"أنتم في هذه المنطقة العزيزة، قاومتم ودافعتم عن أرضكم، ورفعتم كاهل الاحتلال عنها، وأفشلتم مشروعه الّذي أراد من خلاله أن يسيطر على الأرض، وأن يعبث بوحدتنا الوطنيّة والداخليّة..
حذّر العلامة السيّد علي فضل الله من أنّ هناك من يريد أن يأخذنا إلى الفتن المذهبيَّة وصراع المحاور في المنطقة، مؤكّداً العمل وفق سياسة اليد المفتوحة ومدّ جسور الحوار. في إطار زياراته لمؤسَّسات جمعية المبرات الخيرية، قام سماحته بزيارة تفقّدية لمدرسة الإشراق ومبرة الخير في مدينة بنت جبيل، وكان في استقباله مديرة الثانوية رابعة بيضون، وعدد من أعضاء الهيئة التعليمية والإدارية، وطلاب المدرسة.
وقام سماحته بجولة تفقّدية على الصفوف، اطلع خلالها على أساليب التدريس، ثم التقى مجلس الطلاب في المدرسة، وأعرب عن سعادته بهذا اللقاء، داعياً الطّلاب أن يكونوا على قدر التّحدّيات الّتي تواجههم، وأن يعملوا على تنمية قدراتهم وتطويرها، وأن يكونوا الصوت لا الصدى، وأن يتحقّقوا من صحّة أيّ خبر يصلهم ومدى دقته قبل إطلاق الحكم، مشيراً إلى أنَّ هناك من يسعى في هذه المرحلة لبثّ الإشاعات والفتن في مجتمعاتنا، من أجل زعزعتها وإدخالنا في صراعات وحروب طائفيَّة ومذهبيَّة وعرقيَّة.
وفي اللقاء الَّذي أقيم في مبرة الخير حول التربية والتنمية المستدامة، بحضور عدد من الفاعليات الدينيّة والاجتماعيّة والأهليّة والبلديّة، تقدَّمهم رئيس بلدية بنت جبيل عفيف بزي، ورئيس بلدية عيناثا عباس خنافر، والأب ميشال خوري، ألقى سماحته كلمة جاء فيها: "إنَّ هذا اللقاء هو لقاء الأحبة الّذين يفكّرون معاً في كيفيّة العمل للنهوض ببلدهم على مختلف المستويات، فمجتمعنا يحتاج إلى تضافر جهود الجميع، وتقع على عاتقنا مسؤوليّة كبيرة في الحفاظ على هذا البلد وعلى قوّته وأمنه واستقراره، في ظلّ ما يحصل في محيطنا. ونحن في لبنان تعلَّمنا أن نقلع أشواكنا بأظافرنا، من خلال إطلاق المبادرات الفردية والجماعية الَّتي كان لها الدّور الأساسي في تطوير المجتمع، والعمل على سدّ فراغ غياب الدولة عن القيام بمسؤولياتها ومهامها على مختلف المستويات".
وأضاف: "أنتم في هذه المنطقة العزيزة، قاومتم ودافعتم عن أرضكم، ورفعتم كاهل الاحتلال عنها، وأفشلتم مشروعه الّذي أراد من خلاله أن يسيطر على الأرض، وأن يعبث بوحدتنا الوطنيّة والداخليّة، فحافظوا على هذه الوحدة، ولا تسمحوا للمتسبّبين بالفتن بأن يجدوا أرضاً خصبة لهم".
وقال: "كنا وما زلنا ندعو إلى أن تقوم الدّولة بمهامها. لسنا ضدّ أن يكون لكلّ طائفة مؤسَّساتها الَّتي ترعى خصوصيَّتها، ولكنَّ الخوف من أن تضع جداراً فيما بينها، وتتحوّل هذه المؤسَّسات إلى كهوف مذهبيّة وطائفيّة ودينيّة، تعمل لمشاريع خاصة، بدلاً من أن تتعاون وتتلاقى من أجل رفع مستوى إنسان هذا البلد وتطوير مستقبله".
وأكّد سماحته أنّ هدف هذه المؤسَّسات، هو مد اليد والانفتاح على الجميع، من أجل بناء وطن قوي وعزيز، يشعر الإنسان فيه بالمواطنة والانتماء إليه، معتبراً أنّ مسؤوليّاتنا كبيرة أمام ما يخطّط لهذا البلد من محاولات وسعي لتقطيع جسور التواصل بين أبنائه، والعمل على إقامة المتاريس النفسية، في ظلّ هذا الانقسام وصراع المحاور والعصبيات التي تشهدها المنطقة.
وأردف قائلاً: "نقول دائماً للَّذين يعملون في المجال التربويّ والتنمويّ والاجتماعيّ: أنتم في المواقع المتقدّمة لحماية الوطن، ومسؤوليَّتكم جميعاً أن تشدّوا على أيدي بعضكم البعض، وأن تتبادلوا الخبرات، سعياً لحماية إنسان هذا البلد، ورفع الحرمان عن كاهله، وإزالة شعوره بالتهميش، وبناء مستقبل أفضل له.
إنَّنا بحاجة إلى وقاية إنسان هذا البلد وإنسان هذه المنطقة من كلّ الأمراض الَّتي تهبّ عليه، ومن كلّ الشّحن الطّائفيّ والمذهبيّ، وهذا يتمّ من خلال الأسرة والمدرسة والمسجد والكنيسة والإعلام".
وختم سماحته بالحديث عن أهمية التنمية البشرية الخاضعة للتّخطيط، من أجل استمرارها وعدم ارتجال المشاريع، لافتاً إلى أنَّ التنمية تحلّ الكثير من المشاكل التي يعانيها واقعنا، وانعدامها يشكّل بيئة حاضنة لظواهر بعيدة عن ثقافتنا وأخلاقنا، تنشأ وتترعرع في أجواء من الفقر والتخلف والجهل والحرمان، مشيراً إلى أنّ ظاهرة التكفير هي ظاهرة عابرة وطارئة على أمتنا ومنطقتنا، وليست من الدين، وإن حاول أصحابها أن يعطوها هذا الغطاء، فهي غير متجذّرة في هذا الواقع، وكلّ تاريخنا وتعايشنا معاً هو خير دليل على ذلك. وقد قدَّمت هذه المنطقة نموذجاً في التّعايش والتّواصل، وإن كان هناك من ثغرات، فسرعان ما يتداعى الواعون لإزالتها وردمها.
وقام السيد فضل الله بقصّ شريط افتتاح عيادة أسنان في مبرة الخير، ومن بعدها، تم افتتاح ملعب كرة قدم، كما جرى لقاء مع المعلمين والمعلمات، ثمَّن سماحته خلاله التضحيات والعطاءات التي يقدّمونها في خدمة رسالة العلم والتعليم. كما تفقّد سماحته أسر الأيتام في المبرة، واطّلع على أوضاعهم.