«أنا مقاوم أكثر من المقاومين. وأنا أديت عملي وخدمت وطني».. هذا ما ردّده أكثر من مرة مصطفى علي عواضة، المتّهم بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي وقتل مواطنين وحيازة متفجّرات
لينا فخر الدين
«أنا مقاوم أكثر من المقاومين. وأنا أديت عملي وخدمت وطني».. هذا ما ردّده أكثر من مرة مصطفى علي عواضة، المتّهم بالتعامل مع العدوّ الإسرائيلي وقتل مواطنين وحيازة متفجّرات.
«العميل الدسم»، الذي خضع لأكثر من اختبار كذب في فلسطين المحتلّة، أمضى أكثر من 25 عاماً في أحضان «الموساد» منذ تاريخ تجنيده في العام 1984 وحتى تاريخ انكشافه وتوقيفه في العام 2009، مستفيداً من موقعه القيادي في «جبهة التحرير الفلسطينيّة» ومشاركته كـ «فدائي» في معارك خلدة خلال اجتياح العام 1982، وأصيب حينذاك في رجله وصدره، برصاص الإسرائيليين على حد قوله، بالإضافة إلى علاقته مع عدد من كوادر «حزب الله» بحكم «الجيرة» والعمل!
برغم ذلك، يتركز استجواب ابن الـ61 عاماً أمام المحكمة العسكرية، حول مشاركته في جريمة اغتيال الأمين العام السابق لـ «حزب الله» الشهيد السيّد عباس الموسوي في العام 1992، بالإضافة إلى إدخاله سيارة مفخّخة إلى مخيّم عين الحلوة، ومراقبة كوادر من «حزب الله».
ينفي عواضة مشاركته في اغتيال الموسوي، وإن كان يؤكّد أنّه كان موجوداً حينما كان الموسوي يلقي كلمته في جبشيت وما زال يذكر أنّ سيارته كانت «مرسيدس 230» وأنّه سمع بخبر اغتياله عندما وصل إلى المنزل، وأبلغ ضابطا إسرائيليّاً انزعاجه من الأمر، وفق افادته تحت قوس المحكمة العسكريّة برئاسة رئيسها العميد خليل إبراهيم.
أما بشأن سيارة عين الحلوة المفخّخة التي استهدفت اليمني أبو محمد المصري في العام 2001، فإنّ «تاجر السيارات»، الذي يحمل أكثر من جنسيّة إفريقيّة، روى رحلة «المرسيدس» إلى صيدا. ففي العام 2001، التقى عواضة في بروكسيل ضابطين من «الموساد»: «شوقي» و «سيمون». سأله الأخير عن معلومات متعلّقة بسيارات الأجرة التي تدخل وتخرج من عين الحلوة، وطلب منه تأمين واحدة. وفي اللقاء الثاني، أمّن عواضة له سيّارة كان قد اشتراها، فأشار «شوقي» إلى أنّها لا تنفع «لأنها عادية ونحن نريد سيارة أوتوماتيك لأن فتاة ستقودها».
وبعد عودة عواضة إلى لبنان، اتصل به «شوقي» وطلب منه شراء سيارة سعرها 1200 دولار موجودة في بكفيا. وفعلاً انتقل العميل إلى بكفيا ونقل السيارة على «بلاطة» إلى النبطيّة. وبعد شهرين، أرسل له «سيمون» رسالة، طالباً منه ركن السيارة في موقف أحد مراكز التسوّق في بيروت وأن يضع مفتاحها على الدولاب. وهذا ما حصل، ثم انفجرت السيارة بعد أيّام قليلة في عين الحلوة.
كما يعتقد أنّ عواضة على علاقة بقضية اغتيال أحد كوادر «حزب الله» رضا ياسين الذي كان تحت المراقبة، قبل أن تستهدف سيارته عبر طائرة «أباتشي» إسرائيليّة في العام 1995، فيما نفى الموقوف الأمر، مشيراً إلى أنّه كان يعرفه ويتردّد إلى أحد المنازل لقربه من منزله ويأتي بأكثر من سيارة.
ولعواضة سجلّ حافل مع ضباط «الموساد» في عدد من الدول الأوروبيّة، وأبرزهم: «شوقي» (كان أكثرهم تواصلاً معه) و «جاك» و «فيكتور» و «لايفي» و «سيمون» و «فيليب» (الضابط الأعلى رتبة).
كما أنّه دخل أكثر من مرّة إلى فلسطين المحتلّة، حتى أنّه تلقى العلاج فيها حينما أصيب بالملاريا في العام 2004. وكانت الآلية المعتمدة هي سفره إلى إحدى الدول الأوروبية (مثل هولندا وفرنسا وألمانيا وبلجيكا)، حيث يتسلّم من إحدى السفارات الإسرائيليّة جواز السفر الخاص به، باسم «أحمد». ومن هذه السفارات أيضاً أو عبر «بريد ميّت» في عدد من المناطق اللبنانيّة، كان عواضة يتسلّم المبالغ الماليّة المصروفة له، بعضها لشراء «حاجيّات العمل» وبعضها الآخر كـ «معاش»، فيما يتلقّى «مصروف الجيب» (تكاليف السفر والإقامة في الخارج) من ضباط «الموساد»، كما قال.
تطوّرت «مهنة» العمالة مع تطوّر أدوات الاتصال. في البداية، كان التواصل يتمّ عبر جهاز اتصال مزوّد بلمبة صغيرة تصبح حمراء فور وصول رسالة من «الموساد»، ثمّ طابعة مزوّدة بسلك كهربائي يتمّ وصلها سلكياً بالتلفزيون (كان عواضة يخبئها في سقف المنزل)، حتى حصل على «لابتوب» (مزوّد بلمبة على مكبر الصوت) خلال لقاء ضباط «الموساد» في العام 2000 في باريس، وتدرّب على برنامج التواصل لفكّ تشفير الرسائل.
لائحة طلبات «الموساد» على مدى ربع قرن كانت كثيرة، وهي التي «أوحت» للمتّهم بالعمل على عدد من الأعمال التجاريّة تسهيلاً لحصوله على معلومات أمنيّة، وأهمّها نقل ركّاب إلى الحج وعدد من المقامات الدينية، ففي بداية حرب تموّز، كان يقل طلاباً تابعين لـ «حزب الله» إلى دمشق. بالإضافة إلى فكرة فتح «سنترال» في الضاحية الجنوبيّة التي سرعان ما استبدلت في العام 2004 بمحلّ لبيع أجهزة الكمبيوتر في حارة حريك بطلب من «شوقي» مقابل 10 آلاف دولار أميركي بغية بيع عدد من كوادر «حزب الله» أجهزة تســهل تعقبهم ومراقبتهم، غير أن البيع لم يكن «على قدر التوقعات»!
في العام 1998، وحينما كان عواضة في طريقه إلى الغابون، التقى «جاك» و «شوقي» وضابطاً ثالثاً في أوروبا، فطلب منه «جاك» فتح معرض للسيارات. وفي أحد الأيّام، وحينما كان عواضة يشتري 4 سيارات من ألمانيا، طلب «جاك» منه المفاتيح وأعادهم في اليوم الثاني. وأكثر من ذلك، فإنّ عددا من السيّارات المزوّدة بأجهزة تعقّب بيعت إلى كوادر من «حزب الله»، وإحداها إلى زوجة الشيخ «ن. خ» (كان مسؤولاً أمنياً). كذلك طلب منه أحد ضباط «الموساد» زيارة سوريا ودرس إمكان شراء سيارات من هناك، وهذا ما كان.
في المقابل، أصرّ عواضة على أنّه تعامل مع إسرائيل «خدمةً للبنان وللقضيّة الفلسطينيّة». قال انه استجاب لـ»المهمة» نزولاً عند طلب مؤسّس «جبهة التحرير الفلسطينيّة» في لبنان «أبو العباس» الذي التقاه في العام 2000 في العراق آخر مرة. وأشار إلى أنّه أكثر من مرة حاول تلف الأجهزة وعدم التواصل مع «الموساد» ورفض مهمات عدّد بعضها. وقال: «أنا لم أؤذِ حزب الله ولم أراقب كوادره بل كنت المكان الأكثر أمنا لهم عندما يكونوا معي. وإذا كان البعض في حزب الله مّمن يتواصلون مع العدو هم عملاء، فأنا عميل».
وإذ تحفّظ وكيل الدفاع عن عواضة، المحامي أنطوان نعمة عن تحويل الاستجواب إلى علني في الجلسات السابقة، علّق مفوض الحكومة في المحكمة العسكرية ممثل النيابة العامة القاضي هاني حلمي الحجّار على جلسة الأمس، بقوله «المتّهم يحاول تجميل عمالته، وإن استطاع خلال 25 عاماً خداع الشعبين اللبناني والفلسطيني فإنه لن يخدع المحكمة والنيابة العامة».
http://assafir.com/Article/410682
موقع المنار غير مسؤول عن النص وهو يعبّر عن وجهة نظر كاتبه