إبّان صدور القرار الدولي 1559، بدأت فكرة الإغتيال السياسي في الشرق الأوسط عبر مؤسسة استخباراتية في إسرائيل تدعى "اللجنة الأميركية من أجل لبنان الحر" أو "لجنة عبد النور".
نادر عزالدين
جريمة العصر، مصطلح رافق عملية اغتيال رئيس الوزراء اللبناني الأسبق رفيق الحريري، وهو حتى اللحظة يكاد يكون الشيء الوحيد الذي اتفق عليه المعنيون بالموضوع خاصة في لبنان، فالمعنيون كثر ولا يمكن حصرهم بما يسمى أولياء الدم الذين أثبتوا من خلال تعاطيهم مع الحدث بأنهم أبعد ما يكون عن هذه الصفة.
هؤلاء الذين يصرّون ليل نهار على اتهام أبرياء بارتكاب جريمة اغتيال الحريري بعدما رفض حزب الله طرحهم للمقايضة ما بين السلطة ودم من يفترض أنهم مؤتمنون على كشف من قتله.
هذا الفريق ذو الوجوه الكالحة الذي يتزعمه نجل الراحل ويقوده من جهة شخص ورث زعامته السياسية من أخيه الذي وصل إلى كرسي الرئاسة على ظهر الدبابة الإسرائيلية، عدا عن كونه صاحب التاريخ العريق بدفع لبنان نحو الحضن الإسرائيلي من خلال اتفاقية العار في 17 أيار وغيرها. أما الآخر فخرج من السجن بصفقة سياسية خبيثة لا يمكننا تصنيفها سوى في خانة أكثر الصفقات عاراً في تاريخ لبنان الحديث، وكيف لا تكون كذلك والمعفى عنه هو من قتل الرئيس رشيد كرامي بدم يكاد يكون أبرد من الجليد؟
هذا الثلاثي الذي لم يملّ منذ ست سنوات من محاولاته لزرع الفتنة والشقاق بين اللبنانيين من جهة والقضاء على المقاومة من جهة أخرى، رفض رفضاً قاطعاً كل ما قدمته المقاومة من دلائل تثبت تورط العدو الإسرائيلي باغتيال رفيق الحريري، وها نحن نراه اليوم يشيد بقرار اتهامي لا يستند إلى أي دليل مادي! بل هو مبني على فرضيات مسربّة منذ أعوام عدة لا تعدوا كونها استنتاجات من محققين أجانب تربطهم صلات وثيقة بإسرائيل! ويا ليته اكتفى بالإشادة فقط، لا بل إن الفريق الذي يتزعمه هؤلاء لم يخجل من المطالبة ليل نهار بتمويل هذه المحكمة من جيوب الشعب اللبناني!
في تحقيقنا هذا والذي يستمر لخمسة أجزاء، سنكشف النقاب عن فرضية قديمة – جديدة حول كيفية اغتيال الحريري ظهيرة الرابع عشر من شباط عام 2005. هي فرضية قديمة لأن عمرها يعود إلى شهر شباط من العام 2007، وهي جديدة أيضاً لأنها حتى يومنا هذا لم تنشر في أي وسيلة إعلامية، ونقول إنها فرضية لأننا لسنا محققين أو قضاة ولن نضع أنفسنا في هذا المقام كما فعل الكثيرون من أصحاب الوجود الكالحة. في هذه الفرضية أو هذا السيناريو لا وجود لألوان، لا أحمر ولا أخضر ولا أزرق ولا أصفر ولا أرجواني، كما أنه لا وجود لأشخاص مجهولي الهوية.
وللأمانة، فإن ما سنعرضه كان بمتناول أيدينا منذ التاريخ المذكور، أي منذ أن كشف عنه عضو اللجنة الإدارية لجمعية الأطباء الأميركيين العرب الأستاذ الدكتور مفيد الصواف، ولم نكن بوارد نشره أو الدخول في سجالات التحقيق والإتهام، إلا أنّه بعد الإطلاع على محتويات القرار الإتهامي الذي لا يحترم حتى عقول الناس، وبعد إصرار فريق 14 آذار على استغلال ما تبقى من أموال اللبنانيين لتغطية تكاليف محكمة إسرائيلية أنشئت لتكون أداة في مشروع تفتيت المنطقة، كان لا بد من طرح "سيناريو اغتيال رفيق الحريري" ليقرر اللبنانيون أي فرضية هي الأقرب إلى عقولهم، وليعلموا كيف يدفعون 60 مليون دولاراً من أموالهم لتبرئة العدو الصهيوني واتهام شرفاء الوطن باغتيال رفيق الحريري. وذلك مع اقتناعنا التام بأنّ معظم عمليات الإغتيال السياسي والجرائم الكبرى خُططت كي لا تُكشف أبداً، جون كينيدي، أكينو، 11 أيلول، ياسر عرفات، رفيق الحريري، وآخرون.
يكشف مدير وحدة التخطيط في المجلس الأعلى لوكالة الاستخبارات المركزية الأميركية يوجين جولدمان، والمتخصص بكشف المعلومات السريّة الخاصة بالبنتاغون دانيال ايلسبرغ ، و ضابط الإرهاب المضاد في الـ C.I.A.مايكل شوبر وجه الحقيقة فيما حصل، وكل ما سيرد في أجزاء هذا التقرير مبني على ما كشفه هؤلاء.
الدوافع الأميركية والإسرائيلية للإغتيال السياسي في الشرق الأوسط
بعد احتلال العراق، وإبّان صدور القرار الدولي 1559، بدأت فكرة الإغتيال السياسي في الشرق الأوسط عبر مؤسسة استخباراتية في إسرائيل تدعى "اللجنة الأميركية من أجل لبنان الحر" أو "لجنة عبد النور"، وهي لجنة مقربة من دوائر المحافظين الجدد وعلى علاقة وثيقة وقوية مع دوائر الضغط اليهودية والمسيحية وتنسق نشاطاتها السياسية بشكل خاص مع سياسة حزب الليكود الإسرائيلي عن طريق المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي.
وبالإضافة إلى ذلك هناك ترابط وثيق بين هذه اللجنة والإتحاد الأورثوذكسي ومؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأميركية - الإسرائيلية (ايباك) والإئتلاف المسيحي الأميركي، كما أنها تعتبر منظمة حربية إسرائيلية ضد كل من لبنان وسورية، بل إنها بنية إسرائيلية ذات وجه لبناني.
فقامت هذه اللجنة بوضع صور الشخصيات المراد اغتيالها على "ورق اللعب"، وكان منها سماحة السيد حسن نصرالله والرئيس اميل لحود والرئيس نبيه بري والرئيس رفيق الحريري والرئيس ياسر عرفات والشيخ أحمد ياسين وغيرهم. وعلى رأس هذه المجموعة تربع "اس البستوني" باسم رفيق الحريري، وكتب إلى جانب صورته أنه الأكثر طلباً، تبعه السياسي اللبناني إيلي حبيقه مع شطب صورته ، لأن اغتياله كان قد تم بالفعل عام 2002، وقد شارك في هذه الخطة على هذا الموقع الالكتروني المفكّر اليميني الأميركي المتطرف رتشارد بيرل والمعلّق السياسي دانيال بايبس بالتعاون مع المؤسسة الحربية الإسرائيلية.
تبنّى هذه الفكرة الموساد الإسرائيلي ثم حكومة شارون الأمنية المصغّرة ثم شاركتهم الـ C.I.A.، قبل أن تجري بعدها الموافقة ودعم فكرة الاغتيال السياسي هذه من قبل مجلس الأمن القومي في حكومة بوش، كون هذه الفكرة تساهم وتساند وتدعم المشروع الأميركي من أجل شرق أوسط جديد، الذي يستند على إحداث تغيير في ديموغرافية وجغرافية منطقة الشرق الأوسط بإحداث الفوضى وإشعال الفتنة والإقتتال الأهلي والطائفي والمذهبي ما بين السنة والشيعة أولاً، ثم ما بين الطوائف والأقليات والاثنيات الأخرى ثانياً، مما يؤدي إلى تشكيل "تكوينات فدرالية" و"كنتونات" ضعيفة وعديدة في الشرق الأوسط، بِدءاً بالعراق ولبنان وفلسطين وامتداداً إلى الدول الأخرى المجاورة في المنطقة وذلك لتحقيق هدفين، أولهما الاستيلاء المباشر على نفط الشرق الأوسط جغرافياً وسياسياً، وثانيهما هيمنة إسرائيل الإقليمية على الدويلات المنقسمة في الشرق الأوسط . |
انسحاب المخابرات السورية خلق الفجوة الأمنية
في المنظور السياسي الأميركي، يُعتبر الجيش السوري الذي كان متواجداً في لبنان عقبة كبيرة لإطلاق ونجاح مشروع الفتنة والإقتتال الأهلي والتقسيم في هذا البلد. فبدأت الضغوط الدولية تتوالى على سوريا لسحب قواتها من لبنان في سياق تنفيذ مقررات اتفاق الطائف بعد انسحاب العدو الإسرائيلي تحت ضربات المقاومة من غالبية أراضي الجنوب اللبناني المحتل في 25 أيار 2000.
بعدها أجرت الحكومة السورية ستة انسحابات واعادة انتشار لقواتها العسكرية في 14 حزيران 2001 و3 نيسان 2002 و19- 25 شباط 2003، و14 تموز 2003، و27 أيلول 2004 ، وأخيراً في 18 كانون الأول 2004. وفي هذا الإنسحاب الأخير ولأوّل مرة منذ عام 1976 سحبت سوريا فرق المخابرات من مواقعها في لبنان، وأزيلت المفارز الأمنية من مطار بيروت الدولي ومن الضواحي الجنوبية لبيروت والساحل الشمالي لمدينة البترون. هذا الانسحاب للمخابرات السورية خلق فجوة أمنية كبيرة في لبنان، أدى ذلك الى تسرب مخابرات الدول الأجنبية والعربية ( أميركية، إسرائيلية، أوروبية، أردنية، مصرية، وسعودية)، بالإضافة الى تسرب منظمة القاعدة وفروعها خصوصاً إلى بيروت ثم الجنوب والشمال اللبناني. تلك الفجوة الأمنية جعلت الأمن في بيروت وبقية المناطق متردياً ومعرضاً للخطر قبل أكثر من شهرين على اغتيال رفيق الحريري.
أضف إلى ذلك أن معارضة السوريين للإحتلال الأميركي للعراق، وعدم موافقة الرئيس السوري بشار الأسد على النقاط والشروط الأميركية التي قدمها وزير خارجية الولايات المتحدة كولن باول، كانا عاملين أساسيين لدى الإدارة الأميركية للشروع في الضغط على الدولة السورية من أجل سحب وإخراج الجيش السوري من لبنان، ومن ثم الإتجاه نحو عزل النظام السوري، والمباشرة في تأسيس وتأييد معارضة لبنانية ضد التواجد السوري في لبنان، وأخيراً تأسيس اتجاه وتيار سني معارض ضد الإتجاه الشيعي المتمثل في حزب الله بما يمثل من خطر بسلاحه الصاروخي على أمن إسرائيل .
في الجزء الثاني: كيف سرّع لقاء نصر الله – الحريري عملية الإغتيال؟