أي عملٍ برِّي سعودي عليها في الداخل اليمني سيولِّد أولى العواصف التي سوف تهبُّ على المملكة السعودية عبر ردٍّ حوثي
أمين أبوراشد
لا بدَّ بداية من التوقُّف عند ما ورد في كلمة سماحة السيد حسن نصرالله في إطلالته الأخيرة، وتساؤله عن أسباب عدم ضمّ اليمن الى مجلس التعاون الخليجي رغم طلبها ذلك منذ زمن طويل، وتعود بنا الذاكرة الى مطلع الثمانينات حيثُ عُقِد المؤتمر التأسيسي لهذا المجلس بمدينة أبو ظبي وسُئل يومذاك المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آلـ نهيان بصفته رئيس المؤتمر، عن مدى التجاوب مع طلب اليمن وجيبوتي الإنضمام الى المجلس فأجاب حرفياً: "ينتظروا شويَّة إخواننا في اليمن وجيبوتي، وطوبة فوق طوبة يعمر البنيان"، وبعد مرور أكثر من ربع قرن على تأسيس هذا المجلس، ما زالت اليمن تنتظر ان تكون "طوبة"، ولن تدخُل مجلس التعاون لثلاثة أسباب جوهرية:
أولاً، لأنها جمهورية وليست مملكة أو إمارة عائلية، وثانياً لأنها دولة فقيرة تشكِّل عبئاً على بلدان الخليج الغنيَّة، وثالثاً لأن أساس تشكيل هذا المجلس هو الحفاظ على العروش، بدليل طرح ضمّ المملكة المغربية والمملكة الأردنية إليه منذ نحو سنتين لإستكمال طوق "التيجان" الخالدة على العالم العربي من مشرقه الى مغربه.
وإذا كانت المملكة السعودية قد تمكَّنت بسلطانها المالي وتحالفها الأميركي من جمع عشرِ دولة للقيام بما يُسمَّى "عاصفة الحزم" قبل انعقاد القمَّة العربية في شرم الشيخ، فإن هذه القمَّة جاءت لتبارك هذه الجَمعة – الأميركية التركيب – قبل أن يصل التمدُّد الحوثي وخلفه ثلثا الشعب اليمني الى مدينة عدن وقبل أن تصل نيران الغضب اليمني الى الداخل السعودي، فكان لا بدَّ من قمَّة عربية شكلية يصدح خلالها سعود الفيصل ويصول ويجول، وليُعلن عدم توقُّف هذه العملية قبل تسليم الحوثيين كامل الأسلحة والعودة الى محافظة صعدة، في وقتٍ بَدَت فيه مصر مُنساقة بما لا يليق بحجمها العربي الى التأييد من منطلق عدم جواز القول للسعودي "شحَّدني وأنا سِيدك".
قدّ تدمِّر الإعتداءات على اليمن كافة القواعد العسكرية ومدرَّجات المطارات والقدرات الدفاعية للحوثيين وللجيش اليمني ومعه القبائل المحسوبة على علي عبدالله صالح، وتلك الرافضة للتدخُّل السعودي المُزمن في شؤون اليمن، لكن فات السعودية ومعها الدول المتحالفة معها تحت المظلَّة الأميركية، أن اليمن من فوق سهلٌ قصفها وتدميرها وتهجير أهلها وبُناها التحتية المتواضعة، وزيادة نسبة البؤس لدى اليمنيين بمعدَّل الثلث خلال سنوات "الربيع العربي وبلغ الذين يعيشون تحت خطّ الفقر 12 مليون نسمة في مقابل 8 ملايين قبل 4 سنوات، لكن العِبرة ليست في رؤية اليمن وتدميرها أكثر فأكثر من فوق، بل بالنزول الى تحت حيث الأرض تعكس بوضوح طبيعة تضاريس اليمن القاسية والطبيعة الأقسى للشعب اليمني الذي يقتني 60 مليون قطعة سلاح موزَّعة بين العشائر المختلفة.
الجيش السعودي ليس بوارد الدخول البرِّي، ليس بانتظار تشكيل القوَّة العربية المشتركة، بل لأن نصف جيشه تقريباً هو من اليمنيين كما في كل الجيوش الخليجية، ولأن مئات آلاف اليمنيين من كافة إنتماءاتهم يعيشون في السعودية، ولأن "عاصفة الحزم" من السماء ستواجهها عواصف لا حصر لها على أرضٍ يمنية هي تاريخياً مصدر خوف لعرش آل سعود.
إن انتفاضة شريحة هامة من الشعب اليمني كالحوثيين وخروجهم من محافظة صعدة، بعد أن خاض النظام السابق ست حروبٍ ضدَّهم لوأد مطالباتهم المعيشية، وتنكَّر رئيس النظام الحالي المستقيل الهارب عبد ربّه منصور هادي لأبسط حقوقهم السياسية هي انتفاضة حقّ، وأي عملٍ برِّي سعودي عليها في الداخل اليمني سيولِّد أولى العواصف التي سوف تهبُّ على المملكة السعودية عبر ردٍّ حوثي على الداخل السعودي في أيِّة لحظة سيما وأن الشعب اليمني المُعتدى عليه وعلى سيادته ليس لديه ما يخسره.
العاصفة الثانية هي من القبائل والعشائر الصعبة المراس، التي من الصعب أن تتقبَّل دخول قواتٍ غريبة الى اليمن من جهة، ومن جهة أخرى من الصعب أن تتوافق على يمنٍ موحَّدة، خاصة أن وحدة الجيش اليمني أو إعادة توحيده من المستحيلات، طالما أنه في ظلّ حُكم عبد ربّه منصور هادي كانت غالبية الألوية في هذا الجيش موالية لعلي عبدالله صالح!
العاصفة الثالثة هي في الصرخة الإنسانية المدوِّية التي ستنطلق من ملايين الجائعين والمشرَّدين في بلدٍ يُعتبر من أفقر بلدان العالم، وهو ما تخوّف من حصوله الصليب الأحمر الدولي منذ يومين، بما يُنذر بكارثة إنسانية أكبر من تستطيع دول التحالف الأميركي – السعودي أن تحتويها مما سيؤدي الى نشوء صراعات لأسباب محض معيشية بين مختلف القبائل والعشائر أشبه بصراع البقاء.
وأخيراً وليس آخراً، فإن بشائر العاصفة الرابعة قادمة مع أخبار عن تحركات للأسطولين الروسي والصيني الى المنطقة، وكما لأميركا مصالحها وأتباعها في الشرق الأوسط، فإن لروسيا والصين مصالح في هذه المنطقة وحلفاء استراتيجيين فعليين وإيران في طليعتهم، وما على من حزموا أمرهم في "عاصفة الحزم" سوى توقُّع كل العواصف، والتي لن تدفع اليمن وحدها ثمنها لأن العواصف القادمة سوف تُزلزل كل العروش...