في استخلاص عبر العملية السعودية وتوسيع رقعة المواجهة الايرانية ــــ السعودية، واحتمال جرّ المنطقة الى حرب واسعة، فان لبنان يترقّب بحذر تداعيات الموقف العربي والمواجهة بين محورين «لأن ما قبل العملية السعودية غير ما بعدها، اذ ان قرارا بهذا الحجم اتخذته الادارة السعودية مع رصد كامل لارتداداته في المنطقة كلها» بحسب زوار الرياض اخيرا.
فلبنان يعيش منذ مدة على ايقاع الكلام عن معركة القلمون المقبلة، والخشية من ان ينسحب تنفس معارضي ايران الصعداء في اليمن، على معارضيها ايضا في سوريا ولبنان.
وقد باتت هذه المعركة اليوم اقرب من اي وقت مضى، واحداث اليمن ستسمح للمعارضين السوريين، من دون تنظيم «داعش»، بان يطمئنوا الى دعم عربي وخليجي يساهم في تعزيز وضعيتهم في المعركة ضد حزب الله. وبحسب مصادر وزارية، «فان المعركة ستكون على الارض السورية، ولن تقترب من الاراضي اللبنانية، الا اذا اراد حزب الله جرّ لبنان اليها، وهذا لا يبدو ظاهرا حتى الان». الاطمئنان الى تحييد الحدود اللبنانية عن الحرب المقبلة في القلمون، يقابله اطمئنان الى ان الوضع الامني لا يزال ممسوكاً، «الا اذا قرر الحزب جر معركة القلمون الى لبنان، وحينها ثمة خشية من ان ترتد ضده من خلال تفجيرات انتحارية كالتي سبق أن شهدتها مناطق انتشار الحزب».
باتت «جبهة النصرة» هي الطرف الاكثر بروزاً في احاديث المسؤولين اللبنانيين عند الحديث عن معركة القلمون، بعدما أصبحت تمثّل مع جبهات اسلامية متفرقة عنواناً للمعركة ضد النظام السوري وتنظيم «داعش»، وسيكون لها التمويل اللازم كي تكون قادرة على ربح معركة القلمون «السورية». والارتياح الى عدم اقتراب الحرب من الحدود اللبنانية، يوازيه تفكير في ان يعمد لبنان، في صورة غير مباشرة، الى الطلب من التحالف الدولي ضرب «داعش» اذا قرر الاخير ادخال الحدود في اتون الحرب السورية.