نحن العرب والمسلمين أحوج ما نكون إلى مقاطعة المنتجات الغربية والأمريكية فضلاً عن الإسرائيلية، لتكون ثابتاً من ثوابتنا.
بقلم د. مصطفى يوسف اللداوي
نحن العرب والمسلمين أحوج ما نكون إلى مقاطعة المنتجات الغربية والأمريكية فضلاً عن الإسرائيلية، لتكون ثابتاً من ثوابتنا، وأحد أهم مرتكزات نضالنا، وقواعد صمودنا، وعوامل تطورنا واعتمادنا على أنفسنا، للنهوض بقدراتنا، وتشغيل طاقاتنا، والاستفادة القصوى من امكانياتنا، على أن تكون المقاطعة لكل ما هو موجود بيننا، أو منتجٌ عندنا، أو متوفر لدى بعضنا، ولكل ما هو ترفٌ ونستطيع الاستغناء عنه، والعيش بدونه، مما لا يعطل حياتنا، ولا يفسد عيشنا، ولا يلحق بنا ضرراً.
ينبغي أن تكون المقاطعة ثقافة وتربية، وسلوكاً وممارسة، وتقليداً وعادة، وميراثاً وتعليماً، فلا نكون مضطرين لتجريد حملاتٍ لتأكيدها، ولا لتوعية الجماهير بها، ومحاولة اقناعهم باتباعها والالتزام بها، أو لحمل المواطنين عليها، واجبارهم بقوة القانون أو بالعقوبة الرادعة على الالتزام بها وعدم خرقها، ولا نكون مضطرين من حينٍ إلى آخر إلى بيان مزايا الانفتاح على اقتصاد العدو وحلفائه، وتعداد مساوئ سقوط جدار المقاطعة معهم، وانهيار حصون وقلاع الصمود والمواجهة النفسية التي تهيئ إلى المواجهة المادية وتقود إليها، وهو ما يتطلع إليه العدو وحلفاؤه، ويتمنونه ويعملون من أجله.
تستقوي الولايات المتحدة الأمريكية ودول الغرب علينا بسلاح العقوبات الاقتصادية، الذي تفرضه على بلادنا فترهق الاقتصاد، وتشل الأسواق، وتزيد في نسبة البطالة، وتتسبب في ركود الحال الاقتصادية، وتراجع مستويات الانتاج، وتردي درجة الجودة، وربما تؤدي إلى انهيار العملة، وفرض شروط البنك الدولي والمؤسسات المالية القاسية، التي تقوم في أغلبها على رفع الدعم عن السلع الأساسية، وتخفيض قيمة العملة الوطنية، بما يضر بالمواطن ويخرب الاقتصاد الوطني.
لا ينبغي أن نضطر دائماً إلى بيان مدى استفادة العدو من الانفتاح، أو مما يسمى بعملية التطبيع، التي من شأنها إلى جانب القبول به كدولة طبيعية في المنطقة، والاعتراف به ككيانٍ سياسي شرعي، واشتراكه في المنظمات الإقليمية والمحلية، والتحاقه بمعاهداتٍ واتفاقياتٍ اقتصادية مختلفة، تحقق له الازدهار، وتمكنه من الأولوية، وتعفيه من كثيرٍ من الرسوم والنفقات الإضافية، فإن انهيار المقاطعة والتطبيع ينعش الاقتصاد الإسرائيلي، ويفعل مراكز الإنتاج عنده، وينشط أسواقه، ويزيد في ميزانه التجاري بما يحقق عنده فائضاً كبيراً يستفيد منه في تطوير قدراته العسكرية والأمنية، والقيام بمهامٍ خاصة في المنطقة والجوار بما يخدم مشروعه، ويحقق أهدافه، والكيان الصهيوني في أمس الحاجة إلى المستهلك العربي، وذلك لقرب الأسواق منه وحاجتها المتزايدة، وقدرتها الكبيرة على التشرب والاستيعاب.
ربما يتفق الكثير من أبناء الأمتين العربية والإسلامية على ضرورة مقاطعة الكيان الصهيوني لأسباب متعلقة باغتصابه فلسطين، وتدنيسه لمقدساتها، وقهره لشعبها، والإساءة إليه قتلاً واعتقالاً وطرداً، وحصاراً وتضييقاً وتجويعاً، وهي مقاطعة قديمة تتجدد، تضعف حيناً وتقوى وتشتد في أحيان أخرى، يغذيها العدو بممارساته، ويفرضها بسياسته، ويدفع العرب والمسلمين حياءً أو قناعةً إلى وجوب مقاطعته، ولزوم معاقبته، ولعل هذا سلوكٌ فطري وطبيعي، يقوم به المتضررون دوماً تجاه المعتدين عليهم والغاصبين لحقوقهم.
ويقاطع آخرون من أبناء الأمة العربية والإسلامية منتجات بعض الدول الغربية لأسبابٍ تتعلق بالإساءة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بحجة حرية الإبداع والتعبير، وإهانة المقدسات الإسلامية، وتدنيس وتلويث وتمزيق صفحات القرآن الكريم، والتهكم على الطقوس والعادات الإسلامية، والإساءة إلى المرأة في حجابها، والتعريض بها والاعتداء عليها، والزامها بنزع الحجاب، أو الاحتجاب عن العيون وعدم الخروج من بيتها والتجوال، أو الرحيل والمغادرة والعودة إلى أوطانها الأصلية.
حتى تكون المقاطعة مغرية ومشجعة، ومجدية وفاعلة، وذات قيمةٍ ومردودٍ، وتكون مجالاً للتنافس والمفاخرة بين أبناء الأمة، الذين يشكلون بعددهم وانتشارهم الواسع أسواقاً كبيرة ورائجة، ويحققون استهلاكاً مهولاً ولافتاً، وحتى لا نلوم المواطن ونحمله مسؤولية فشل المقاطعة، ونتهمه بأنه يساهم في تخريب الاقتصاد الوطني، وأنه يشارك في إنعاش اقتصاد العدو وحلفائه، وأنه يفضل منتجهم على المنتج الوطني، وحتى لا نشكك في حسه الوطني وانتمائه القومي، وولاءاته الدينية، وقناعاته العقدية.
فإنه ينبغي على المنتجين العرب والمسلمين، وأصحاب المصانع وأرباب العمل، والمشرفين على الإنتاج والمسؤولين عن الجودة، أن يقدموا أفضل ما عندهم، وأن يضاهئوا بانتاجهم المنتج الغربي، وأن تكون بضاعتهم منافسة سعراً وجودة، ودقةً واتقاناً، ولا أعتقد أننا كأمة نعاني من القدرات والامكانات، أو نشكو من المواد الأولية وأساسيات الانتاج الطبيعية، إذ يوجد في بلادنا كل شئٍ مما يحتاجه الغرب ويبحث عنه، ويعاني من نقصه ويشكو من استيراده وشرائه.
فلا نطالب المواطن من أجل المقاطعة، والتزاماً بالمصلحة القومية والوطنية، بأن يشتري بضاعةً فاسدة، وأن يبتاع منتجاً تالفاً، أو أن يقتني أجهزة ومعداتٍ لا يدوم عمرها، ولا تطول فترة عملها، ولا تتوفر لها الخدمة المناسبة، ولا الضمانة الكافية، ولا الرعاية المسؤولية، فضلاً عن غياب المعاملة اللائقة، والتيسير الكريم، فلا سرعة في الأداء، ولا دقة في المواعيد، ولا التزام بالأولويات، ولا محاولة أو مساعي للارتقاء بالمنتج، وتجنب العيوب، وتجاوز النقص، والبحث عن الأفضل.
وفي الوقت الذي لا يشكل المنتج الوطني منافساً للمنتج الآخر لجهة الجودة والكفاءة، فإن أسعاره أعلى، وكلفة انتاجه أكبر، وهو عيبٌ كبيرٌ تتحمل الدولة والسلطات كامل المسؤولية عنه، فهي تتعمد أحياناً فرض ضرائب ورسوم على المنتج الوطني، فترتفع أسعاره، ويفقد قدرته على منافسة المنتج المستورد من الخارج، والذي يكون أحياناً معفىً من الضرائب، أو لا تفرض عليه جمارك كافية، بحيث تحد من تدفقه، وتقلل من استيراده، وتمكن المنتج الوطني من أن يحل مكانه، وأن ينافسه في السعر والجودة.
كما تتحمل السلطات الوطنية مسؤولية كبيرة تجاه المستهلك وأمام المنتج، إذ يجب عليها أن تلعب دوراً أكبر في الرقابة والمتابعة، وفرض الشروط ووضع المواصفات، ومعاقبة المخالفين، ومحاسبة المتجاوزين، فلا تقبل بمنتجٍ لا يحقق الجودة العالية، ويفتقر إلى المواصفات المطلوبة، ويشكل وجوده سبةً ونقيصةً في الأسواق الوطنية، وعليها أن تقوم بسحب المنتجات المخالفة، واتلاف الفاسد منها، ومنع تداوله، وكشف حقيقته، وفضح الجهات التي تقف خلفه، لمحاربتهم ومنعهم من المضي في مشاريعهم الفاسدة، أو لتشجيعهم على العمل بجدٍ أكثر، والمثابرة لإنتاج الأفضل.
قد تكون المقاطعة التزاماً دينياً، غيرةً وتعبيراً عن الغضب، وقد تكون رفضاً للاحتلال، ومساهمة في المعركة ضده، ولكن المقاطعة ليست كلية، كما أنها ليست دائمة، ولا تشمل كل بلاد العرب والمسلمين، بل هي بين مدٍ وجزرٍ، وبين اشتدادٍ وضعفٍ، رغم قناعة الجميع بجدواها، وشكوى العدو ودول الغرب من آثارها، ومعاناتهم من تداعياتها، إلا أن الالتزام بها محدود، والتشجيع عليها قليل، والإقدام عليها مترددٌ وخجول، وقد تتم في الخفاء أو على استحياء، وهي لا تكون كلياً إلا في أطرٍ ضيقة، وداخل مجتمعاتٍ ملتزمة عقائدياً أو قومياً، وقد يضعف أو ييأس الملتزمون بها أو الداعون إليها، عندما لا يجدون أثراً لجهودهم أو دعوتهم، ولا يلمسون إيماناً أو قبولاً بحملتهم، أو عندما يلاقون استهتاراً بهم وتهكماً عليهم، فهل نتهم المواطن المستهلك، ونضرب صفحاً عن السلطة المسؤولة وأصحاب المنتج المستفيدين.