لماذا هذا التباين بالموقف الامريكي والغربي تجاه ما حصل في مصر وتونس وما يحصل اليوم في ليبيا؟ لماذا هذا التذبذب في الموقف؟ أسئلة مشروعة من دون أدنى شك. فهناك بالتأكيد قطبة مخفية...
لماذا هذا التباين بالموقف الامريكي والغربي تجاه ما حصل في مصر وتونس وما يحصل اليوم في ليبيا؟ لماذا هذا التذبذب في الموقف؟
أسئلة مشروعة من دون أدنى شك. فهناك بالتأكيد قطبة مخفية...
لم تهدأ أروقة البيت الابيض عندما كانت ثورتا تونس ومصر تُسقط بالدم نظامي زين العابدين بن علي وحسني مبارك.
المتحدثون باسم البيت الابيض ومعهم رئيسهم لم يتركوا المنابر حينها وكذا فعل الأوروبيون.
اما اليوم، وفي حمأة الثورة الليبية التي يبذل شعبها الدم أيضاً في سبيل إسقاط "ملك ملوك أفريقيا الزعيم معمّر" القذافي تجد المنابر نفسها خالية وان نطق مسؤول من عليها، ينطق كفراً...
"ثمة فرق كبير بين مصر وتونس من جهة وليبيا من جهة اخرى ،وعلى الرغم من وجود الديكتاتوريات العربية والانظمة التابعة لامريكا واسرائيل فان النظام الليبي فاق كل التبعيات والاستزلام للغرب وللعدو الصهيوني"، يقول الصحافي والكاتب اللبناني حسن حمادة في مقابلة خاصة مع موقع قناة المنار.
فزين العابدين بن علي وحسني مبارك، يضيف حمادة، قاما بتغييب ارادة شعوبهم وتغييب اي دور فاعل لهم في اطار الصراع العربي الاسرائيلي اي بمعنى آخر وضعوهم "خارج الخدمة " ونذروا انفسهم لتنفيذ وتسيير المصالح الغربية دون الاكتراث الى تطلعات شعوبهم.
"اما معمر القذافي، فقد وضع النظام الليبي بأسره خارج الخدمة ودمّره تدميرا منهجيا، وألغى فكرة الدولة والمؤسسات الدستورية اصلاً وأنشأ ما يسمى بالمؤتمرات، والجماهرية، واللجان الشعبية، وقد فعل ذلك من اجل تقويض اي بناء مؤسساتي ودستوري متعارف عليه".
هناك فرق بنيوي بين نظام القذافي والنظام المصري والتونسي ...
إذا هناك فارق بنيوي بين نظام معمر القذافيمن جهة والنظام المصري والتونسي من جهة أخرى.
"إن النظام الذي انشأه القذافي خاوي لا يتضمن أي قوانين محاسبة ولا مساءلة وذلك لكي يتيح للأميركيين والإسرائيليين والغرب بشكل عام سلب ونهب الثورات الليبية الهائلة، فليبيا هي اكثر الدول ثراء من حيث الطاقة النفطية ومن حيث عدد السكان القليل نسبة إلى اتساع رقعتها الجغرافية وهي تمتلك اكبر خزان للمياه الجوفية، وتلك خاصية لا تتمتع بها كل منطقة الخليج العربي"، يقول حمادة
معمر القذافي منتوج امريكي ...
لكن القذافي كان العدو رقم واحد بالنسبة للأميركيين والغرب إجمالا، فكيف يشرّع أبواب بلاده وخيراتها لينهبها الغرب؟
التوريث والمليارات أثبتا نجاعتهما في حالتين على الأقل في العالم العربي، والقذافي ليس استثناءً. كيف لا وهو من أنشاً قاعدة ويلوس الامريكية، وهي اكبر قاعدة عسكرية كانت موجودة في ليبيا في فترة الستينات اي قبيل وصوله في حركة انقلابية الى الحكم. آنذاك كانت الحالة الفلسطينية تتعاظم لتشكل تهديداً حقيقياً على إسرائيل ومن يستفيد من وجودها في المنطقة.
"إن النظام الليبي هو الاكثر حماية من قبل الامريكيين والاسرائيليين وهذا ما يعطيه هامشا كبيرا للتحرك من دون اي مضايقات ولا ضغوطات تذكر. كان الغرب يكيل للقذافي الشتائم طوال فترة حكمه وكانوا ينتقدونه من اجل حمايته واعطائه مصداقية تسمح له بالتحرك لتنفيذ مخططاته الاستعمارية"، يقول حمادة.
ويضيف"الاحتلال الامريكي اوكل إلى القذافي في بداية حكمه مهمة اختراق الحالة الفلسطينية واخذها الى اتجاه فوضوي لا يصب في مصلحة الفلسطينيين بل في مصلحة العدو الصهيوني، وقد قام بذلك عبر حركات قامت بالمزايدة على الفلسطينيين بقصد تمييع قضيتهم واخذها في الاتجاهات الخاطئة".
في حالة بن علي، ارتكبت فرنسا حماقة في بداية ثورة الشعب التونسي عندما قررت إرسال نخبة الخبرات الأمنية لدعم النظام، وعندما خسر الرئيس المخلوع كل أوراقه، نفض المجتمع الدولي يده منه، وأيد تنحيه عن السلطة.
وفي حالة مبارك الذي تدنى أداؤه فيما يتعلق بالملف الفلسطيني والمنطقة عموماً إلى أدنى مستوياته، طالب البيت الأبيض وعواصم الدول الغربية قاطبة انتقالاً سلساً للسلطة "اليوم..وأعني باليوم يوم أمس" على حد تعبير الرئيس الأميركي باراك أوباما. وقد لا يستبعد المراقب لتاريخ مصالح الغرب مع دول المنطقة أن يكون ما جرى في تونس ومصر تضحية بكبشي فداء للمحافظة على ما تبقى من مصالح قائمة أساساً.
أما ليبيا النفط، وليبيا الماء على أعتاب حروب الماء العالمية، وليبيا بوابة أفريقيا، وليبيا الهجرة غير الشرعية، فالوضع فيها مختلف ربما لأن حجم المصالح مختلف، وفاتورة سقوط القذافي سيتحملها الغرب، وهي لن تكون بسيطة، فلذلك لم ينطق ديمقراطي ولا جمهوري ولا ليبرالي ولا يساري ولا علماني في الغرب بكلمة تطالب "الزعيم وملك ملوك أفريقيا" بالتنحي حقناً للدماء. أما الجامعة العربية التي لم تقل كلمتها، فاكتفت بتجميد عضوية ليبيا، لا بإيقاف القذافي عند حده وإنقاذ شعب عربي سئم 41 عاماً من الحكم الحديدي ومن بيانات التنديد العربية.
يكاد مشهد واشنطن وعواصم الغرب يكون واضحاً في المقبل من الأيام. فصمود الثوار الليبيين ودماء شهدائهم سيقتلع أوتاد خيمة القذافي وعندها سنرى أوباما ونظراؤه في أوروبا قد أعادوا النظر في مواقفهم وبدأوا بالبحث عن البدائل.